قرية قيرة تحتفل بتحرير أسيرها بعد ثماني سنوات ونصف في الأسر
عهود الخفش- في أحد أركان منزلها المتواضع تجلس.. موجهة صوب عينيها نحو الباب تارة ونحو الساعة المعلقة أمامها تارة أخرى.. بدت وكأنها لم تكترث لشيء سوى لدقات عقاربها..ثمانية أعوام وهي تتقلب على الجحر الصبر.. أدمي قلبها المتعب والمنهك بأهات البعد عن فلذة كبدها..وما بين اللهفة والشوق تعيش والدة الاسير جياد دلني المعتقل في سجون الاحتلال في حالة ترقب وانتظار لحظة احتضانه.
فصول المعاناة
أخذ الحزن كما التعب يحتلان وجه والدة الأسير جياد دلني من قرية قيرة شمال سلفيت والتي كانت مثقلة بهمها... وبدأت ترتسم عباراتها التي تمثلها الأمل والشوق , وبنبرات صوتها الممزوجة بالشوق والفرحة، وبكلام متقطع بدأت والدة الأسير جياد تحدثنا قائلة:" مش مصدقة حاحضن ابني جياد عن قريب، منذ ثماني سنوات وانا اتمنى هذه اللحظة.
وبدمعة سقطت من عينها عجزنا عن تمييزها إن كانت دمعة فرح أم دمعة إشتياق، تكمل حديثها"معاناتي مع الإحتلال والسجن لم تكن مع جياد فقط، والتي بدأت خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987, تم إعتقال إبني الكبير منذر من قبل الجيش الاسرائيلي بتاريخ 30/3/1988 وكان عمره 18 عاما وهو أول معتقل في القرية، ومكث في السجن 7 شهور، ولم يقف الحال عند منذر بل تم اعتقال زوجي عام 1989.
تتوقف الحاجة ام جياد لدقائق وكأنها تستذكر أيام معاناتها ومعاناة أسرتها مع الإحتلال لتعود بإكمال حديثها قائلة:" هذا هو الإحتلال لا يعرف سوى لغة الحرمان، فلم يتوقف الأمر عند أبني منذر وزوجي بل قاموا بإعتقال ابني الاخر جبر بتاريخ 24/12/1994 كان طالبا في جامعة بيرزيت وتم الحكم عليه بالسجن لمدة عام الى ان يقوموا باعتقاله مرة اخرى خلال انتفاضة الاقصى بتاريخ 21/4/2005 عند حاجز حوارة اثناء ذهابه الى الطبيب،بحجة انه مطلوب لديهم وبعد التحقيق معه اصدرت عليه حكما بالسجن لمدة عامين. اضافة الى ذلك تعرضه للاصابة بالرصاص من قبل الجيش الاسرائيلي في رجله خلال اطلاق النار على السيارة التي كانت تقلهم الى مدينة نابلس بتاريخ 3/12/2002.
ما اوحش فراق الاحبة وما اصعب البعد حين يفتح باب الذكريات على قلب الام التي عانت بسبب حاكم ظالم.. وبتنهيدة حارقة تردف ام جياد حديثها قائلة": لم يهدأ لي بال بسبب الاحتلال الذي يصر على وجود حزن والم في كل عائلة فلسطينية، فقبل اعتقال جبر تم اعتقال جياد بتاريخ 16/6/2003 اثناء مداهمة المنزل بتهمة المشاركة في انتفاضة الاقصى في مقاومة الاحتلال وصدر الحكم عليه ثماني سنوات ونصف بعد التحقيق المرير الذي مر به في زنازين الاحتلال اكثر من شهرين ودخوله المستشفى بسبب التعذيب، فما بين عامي 2005 و2007كان ابنائي الاثنين في السجن.
وتفاقمت معاناة الحاجة ام جياد التي لم تتوقف عند اعتقال ابنائها كما تقول ": ذقت ويلات المعاناة وتضاعفت الحسرة في قلبي حين اعتقلت قوات الاحتلال حفيدي ابن ابنتي "منتصر فوزي "وابن اخي"سلام حسن" وابن ابن اخوي "حسن عادل". وتتوقف الحاجة عن الحديث وكأنها تعود بالذاكرة وسط دموعها التي اخذت بالذرف بدون ارادة.
خلال الثماني سنوات لم تراه سوى مرات معدودة
هدوء وصمت يلف المكان الا ان كسره رنة الهاتف من احدى جاراتها لتذكرها ان موعد تحرير جياد قد اقترب لترد عليها الحاجة قائلة ": متى يجي هاليوم واحتضنه فيه ؟ مرددة دعوتها يا رب صبرني، تغلق السماعة لتواصل حديثها معنا قائلة ": لم يكتفي الاحتلال بحرماني من ابني بوضعه بين القضبان بل مارسوا القهر النفسي والعذاب من خلال منعما في كثير من المرات من زيارته، كنت انتظر موعد الزيارة على احر من الجمر لارى ابني الذي لم يغب عن بالي بيوم من الايام، وبتنهيدة حارقة تواصل "في بداية اعتقاله كنت انا واخوانه ممنوعون من زيارته بسبب المنع الامني ولكن بعد فترة من الزمن ةبعد تدخل الصليب اصبحت زيارتي لجياد حسب امزجتهم، فكانت في بعض الاحيان كل سنة مرة واحدة، ومرات اخرى كل سنتين يسمحوا لي بزيارته علاوة على ذلك فان الزيارة تمثل رحلة عذاب تبدأ بالخروج من البيت بعد صلاة الفجر وتستمر حتى ساعة متأخرة من الليل، يصحبها مشاكل وتفتيش دقيق وعذابات وقهر لاهالي الاسرى على الحواجز، وتكمل قائلة ": بسبب الامراض التي اعاني منها واكثرها الما "جلطة على الدماغ" كنت اذهب لزيارته بسيارة اسعاف لانني لم استطع ومع هذا كانوا يمارسون علي اساليب العذاب القهري والنفسي.
تتمنى أن يتحقق حلمها
عندما نذكر من نحب تتملكنا سعادة لا توصف وبصوتها المشتاق لابنها جياد تواصل الحاجة حديثها قائلة": كان عمر جياد عند اعتقاله 27 عاما لم يواصل تعليمه ولكن خلال تواجده في السجن قام باكمال تعليمه فحصل على الثانوية العامة وبعدها انهى تعليمه الجامعي وحصل على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة العالم الامريكية،وحصل على دورات عديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والامنية، وهو محبوب كما علمت من اصدقاءه وممثل للاسري في اكثر من موقع وممثل للوحدة حيث كان يقوم بجمع الفصائل المختلفة داخل السجن وتوعيتهم بأن وحدتهم هي الطريق للتحرير.
وتكمل حديثها وكل معاني الفرحة تكسي وجهها بالبسمة وتصف بكلمات تقطعها ابتسامات الفرح لتتحدث بمشاعر جياشة قائلة ": سافرح فيه وسازوجه، قمنا بتجهيز بيته، كما يجري الاعداد للاحتفال العائلي الذي سيستقبل من خلاله، فهذه فرحة وان كانت منقوصة بسبب وجود الكثير من الاسرى داخل السجون ولكن يبقى الامل والصبر، وتنهي حديثها بمناشدتها للرئيس محمود عباس وكافة المؤسسات والفصائل الفلسطينية بأن تبقي قضية الاسرى على سلم الاولويات.
وتبقى أسرة دلني واحدة من آلاف الأسر الفلسطينية التي عانت ويلات الاحتلال جراء وجود أبنائها وأقاربها في سجون الاحتلال يقابلها الصبر والسلوان. وانه مهما طال الزمان فانه لا بد للقيد ان ينكسر".