"العيدية": حسابات الجيوب وخفقات القلوب!
محافظات - ألف - عبد الباسط خلف: كان عادل الشيخ إبراهيم، وهو على مشارف العقد السادس من العمر، يفتش جاهداً عن فئة العشرين شيقلا الورقية قبل أيام من حلول عيد الفطر. ولولا أن ابتسم له الحظ في أحد محلات الصرافة بنابلس وعثر على ضالته، لكان قد دخل في أزمة كبيرة حسب وصفه.
وعادل موظف بدخل متوسط، وأخ وحيد لتسع شقيقات. هذا يعني بلغة الأرقام، أن حلول العيد ليس بمسألة عابرة بالنسبة له، في ظل أنصاف رواتب وغلاء معيشة ومستلزمات كبيرة.
بلغة الأرقام المجردة، يقضي عادل اليومين الأولين من العيد مع أخواته ليقوم بالواجب ويقدم "العيدية" لهن. فهن تسع أخوات، وبناتهن نحو 35 بين متزوجات أو صبايا.
يقول بوجه يتصبب عرقا: "أن يرتبط العيد بالمال، فذلك ليس بالأمر الجيد. إنه تعبء على المرء وفوق طاقته. فأنا أعمل بأجر يصل ألف وخمسمائة شيقل كل شهر، وتكاليف العيد باهظة حتى بدون عيدية. ويمكننا أن نُعّبر عن مشاعر الحب والاحترام والمودة بألف طريقة وطريقة غير دفع النقود."
يدفع الشيخ إبراهيم خمسين شيقلاً لكل واحدة من أخواته، أما بناتهن فيكتفي بوضع عشرين شاقلاً في يد كل واحدة منهن. وباعتقاده فإن "العيدية" لطيفة وهي تدخل السعادة إلى قلوب الآخرين، لكنها إذا كلفت النفس فوق وسعها، تصبح ثقيلة.
لا تعلم عبير أبو حماد، وهي موظفة بمؤسسة رسمية في جنين، السر الذي وقف ولا زال وراء رفضها للعيدية، منذ طفولتها وحتى اليوم.
تقول:"قد يعتبرها البعض وسيلة لصلة الرحم، ومساعدة مُبطنة لمن يُطلق عليهن "الولايا". وهذا أمر مغلوط، وأرفضه جملة وتفصيلا. والسبب أن العشرين أو الخمسين شيقلاً لن تقدم أو تؤخر في ميزانية أسرة فقيرة أو متوسطة الحال أو معدمة. ولا يمكن أن تكون صلة الرحم يوم العيد فقط، ومن يريد أن يساعد قريباته وأقاربه، فالباب مفتوح طوال 365 يوماً في السنة وليس هناك داع للالتزام بتاريخ محدد."
وتضيف أبو حمّاد: "للعيدية وجهان، فهي تعتبر مساعدة للفتيات المتزوجات وغير المتزوجات من الأقارب، لكنها تشكل عبئاً ماديًا باهظاً في ظل ظروف صعبة."
فيما حاول المواطن صلاح عبد الكريم تنفيذ اقتراح في العيد الماضي، إلا أنه قوبل بالرفض. يقول: اقترحت على أخوتي ومعارفي، أن نستبدل دفع النقود، بهدية أخرى، لكن أحداً لم يقبله. وبما أن الأمر ليس بالمادي، فينبغي أن نتعامل بطريقة ألطف، فالعيدية ليست "كتاباً مقدساً" لا يمكن أن نفكر في إعادة النظر فيه."
ويتساءل: "ألا يشعر البعض بالحرج، وهو ينسى أخته التي تعيش في وضع اقتصادي صعب مثلاً طوال العام، ويتذكرها مرة في السنة؟. وأعرف أمثلة لأب حرم بناته من الميراث، وسجل كل ما يملكه لأولاده، بما فيه ميراث زوجته من أهلها، لكنه لا يأتي إلى بناته إلا مرتين في السنة، ويدفع لكل واحدة ورقة نقدية، ويذهب في حال سبيله!
وتؤكد ابتسام صادق، السيدة التي رحل زوجها عن الدنيا وصارت تعاني الفقر، قبل سنوات: "أشعر بأن العيدية جيدة، لكنها لا تعني أن ينسى الناس بناتهم طوال العام، ويأتون إليهن ليدفعوا مبلغاً من المال قد لا يساوي شيئاً مرتين في السنة.
وتضيف: أنا شخصياً رجوت الأهل والأقارب أن لا يدفعوا لي نقوداً، وأن يتذكروا كيف أعيش طوال عام. وأخبرتهم أنني أريد تضامنهم وعطفهم ورابطة الدم التي تربطنا، وهذا يكفي. وأعرف بعض العائلات التي تحسب العيدية بالقلم والورقة، وتتمنى أن لا يأتي العيد لأنه مكلف بالنسبة لهم، ومرتبط بالمال.
تعتقد الطالبة الجامعية عهد عبد الجابر، أن العيدية أمر رائع للأطفال الصغار، لكنه ينبغي أن ينتهي من قاموس الكبار.وتتساءل: ما معنى أن يتداول الناس النقود يوم العيد، فنحن لسنا في بنك، وجميل أن نفكر في تقديم علبة حلوى أو قطعة للمنزل أو أي شيء آخر، بدلاً من أن ندفع نقوداً. وما دمنا نريد عادة إيجابية، ونسعى للتواصل مع الأقارب و"الولايا"، فالمسألة رمزية ويجب أن لا تقاس بالدنانير والشواقل."
ويرفض محمد الكرمي، الموظف بشركة خاصة بطولكرم، أن يفكر أحد بمراجعة تقليد دفع النقود للقريبات. ويقول: المسألة لا تحتمل نقاشاً، فالعيدية تقليد رائع، وتضامن، وهي أيضا تعبير عن الاحترام والتقدير، ولا تقاس بقيمتها المادية. ومستعد لتوفير نقود العيدية ولو بطريق الدين؛ لأنها أحد عناصر "الفطر" و"الأضحى"، ولو تخلينا عنها، سيكون العيد بلا طعم. وكيف سنزور قريباتنا المتزوجات في بلدان بعيدة، بدون أن نقدم لهن "عيدية"، ولو أننا حملنا معنا أي شيء آخر، لقيلت عنا أشياء غير جيدة، من القريب والبعيد.