المحرر عصمت منصور: لو كنا ننشد الحرية الفردية لما ناضلنا ودخلنا السجون
الاسير عصمت منصور على يمين الصورة ممسكا بيد الرئيس
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
يزن طه
ولجنا فناء المنزل، كان جالسا محاطا بالصحفيين وبالكاميرات التي تلاحقه وبعدد من أهالي القرية الذين جاءوا مهنئين بتحرره، يجلس حاملا سيجارة في يده اليسرى، يستغل اللحظات التي ينشغل فيها الصحفي الأجنبي، بتجميع سؤاله وطرحه، ليأخذ نفسا من سيجارته وينفثه، مرتديا قميصا مخططا يغلب عليه اللون الأحمر، تحت أشعة شمس آب الحارقة، بعد ساعات من الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
إنه الأسير المحرر عصمت عمر عبد الحفيظ منصور (36 عاما)، من قرية دير جرير شرق رام الله، الذي تحرر من السجن، الليلة الماضية، بعد اعتقال دام عشرين عاما، ضمن المرحلة الأولى التي شملت 26 أسيرا، من أصل 104 من المقرر أن تفرج عنهم إسرائيل كشرط لاستئناف المفاوضات.
انتظرنا قرابة الساعتين لنتمكن من الحديث إليه، منحتنا الظروف نصف ساعة معه، ظهر فيها مناضلا شرسا، طامحا إلى مزيد من النضال والعمل في سبيل قضية شعبه ووطنه، مصرا على المضي في هذا الدرب حتى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة وعلى رأسها التحرر من الاحتلال.
يعرف عصمت نفسه على أنه مناضل من أجل الحرية وأسير قدم عمره فداء للوطن، 'اليوم ولدت من جديد، أبدأ بداية جديدة، لكنها غير منقطعة عن سيرة حياتي النضالية السابقة، سأستمر في خدمة شعبي وقضاياه بالطرق القانونية والسياسية'، يقول عصمت.
طلبنا منه مقارنة بين الساعات الأخيرة على فك أسره، والساعات الأولى لتحرره، فأوضح: 'يومان مكثفان وحافلان بالأحداث، أمس كان الأصعب، مر خلاله زملائي في الأسر صورا لست قادرا على رؤيتها، أو سماع ما يقولون، لكن عندما خرجت شعرت بغربة ولو قليلا وسرعان ما تأقلمت، شكلها حياة حلوة'.
تلقى الأسرى خبر الإفراج عنهم بالشك، ولم يتيقنوا أنه سيفرج عنهم إلا عندما غادروا إلى المركبة الفلسطينية التي ستقلهم إلى ذويهم، 'طلبنا من السائق أن يتحدث العربية، وعندها شعرنا بأننا أحرار، نمارس شعور الحرية'، يبين عصمت.
ويضيف: 'كنا نعد الدقائق وليس السنين والأشهر كما قبل، كنت أريد احتضان أمي بعيدا عن السجان وشبكه وزجاجه وهراوته وإرهابه، واستمد من قوتها بعد هذا العمر، كل شيء كان غريبا، بيتنا هذا دخلته لأول مرة، أمس، لكني رغم ذلك شعرت بألفة، وبسرعة اندمجت'.
وبين أن قوات الاحتلال تعاملت بفظاظة مع الأسرى خلال أيامهم الأخيرة قبل الإفراج عنهم، و'كأنهم يحاولون الانتقام منا قبل إخراجنا من السجن'.
لم يحمل عصمت معه من سجنه إلا بضعة رسائل من الأسرى لذويهم وقيادتهم، وروحا معنوية عالية، ومصحفا كان شقيقه أهداه إياه خلال التقائهما أسيرين في السجن، لكن عصمت أهداه لابنة أخيه عندما خرج، وكأنه يرد هدية والدها إليها.
ويضيف: 'نحن متعطشون للحرية ليس من أجل حريتنا الفردية، ولو كنا ننشد الحرية الفردية لما ناضلنا ودخلنا السجون، كلنا عزيمة وإرادة في المضي في خدمة القضية بالطرق التي تلائم المرحلة الجديدة'.
لا تفارق ابتسامته وجهه، يحتضن فتاة صغيرة وتركض إليه أختها، رغم أنهن عرفنه من سويعات لا أكثر، وكأنه منذ خلقن يعشن معه ويألفنه، هنا يؤكد عصمت 'أنا مش نفس الشخص إلي دخل السجن، أنا إنسان جديد، ولكن لست غريبا عن الذي أسر، وهو الذي مر في تغييرات واختلافات فكرية وأصبح أكثر عمقا وواقعية وتوازنا، أحاول تذكر الإنسان الذي كنت عليه وأتعرف على الإنسان الجديد، آمل أن يكون عصمت الجديد متصالحا مع عصمت القديم، ويواصل دوره في البناء وخدمة وطنه وشعبه'.
تمر السنون ثقيلة مرهقة على الأسرى داخل السجون، فالسجن كما يقول عصمت: 'بظاهره مجموعة حركات ومظاهر معدودة على الأصابع، لكن حراك الأسرى واهتماماتهم أغنت حياة الأسير، يقتلون الوقت من خلال العمل والعطاء والتفاعل، ودائما نشعر أننا ممتلئون بقضيتنا، حياة الأسرى صعبة ولكنها جميلة أفتقدها الآن وأنا بين أهلي، وافتقد الروح التي تسودهم، هذه الروح التي تجعلنا نحتمل العشرين بل والثلاثين سنة'.
مقهقها؛ أجاب على سؤالنا الافتراضي، ماذا ستكون لو لم تسجن، وكيف كانت حياتك؟ 'أبي يقول لي لو ما صار معك هيك كان أنت هلا في أميركا بتشتغل بكازية أو أبصر إيش، أو يمكن استشهدت، كنت نشيط، صحيح أن السجن أخذ مني الكثير، وأخذ من عمري، وكان من الممكن أن أعيش حياتي بظروف مختلفة، لكن السجن منحني شيئا كثيرا، لست قادرا على تخيل عصمت الذي لم يسجن'.
عصمت تمكن من إتمام تعليمه الجامعي، وحصل على الدرجة الجامعية الأولى بتخصص الصحافة، من إحدى الجامعات الأميركية بالمراسلة، يخطط للزواج خلال عام، ويدرك أن 'الحياة كلها تحديات سواء داخل السجن أو خارجه، ولا أتخيل حياتي مفروشة بالورود، لكنني مستعد لأكافح وأحقق أحلامي الشخصية التي تتقاطع مع طموحات شعبي وأحلامه'.
كتب عصمت خلال أسره ثلاث روايات، نشر منها 'سجن السجن'، بمعنى أن هناك سجنا داخل السجن، وهي الزنزانة، و'فضاء مغلق'، ويحضر لنشر الثالثة؛ 'السلك'، التي تروي قصة محاولات أهالي قطاع غزة تجاوز السياج الفاصل بين قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.
اشترك عصمت بخلية قتلت مستوطنا، ما أدى لاعتقاله في 26/10/1993 وهو في عمر السادسة عشرة، وحكم بالسجن لـ22 عاما.
والدته الحاجة نعمة (62 عاما)، التي تزينت بالكحل للمرة الأولى منذ عشرين عاما، ارتدت ثوبا مطرزا بلون بنفسجي فاتح، من 15 ثوبا أعدتها لمناسبة الإفراج عن ابنها عصمت.
كانت تعد الأيام والساعات في غيابه، وتجلس على درج المنزل ساعات تدعو وتنتظر الإفراج عن ابنها، حتى أنها صنعت 'سبحة' بأرقام من ولدوا في عائلتها خلال غياب ولدها عصمت، 67 طفلا انضموا للعائلة في غيابه، وفقدت العائلة 15 شخصا منها خلال العشرين سنة الماضية، أوضحت لنا الحاجة نعمة.
لم تصدق الحاجة نعمة أم معتصم خبر الإفراج عن ابنها إلا عندما احتضنته، وهي التي زارته قبل أيام خلال عيد الفطر السعيد، قال لها: 'ستحضنيني عندما أخرج' كان متأملا، سألته عن الصور، قال سأحضرها معي، كان متيقنا بأنه سيفرج عنه'.
zaيزن طه
ولجنا فناء المنزل، كان جالسا محاطا بالصحفيين وبالكاميرات التي تلاحقه وبعدد من أهالي القرية الذين جاءوا مهنئين بتحرره، يجلس حاملا سيجارة في يده اليسرى، يستغل اللحظات التي ينشغل فيها الصحفي الأجنبي، بتجميع سؤاله وطرحه، ليأخذ نفسا من سيجارته وينفثه، مرتديا قميصا مخططا يغلب عليه اللون الأحمر، تحت أشعة شمس آب الحارقة، بعد ساعات من الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
إنه الأسير المحرر عصمت عمر عبد الحفيظ منصور (36 عاما)، من قرية دير جرير شرق رام الله، الذي تحرر من السجن، الليلة الماضية، بعد اعتقال دام عشرين عاما، ضمن المرحلة الأولى التي شملت 26 أسيرا، من أصل 104 من المقرر أن تفرج عنهم إسرائيل كشرط لاستئناف المفاوضات.
انتظرنا قرابة الساعتين لنتمكن من الحديث إليه، منحتنا الظروف نصف ساعة معه، ظهر فيها مناضلا شرسا، طامحا إلى مزيد من النضال والعمل في سبيل قضية شعبه ووطنه، مصرا على المضي في هذا الدرب حتى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة وعلى رأسها التحرر من الاحتلال.
يعرف عصمت نفسه على أنه مناضل من أجل الحرية وأسير قدم عمره فداء للوطن، 'اليوم ولدت من جديد، أبدأ بداية جديدة، لكنها غير منقطعة عن سيرة حياتي النضالية السابقة، سأستمر في خدمة شعبي وقضاياه بالطرق القانونية والسياسية'، يقول عصمت.
طلبنا منه مقارنة بين الساعات الأخيرة على فك أسره، والساعات الأولى لتحرره، فأوضح: 'يومان مكثفان وحافلان بالأحداث، أمس كان الأصعب، مر خلاله زملائي في الأسر صورا لست قادرا على رؤيتها، أو سماع ما يقولون، لكن عندما خرجت شعرت بغربة ولو قليلا وسرعان ما تأقلمت، شكلها حياة حلوة'.
تلقى الأسرى خبر الإفراج عنهم بالشك، ولم يتيقنوا أنه سيفرج عنهم إلا عندما غادروا إلى المركبة الفلسطينية التي ستقلهم إلى ذويهم، 'طلبنا من السائق أن يتحدث العربية، وعندها شعرنا بأننا أحرار، نمارس شعور الحرية'، يبين عصمت.
ويضيف: 'كنا نعد الدقائق وليس السنين والأشهر كما قبل، كنت أريد احتضان أمي بعيدا عن السجان وشبكه وزجاجه وهراوته وإرهابه، واستمد من قوتها بعد هذا العمر، كل شيء كان غريبا، بيتنا هذا دخلته لأول مرة، أمس، لكني رغم ذلك شعرت بألفة، وبسرعة اندمجت'.
وبين أن قوات الاحتلال تعاملت بفظاظة مع الأسرى خلال أيامهم الأخيرة قبل الإفراج عنهم، و'كأنهم يحاولون الانتقام منا قبل إخراجنا من السجن'.
لم يحمل عصمت معه من سجنه إلا بضعة رسائل من الأسرى لذويهم وقيادتهم، وروحا معنوية عالية، ومصحفا كان شقيقه أهداه إياه خلال التقائهما أسيرين في السجن، لكن عصمت أهداه لابنة أخيه عندما خرج، وكأنه يرد هدية والدها إليها.
ويضيف: 'نحن متعطشون للحرية ليس من أجل حريتنا الفردية، ولو كنا ننشد الحرية الفردية لما ناضلنا ودخلنا السجون، كلنا عزيمة وإرادة في المضي في خدمة القضية بالطرق التي تلائم المرحلة الجديدة'.
لا تفارق ابتسامته وجهه، يحتضن فتاة صغيرة وتركض إليه أختها، رغم أنهن عرفنه من سويعات لا أكثر، وكأنه منذ خلقن يعشن معه ويألفنه، هنا يؤكد عصمت 'أنا مش نفس الشخص إلي دخل السجن، أنا إنسان جديد، ولكن لست غريبا عن الذي أسر، وهو الذي مر في تغييرات واختلافات فكرية وأصبح أكثر عمقا وواقعية وتوازنا، أحاول تذكر الإنسان الذي كنت عليه وأتعرف على الإنسان الجديد، آمل أن يكون عصمت الجديد متصالحا مع عصمت القديم، ويواصل دوره في البناء وخدمة وطنه وشعبه'.
تمر السنون ثقيلة مرهقة على الأسرى داخل السجون، فالسجن كما يقول عصمت: 'بظاهره مجموعة حركات ومظاهر معدودة على الأصابع، لكن حراك الأسرى واهتماماتهم أغنت حياة الأسير، يقتلون الوقت من خلال العمل والعطاء والتفاعل، ودائما نشعر أننا ممتلئون بقضيتنا، حياة الأسرى صعبة ولكنها جميلة أفتقدها الآن وأنا بين أهلي، وافتقد الروح التي تسودهم، هذه الروح التي تجعلنا نحتمل العشرين بل والثلاثين سنة'.
مقهقها؛ أجاب على سؤالنا الافتراضي، ماذا ستكون لو لم تسجن، وكيف كانت حياتك؟ 'أبي يقول لي لو ما صار معك هيك كان أنت هلا في أميركا بتشتغل بكازية أو أبصر إيش، أو يمكن استشهدت، كنت نشيط، صحيح أن السجن أخذ مني الكثير، وأخذ من عمري، وكان من الممكن أن أعيش حياتي بظروف مختلفة، لكن السجن منحني شيئا كثيرا، لست قادرا على تخيل عصمت الذي لم يسجن'.
عصمت تمكن من إتمام تعليمه الجامعي، وحصل على الدرجة الجامعية الأولى بتخصص الصحافة، من إحدى الجامعات الأميركية بالمراسلة، يخطط للزواج خلال عام، ويدرك أن 'الحياة كلها تحديات سواء داخل السجن أو خارجه، ولا أتخيل حياتي مفروشة بالورود، لكنني مستعد لأكافح وأحقق أحلامي الشخصية التي تتقاطع مع طموحات شعبي وأحلامه'.
كتب عصمت خلال أسره ثلاث روايات، نشر منها 'سجن السجن'، بمعنى أن هناك سجنا داخل السجن، وهي الزنزانة، و'فضاء مغلق'، ويحضر لنشر الثالثة؛ 'السلك'، التي تروي قصة محاولات أهالي قطاع غزة تجاوز السياج الفاصل بين قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.
اشترك عصمت بخلية قتلت مستوطنا، ما أدى لاعتقاله في 26/10/1993 وهو في عمر السادسة عشرة، وحكم بالسجن لـ22 عاما.
والدته الحاجة نعمة (62 عاما)، التي تزينت بالكحل للمرة الأولى منذ عشرين عاما، ارتدت ثوبا مطرزا بلون بنفسجي فاتح، من 15 ثوبا أعدتها لمناسبة الإفراج عن ابنها عصمت.
كانت تعد الأيام والساعات في غيابه، وتجلس على درج المنزل ساعات تدعو وتنتظر الإفراج عن ابنها، حتى أنها صنعت 'سبحة' بأرقام من ولدوا في عائلتها خلال غياب ولدها عصمت، 67 طفلا انضموا للعائلة في غيابه، وفقدت العائلة 15 شخصا منها خلال العشرين سنة الماضية، أوضحت لنا الحاجة نعمة.
لم تصدق الحاجة نعمة أم معتصم خبر الإفراج عن ابنها إلا عندما احتضنته، وهي التي زارته قبل أيام خلال عيد الفطر السعيد، قال لها: 'ستحضنيني عندما أخرج' كان متأملا، سألته عن الصور، قال سأحضرها معي، كان متيقنا بأنه سيفرج عنه'.