لاجئات يرسمن أجواء رمضان في القرى المدمّرة والمخيم!
لاجئات يرسمن أجواء رمضان في القرى المدمرة والمخيم!
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
رسمت لاجئات من مخيم الفارعة أجواء شهر رمضان وطقوسه وأطباقه في القرى المدمّرة، وبدايات تأسيس المخيم بعد النكبة.
وأعادت المشاركات، خلال الحلقة الرابعة عشرة من برنامج 'ذاكرة لا تصدأ' الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في المخيم، الحياة إلى قصص نسجتها لهن أمهاتهن وجداتهن، فيما تذكرن أجواء الشهر الفضيل خلال ستينيات القرن الماضي.
وتقول الستينية فاطمة صبح، التي تنحدر من قرية الريحانية قرب حيفا: كان الجميع فيها عائلة واحدة، تجتمع على السحور والفطور، وحدثتني جدتي جميلة الملّاح، كيف كانت تطبخ البرغل المفلفل مع الشعيرية على الحطب، وتقدمه للعائلة خلال وجبة السحور، إلى جانب وجبات اللبنة والحليب البلدي الطازج، والزبدة المنتجة في البيت.
حافظت الجدة الملاح على تقاليد الريحانية، ونقلتها إلى المخيم، إلى أن توفيت قبل عدة سنوات، لكن الحفيدة، صبح، تستذكر حكايات الثلج الذي كان يُباع في شوارع المخيم، قبيل الإفطار، فيما حرصت الأسر على الاجتماع في بيت كبير العائلة.
وتسترد هدى تيسير الخطيب ( ولدت عام 1953) أجواء رمضان في إجزم القريبة من حيفا، وفيها روايات مُرّة، حين قصفت طائرات العصابات الصهوينية القرية بالطائرات، بالتزامن مع وقت الأفطار، وقتلت العديد من المجتمعين على الموائد، وأجبرت الباقين على الفرار بجوعهم وعطشهم!
ووفق الستينية فخرية رجا نعجة، المنحدرة من الكفرين المجاورة لحيفا، فإن عماتها ووالدتها وزوجات عمها كن يسابقن الفجر، لإعداد وجبات من البرغل، فيما يُحضرّن الحليب الطازج والبيض والزبدة في البيت، وينقعن القمردين في الماء، ويحفظن زير الماء بلفات من الخيش الرطب، كي يبقى بارداً.
تقول: كان جدي إسماعيل يزرع على 'عين الحنانة'، ويخصص محصولاً لمواسم رمضان، كالفجل والبقدونس والنعناع والملوخية، وتتناول العائلة كلها السحور معاً. وظلت أمي تُحضر وجبة المطقطقة في المخيم( لفائف من العجين تُقلى في الزيت ويضاف لها الجبن واللوز والقطر)، أما عمتي عفيفة فحافظت على عادة صنع حلوى البصامي( خبز الصاج الرقيق، المقلي بالزيت، والمُشبع بالقطر).
تزيد: خلال العيد كان عمي أسعد يربط الحبال على الأشجار العالية في الكفرين، ويصنع المراجيح، وكانت أمي وبنات البلد الصغيرات يقضين فترة طويلة في اللعب، وخلال أيام الحر في العيد يذهبن للسباحة في عين الحنانة. أما حلوى العيد فكانت القطين( التين المجفف) وراحة الحلقوم.
تتابع: في المخيم لا زالنا نستذكر المسحراتي سليمان البابا الذي كان يوقظ الناس على سحورهم ويقلع لهم أسنانهم بطريقة بدائية، وبعده: أبوالمنجد، ومحمد صلاح، ونمر قنديل، فيما كان الجيران يتهادون الطبخات التي يحضرونها، ويجتمعون في بيت كبير العائلة، أما اليوم فتغير الحال.
وتروي روضة جوابرة (أبصرت النور عام 1959) المنحدرة من بعلين، جنوب فلسطين: حدثتني جدتي صفية، كيف كان أهل بلدنا يجتمعون في مجالس تسمى 'حوزات'، ويحضرون الزغاليل والدجاج البلدي المحشي للإفطار، ويتسحرون مع بعضهم على المهلبية (وهي خلاصة النشا المستخرج من القمح بطريقة يدوية مضافاً إليها الحليب). وفي العيد، كان الأولاد يأخذون البيض ويستبدلونه بالحلوى من البقالات الصغيرة، وتذهب البنات للعب في المراجيح المربوطة بأشجار التوت.
وحسب جوابرة، فقد حافظت العائلات التي خسرت وطنها عام 1948 على تقاليد قراها الأصلية، ونقلتها إلى المخيم خلال مواسم رمضان والأعياد، وبخاصة احترام الكبار، والاهتمام بالأطفال وتوفير الألعاب لهم.
تضيف: عمل والدي ( خالد جوابرة) وأخي جهاد في تجارة قوالب الثلج، فقد أشتروا ثلاجة تعمل على الكاز، وكانوا يبيعون بضاعتهم بعد العصر، لعدم وجود الكهرباء، وللحصول على الماء البارد. فيما كانت النساء تذهب إلى عين الماء، بجوار المخيم، لإحضاره بصفائح على رؤوسهن.
وتسرد خيرية أبو مرد، التي ولدت في الكفرين قبل عام واحد من النكبة: كان رمضان في بلدنا كما حدثتني أمي جميلاً، والناس كلها تقترب من بعضها، أما في المخيم فقد عشته داخل الخيام على السراج، وكان صعباً علينا، وشعرنا بمعنى المرار.
وتقص ابنة يافا وطفة سوالمة، ما سمعته من أمها: كان الناس يذهبون إلى البحر في رمضان هرباً من الحر، وبعضهم يأخذ فطوره ليتناوله على الشاطئ، وكان جدنا محمود الأفندي، يجلس في ديوانه، ويجتمع عنده الناس لتناول السحور والإفطار.
تقول: كنا ننتظر المؤذن أبو عطا ليصعد إلى مئذنة المسجد في المخيم، ونحن الأولاد نركض إلى بيوتنا بسرعة حينما نسمع الأذان، وفي إحدى الأيام اشتريت من عوامة الحاجة زينب المصرية (جاءت إلى المخيم من مصر)، وتناولتها قبل الأذان بوقت قصير، وأنا أقول لأمي بعدني صايمة. وكنا نشتري دبس الرّمان، والطحينية والسمنة والسكر بالأوقية. وكنت أحني يداً واحدة، لأعيد أخذ العيدية مرتين، وحتى لا يميزني أقاربي، فأقول لهم: هذه اليد بيضاء ما تعايدت!
تتابع: وخلال ليلة العيد، كنا نضع أكياساً تحت رؤوسنا، لنفيق باكراً، ونذهب إلى المقبرة، ونجمع الحلوى والتين المجفف من أهالي الموتى.
بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن تخصيص 'ذاكرة لا تصدأ' للروايات النسوية يأتي لتسجيل شهادات دقيقة في وصف شهر الصوم وطقوسه وذكرياته، وللتذكير بأجواء رمضان في القرى المدمرة، وحجم الخسارة التي سببتها مرارة الاقتلاع منها.
وقال إن الوزارة واللجنة تعدان لتنظيم مسابقة رمضانية للفتيان والفتيات، تتصل بالمخيم وبالقرى المدمرة والنكبة، من وحي الروايات الشفوية التي قدمها الأجداد.
فيما أكدت مسؤولة العلاقات العامة في اللجنة الشعبية للخدمات، ليلي سعيد، أن نقل حكايات رمضان إلى الأجيال الشابة، يساهم في الحفاظ على قصة الأرض والوطن والعودة والحنين إلى البيت الأول، مهما طال الانتظار.
haرسمت لاجئات من مخيم الفارعة أجواء شهر رمضان وطقوسه وأطباقه في القرى المدمّرة، وبدايات تأسيس المخيم بعد النكبة.
وأعادت المشاركات، خلال الحلقة الرابعة عشرة من برنامج 'ذاكرة لا تصدأ' الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في المخيم، الحياة إلى قصص نسجتها لهن أمهاتهن وجداتهن، فيما تذكرن أجواء الشهر الفضيل خلال ستينيات القرن الماضي.
وتقول الستينية فاطمة صبح، التي تنحدر من قرية الريحانية قرب حيفا: كان الجميع فيها عائلة واحدة، تجتمع على السحور والفطور، وحدثتني جدتي جميلة الملّاح، كيف كانت تطبخ البرغل المفلفل مع الشعيرية على الحطب، وتقدمه للعائلة خلال وجبة السحور، إلى جانب وجبات اللبنة والحليب البلدي الطازج، والزبدة المنتجة في البيت.
حافظت الجدة الملاح على تقاليد الريحانية، ونقلتها إلى المخيم، إلى أن توفيت قبل عدة سنوات، لكن الحفيدة، صبح، تستذكر حكايات الثلج الذي كان يُباع في شوارع المخيم، قبيل الإفطار، فيما حرصت الأسر على الاجتماع في بيت كبير العائلة.
وتسترد هدى تيسير الخطيب ( ولدت عام 1953) أجواء رمضان في إجزم القريبة من حيفا، وفيها روايات مُرّة، حين قصفت طائرات العصابات الصهوينية القرية بالطائرات، بالتزامن مع وقت الأفطار، وقتلت العديد من المجتمعين على الموائد، وأجبرت الباقين على الفرار بجوعهم وعطشهم!
ووفق الستينية فخرية رجا نعجة، المنحدرة من الكفرين المجاورة لحيفا، فإن عماتها ووالدتها وزوجات عمها كن يسابقن الفجر، لإعداد وجبات من البرغل، فيما يُحضرّن الحليب الطازج والبيض والزبدة في البيت، وينقعن القمردين في الماء، ويحفظن زير الماء بلفات من الخيش الرطب، كي يبقى بارداً.
تقول: كان جدي إسماعيل يزرع على 'عين الحنانة'، ويخصص محصولاً لمواسم رمضان، كالفجل والبقدونس والنعناع والملوخية، وتتناول العائلة كلها السحور معاً. وظلت أمي تُحضر وجبة المطقطقة في المخيم( لفائف من العجين تُقلى في الزيت ويضاف لها الجبن واللوز والقطر)، أما عمتي عفيفة فحافظت على عادة صنع حلوى البصامي( خبز الصاج الرقيق، المقلي بالزيت، والمُشبع بالقطر).
تزيد: خلال العيد كان عمي أسعد يربط الحبال على الأشجار العالية في الكفرين، ويصنع المراجيح، وكانت أمي وبنات البلد الصغيرات يقضين فترة طويلة في اللعب، وخلال أيام الحر في العيد يذهبن للسباحة في عين الحنانة. أما حلوى العيد فكانت القطين( التين المجفف) وراحة الحلقوم.
تتابع: في المخيم لا زالنا نستذكر المسحراتي سليمان البابا الذي كان يوقظ الناس على سحورهم ويقلع لهم أسنانهم بطريقة بدائية، وبعده: أبوالمنجد، ومحمد صلاح، ونمر قنديل، فيما كان الجيران يتهادون الطبخات التي يحضرونها، ويجتمعون في بيت كبير العائلة، أما اليوم فتغير الحال.
وتروي روضة جوابرة (أبصرت النور عام 1959) المنحدرة من بعلين، جنوب فلسطين: حدثتني جدتي صفية، كيف كان أهل بلدنا يجتمعون في مجالس تسمى 'حوزات'، ويحضرون الزغاليل والدجاج البلدي المحشي للإفطار، ويتسحرون مع بعضهم على المهلبية (وهي خلاصة النشا المستخرج من القمح بطريقة يدوية مضافاً إليها الحليب). وفي العيد، كان الأولاد يأخذون البيض ويستبدلونه بالحلوى من البقالات الصغيرة، وتذهب البنات للعب في المراجيح المربوطة بأشجار التوت.
وحسب جوابرة، فقد حافظت العائلات التي خسرت وطنها عام 1948 على تقاليد قراها الأصلية، ونقلتها إلى المخيم خلال مواسم رمضان والأعياد، وبخاصة احترام الكبار، والاهتمام بالأطفال وتوفير الألعاب لهم.
تضيف: عمل والدي ( خالد جوابرة) وأخي جهاد في تجارة قوالب الثلج، فقد أشتروا ثلاجة تعمل على الكاز، وكانوا يبيعون بضاعتهم بعد العصر، لعدم وجود الكهرباء، وللحصول على الماء البارد. فيما كانت النساء تذهب إلى عين الماء، بجوار المخيم، لإحضاره بصفائح على رؤوسهن.
وتسرد خيرية أبو مرد، التي ولدت في الكفرين قبل عام واحد من النكبة: كان رمضان في بلدنا كما حدثتني أمي جميلاً، والناس كلها تقترب من بعضها، أما في المخيم فقد عشته داخل الخيام على السراج، وكان صعباً علينا، وشعرنا بمعنى المرار.
وتقص ابنة يافا وطفة سوالمة، ما سمعته من أمها: كان الناس يذهبون إلى البحر في رمضان هرباً من الحر، وبعضهم يأخذ فطوره ليتناوله على الشاطئ، وكان جدنا محمود الأفندي، يجلس في ديوانه، ويجتمع عنده الناس لتناول السحور والإفطار.
تقول: كنا ننتظر المؤذن أبو عطا ليصعد إلى مئذنة المسجد في المخيم، ونحن الأولاد نركض إلى بيوتنا بسرعة حينما نسمع الأذان، وفي إحدى الأيام اشتريت من عوامة الحاجة زينب المصرية (جاءت إلى المخيم من مصر)، وتناولتها قبل الأذان بوقت قصير، وأنا أقول لأمي بعدني صايمة. وكنا نشتري دبس الرّمان، والطحينية والسمنة والسكر بالأوقية. وكنت أحني يداً واحدة، لأعيد أخذ العيدية مرتين، وحتى لا يميزني أقاربي، فأقول لهم: هذه اليد بيضاء ما تعايدت!
تتابع: وخلال ليلة العيد، كنا نضع أكياساً تحت رؤوسنا، لنفيق باكراً، ونذهب إلى المقبرة، ونجمع الحلوى والتين المجفف من أهالي الموتى.
بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن تخصيص 'ذاكرة لا تصدأ' للروايات النسوية يأتي لتسجيل شهادات دقيقة في وصف شهر الصوم وطقوسه وذكرياته، وللتذكير بأجواء رمضان في القرى المدمرة، وحجم الخسارة التي سببتها مرارة الاقتلاع منها.
وقال إن الوزارة واللجنة تعدان لتنظيم مسابقة رمضانية للفتيان والفتيات، تتصل بالمخيم وبالقرى المدمرة والنكبة، من وحي الروايات الشفوية التي قدمها الأجداد.
فيما أكدت مسؤولة العلاقات العامة في اللجنة الشعبية للخدمات، ليلي سعيد، أن نقل حكايات رمضان إلى الأجيال الشابة، يساهم في الحفاظ على قصة الأرض والوطن والعودة والحنين إلى البيت الأول، مهما طال الانتظار.