المتوكل في أحدث قصيدة : مصر التي لا تنحني
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
هل كنتُ في مصرَ التي في خاطري
أم شهوةُ الأحلامِ في الغَفَواتِ
لأرى الملامحَ إنْ تَبَاعَدَ وَجْهُهَا
والذاتُ تعرفُ نَفْسَها في ذاتي ؟
وَأُلاَمِسَ الجَذْرَ العميقَ إذا ارتوى
من سُكَّرِ العذراءِ في آياتي
أو من دماءِ الشافعيَّ وقد هوى
بِعِصيَّ مَنْ حَجَروا على الكلماتِ
أو شِعرِ شوقي هاتفاً في كَرْمِهِ ؛
أَثِمَتْ قُطوفٌ فارقتْ كاساتي
أو من حرافيشِ البهيَّةِ، واستوى
عَرْشُ الكلامِ لِشَّاعِرٍ ورُواةِ
أو قصفةِ النعناعِ في الشالِ الذي
تصحو له الأمطارُ في الغابات
أو من حكاياتِ الحقولِ، وحَبَّةٍ
شَهَقَتْ، فَرَنَّقَ ريقُها سَلاَّتي
أو من قطارِ الفجرِ يمضي حاملاً
سَهَرَ النجوعِ وقصَّةَ الحكواتي
حتى إذا وصلَ المسافِرُ سائلاً
وَتَتُوهُ في خطواتهِ خطواتي
ناديتُ، فانكفأ الصّدى ، فحسبتُني
في القُدْسِ، أُمْنَعُ من رؤى تَلاَّتي
وذكرتُ يافا والغيابُ يَلفُّها
ووراءَ عُزْلَتِها انطوَت راياتي
وتَحجَّرَ الليمونُ في صُوّانِها
والجَمْرُ في آثافِها دَمعاتي
وكأنَّ من قُتلوا ومَنْ سُجِنوا ومَنْ
قد هُجَّروا .. ضاعوا بلا إثْباتِ
وبأننا في ليلةٍ مجنونةٍ
كابوسُها غُولٌ على نَوْماتي
فَصَرخْتُ؛ كيفَ تعودُ عَكّا حُرّةً
وجموعُ أُمَّتِنا من الأمواتِ
أينَ الذي شقّوا القناةَ وحرّروا
رَمْلَ الدماءٍ وأمْطَروا غيماتي ؟
وَظَنَنْتُ أن الضادَ حرفٌ عاقِرٌ
لا صوتَ في لُغَتي ولا نَغَماتي
.. حتى إذا أتَّقَدَ المحيطُ، وأَبْرَقَتْ
وهناكَ رَفَّ الوَجْهُ في العَتَماتِ
مَحَتِ العواصفُ في الجبالِ نتوءَها
ووسائدي امتَلأت بماءِ فُراتي
وَدَخَلتُ مِصْرَ كما أُمِرْتُ مُؤَمَّناً
ورميتُ في مرجانها مَرْساتي
ونفختُ أشرعتي بِطُهْر هوائها
وتعانقت بحدائِها أصواتي
واللحنُ كادَ يشفُّ، والنارُ التي
نَقَشَتْ أناشيدي على لوحاتي
وشرائِطُ الأرضِ الذبيحةِ، والهوى
وَمَسَلَّتي لقيامتي ونَجاتي
والأنبياءُ إذا سَعَوا في وَجهِ مَنْ
بَعثوا غُصونَ السَّحْرِ في الحَيَّاتِ
عادت لنا مصرُ الشَّهيدِ بثَوْبهِ
يا زينبَ الإنجيلِ والتوراةِ
مِصْرُ العرائسِ والفنار وثُلَّةٍ
بالكَشْفِ تُعلي النُورَ في الحلقاتِ
مصرُ الموالدِ والمراجيحِ الصَّبا
والطينُ حِنّائي وَقَمْحُ سِماتي
مصرُ الضّفافِ إذا تفيضُ بِهاجسي
فَتُحَلَّقُ الأطيارُ في الجَنَّاتِ
مصرُ الميادينِ التي عَبرَتْ إلى
غَدِها، لأَعْبُرَ من سَدِيمِ سُباتي
مصرُ الدمِ الحُرَّ المجيدِ وقد سَقى
روحي لتُطْلِقَ بُرْعُمَ اليَرقَاتِ
مصرُ الزّفافِ الصَّعْبِ تَقْطُفُ وَرْدَها
في ساحةِ الزّمنِ الطليقِ الآتي
مصرُ الرَّبيعِ إذا تَوَهَّجَ زيْتُها
ليكونَ أُغنيتي وحِبْرَ دَوَاتي
مِصرُ الحياةِ وقد تَفَلَّعَ قَيْدُها
لأقولَ؛ تلكَ نهايةُ المأساةِ
مصرُ الميادينِ التي أنتفضَتْ هُنا
هي مَنْ يُعيدُ إلى الحياةِ حَياتي
***
وأعودُ، ثانيةً، لمِصْرَ، وفي يدي
قَبَسٌ ليبدأ عَقْربُ الميقاتِ
ويروحُ مقلاعُ الصّغارِ مُجَنَّحِاً
خَطَّاهُ بُوصلتي وسَهْمُ حَصَاتي
وتَظَلُّ أنجمُها فَضَاءَ عُروبتي
وجدائلي للرَّعْدِ والنَّجْماتِ
الميمُ؛ مليونيّةُ العيدِ الذي
سيكونُ مَوْكِبَ بيْرقِ الثوراتِ
والصّادُ ؛ صَلّوا للعدالةِ، عِزَّةً
لِيَسُودَ حرفُ الحقَّ في الصفحات
والرّاءُ ؛ رَبَّةُ أُمَّةٍ لا تَنْحَني
وروايةُ الأحفادِ لِلجَدَّاتِ
وكأنني ما غِبْتُ عنها لحظةً
فَدُروبُ نبضي عَيْنُها طُرقاتيِ
أمشي إذا أمشي هناك ، وما هنا
إلاّ اختلافُ النُّطْقِ في اللَّهجاتِ