عساف جائزة فلسطين - احمد دحبور
يخيل الي، والجميع يحتفلون بفوز محمد عساف، ان اي فلسطيني راح يتبادل التهاني مع اي فلسطيني يراه، فما سرّ هذا الفرح العصبي الجمعي، مع ان ما جرى ليس اكثر من نجاح شاب في الثانية والعشرين من عمره بين اقرانه العرب المتنافسين على جمال الصوت والاداء؟ والجواب ان الامر لا يحتاج الى دراسة وتحليل، فهذا الشعب الذي انعم الله عليه بهذه الهوية الفريدة، يعاني منذ بضع سنوات وستة عقود، من سياسة جائرة في المجتمع الدولي، حذفت فلسطين من الخريطة ذات يوم، فأصبحت كل نأمة تشير الى وجوده بمثابة عيد وطني لديه..
اذكر، منذ زهاء خمسة وثلاثين عاما، ان فاز فتى من صفورية، ولعله من بيت السعدي، في مباراة ملاكمة من وزن الريشة، وكان يتحدث الى كاميرا التلفزيون العربي السوري، فكان في حالة من الغبطة والانفعال والنشوة، حتى وصل الى لحظة استماعه الى النتيجة، وقال وهو بين التلعثم واللهفة انه حين اشار الحكام الى انه فلسطيني واوعزوا باذاعة نشيد بلاده الوطني، شعر بأن شعر جسمه قد وقف، وانتابته قشعريرة لا توصف، ووجد نفسه يجهش في البكاء.. هذه الحادثة القديمة العادية، عادت الي بكل زخمها ودلالاتها يوم فوز محمد عساف، اذ ان الذي جرى كان هو ما رأيناه وسمعناه تحديدا، حتى ليبدو وصفه نوعا من التزيد كأن تبلغ جارك بأن الشمس قد اشرقت صباحا او ان الماء مركب من الاكسجين والهيدروجين. فهي الفرحة ولا شيء سواها، واياك ان تسأل عن اسبابها، واذا كان لا بد فاشكر ام محمد عساف واباه لانهما انجباه، واشكر الحياة، لانها على الظلم المتواصل الذي تعرض له الفلسطينيون، قد ابتسمت بطريقة ما.
ما علينا الا ان نحتضن شوارع العرب التي امتلأت بالمشجعين، وان نشكر التعاطف الحميم الذي تبديه امة كاملة ولدها الفلسطيني، وان تشكر المؤسسات الاعلامية التي تسابقت الى التعبير عن الفرح، من غير ان تظن ولو للحظة واحدة، ان هذه التغطية قد بلغت ما يسمى درجة التشبع الاعلامي، فالمناسبة - على بساطتها - عزيزة ثمينة، وقد آن للفرح ان يطرق الباب الفلسطيني، ولو عبر حنجرة هذا الشاب البديع..
محمد عساف..
والميم ان المجد الفني بين يديك..
والحاء حلال عليك
والميم الثانية ملائكة الغبطة والفرح تشير اليك
والدال دنيا العرب تزفك وتنتشر حواليك
العين عليِّ الكوفية ولولح فيها
والسين سفير النوايا الطيبة لكل العالم نبديها
والالف انت عنوان سعادة آن لنا ان نوافيها
والفاء الفلسطينية تحتفل بواحد من اعلى بنيها
هكذا نخرج عن الوقار ويستخفنا الطرب، ولا نسأل العرب ان يهنئونا بل نحن من نبارك للعرب، فقد كان في تقاليدنا القديمة انه اذا نبغ في القوم فتى يقيمون له الافراح والليالي الملاح ويتبادلون التهاني..
ورب متزيد معقد ينتقد هذا الاحتفال الشعبي بهذا الحدث العادي، بل انني سمعت من يغمز من قناة الرئيس ابي مازن متسائلا عما اذا كان لم يجد ما يفعل غير الاهتمام بعساف. والى ضيقي الافق والمخيلة نقول ان الحياة جميلة وتستحق ان تعاش ورحم الله شاعرنا الكبير الذي فاجأته الحياة بأن على هذه الارض ما يستحق الحياة، فكيف بنا ونحن ذاهبون الى الحياة الانسانية لا كضيوف عليها بل بوصفنا من ابنائها وشركاء فيها؟
قبل ظهور النتيجة كنا نقول، ليس مهما ان ينجح هذا الفتى او لا ينجح في مسابقة ما، بل المهم انه تكرس نجما واصبح جزءا من الذاكرة الجمالية الفلسطينية.. واليوم بعد ظهور نتيجة وفوز محمد عساف بالدرجة الاولى، نقول ان ذلك الكلام لم يكن تعزية للنفس في حال عدم الفوز.
فقد فاز الفتى وما زلنا نقول ان الاهم هو ما تحقق في الطريق الى هذا الفوز، فهي نتيجة لم يختلف على استحقاقها اثنان، وهي مناسبة لنشكر لجنة التحكيم النزيهة، ولنشكر شعبنا العربي ولا سيما في مصر وسوريا، على امانته الموضوعية، فليس سرا ان سوريا اكبر من فلسطين في عدد السكان، وان مصر هي ام العرب قبل ان تكون ام الدنيا، ولوكان في المنافسة هوى اقليمي او انعزالي لما جاءت النتيجة كما أتت، فلنا ان نفخر بانتمائنا المشرف الى هذا الوطن الكبير.
.. ويا محمد عساف.. علي الكوفية.. فلأنت الجائزة التي يستحقها شعبك المعطاء..