نابلس.. التين لم يتأثر بالحداثة
وفـا- رشا حرز الله
على زاوية أحد الأرصفة في شارع العدل وسط مدينة نابلس، يتخذ الرجل الخمسيني فتحي رشيد إبراهيم مكانه، يعرض التين منذ أكثر من عقدين، وهي ظاهرة قديمة لم تتأثر بانتشار الأسواق الحديثة.
ويستظل إبراهيم بإحدى البنايات المرتفعة، متواريا من أشعة الشمس الحارقة، بينما كان يرتب التين في العلب البلاستيكية التي يجلبها معه بسيارته من قريته "تل" الواقعة على بعد 3 كم إلى الجنوب الغربي للمحافظة.
لا يكف الرجل الخمسيني عن النداء على التين، مستخدما عبارات غالبا ما يستخدمها باعة التين الآخرين في المدينة "عسل يا تين، خرتمان يا تين".
ويقول إبراهيم، وهو واحد من باعة كثر يأتون من ريف نابلس: إنه استطاع على مدار عشرين عاما أن يكسب مصداقية وشهادة زبائنه بحلاوة وشهية التين الذي يبيعه، ويردد باعة آخرون المعنى ذاته.
يجلس إبراهيم على مقعد خشبي صغير يجلبه معه، تارة يرش حبات التين بالماء البارد حتى لا تذبل، وتبقى محافظة على نضارتها، وتارة أخرى يرتب حبات التين في الوعاء، ليسهل بعدها بيعها للمواطنين.
وتعتبر عادة بيع التين في شوارع نابلس إحدى العادات التي لم تتأثر بالحداثة التي طغت على المدينة خلال العقود الماضية.
وقال الرجل إنه عاد إلى الأرض الفلسطينية بعد حرب الخليج، ليستقر في قرية تل التي تشتهر أكثر من غيرها في زراعة وبيع التين، حيث يمتلك ما يقارب من 20 شجرة، فهو حسب قوله "ما عندو شغل غير هيك"، ويرغب بإعالة أفراد أسرته البالغ عددها 10 فتيات، معظمهن يدرسن في الجامعة، وينتظر بفارغ الصبر موسم التين، والصبر والفقوس.
"يا ريت الحكومة تقدر إنو المواطن بشتري من البسطة بسهولة، وأنا ما بتعدى على الشارع ولا بضايق المارة" عبارة قالها فتحي إبراهيم بعصبية ممزوجة بابتسامة لكثرة المخالفات التي حررت له من قبل الشرطة والبلدية، وهو حسبما يخبرنا يحتفظ بهذه المخالفات التي لم تمنعه من ملازمة مكانه و"بقوة". ويصر الرجل على البقاء.
تقاطع حديثنا امرأة تستفسر عن سعر علبة التين، قال لنا: "إنها زبونه دائمة"، تصر على اختيار حبات دون أخرى إلا أنها لا تفلح في ترتيبها، فيتطوع هو بذلك.
وتقول المواطنة وداد سوداح لـ"وفـا" إنها تحفظ المكان الذي يجلس فيه البائع فتحي، فثمرة التين لها طعم آخر ومشهود له بنضارته حتى لو بقي في الثلاجة أيام عدة".
وقالت امرأة عرفت على نفسها أم العبد من بلدة سبسطية التي اتخذت من إحدى أرصفة دوار الشهداء وسط مدينة نابلس مكانا للبيع، إنها مصرة على بيع ما بحوزتها من علب تين، حتى لا تضطر لإعادتها لمنزلها وإطعامها لأبنائها الستة، لأنها لا تصلح للبيع بعدها.
وتمتلك أم العبد خمس شجرات تين تنتظر موسم التين لتساعد في سد بعض احتياجات أسرتها، وقالت لـ"وفـا": هذه هي السنة الثانية التي أبيع فيها تين لأن "العيلة بدها مصروف، الله بعين الجميع".
ولفاكهة التين فوائد عديد وقيمة غذائية عالية تتلخص في احتوائه على نسبة عالية من المواد السكرية والأملاح المعدنية منها الكالسيوم والفسفور والحديد والفيتامينات "أ"، و"ب".
وتعتبر قرية تل الجبلية أشهر قرى شمال الضفة بشجرة التين.
وتبلغ مساحة الأرض التي يزرع فيها شجر في قرية تل ما يقارب 2500 دونم حسبما أفاد به رئيس إدارة مركز أبحاث التنوع الحيوي والبيئة الدكتور محمد اشتية.
وقال: "لا يوجد إحصائية جديدة حول مساحة شجر التين في القرى والمناطق الأخرى، ولكننا أعلنا في دراسات أجريناها سابقا عن هذا الموضوع".
وأضاف: "في الفترة الأخيرة عملنا على إيجاد وسيلة أخرى لتسويق ثمر التين وطرق التعامل مع الثمر، وذلك من خلال العمل على تجفيف كميات من التين أو ما نسميه "القطين" بطرق محدثة ومتطورة وبطرق أكثر كفاءة، واستخدام البيوت الزجاجية التي أثبتت فاعليتها أكثر من الطرق التقليدية".
وحول ما إذا كان هناك نية لتصدير التين المجفف للخارج قال اشتيه: "إن إمكانية المنافسة بشكل معقول واردة وعالية مع الأصناف الأخرى، وتصدير حتى التين غير المجفف ولكننا بحاجة لتقنيات عالية في ذلك، والمتمثلة في وسائل نقل سريعة يتم من خلالها نقل التين بسرعة قياسية تحفظ التين من التلف، كذلك نحن بحاجة إلى وسائل لحفظ التين فترات كافية ليبقى محافظا على مذاقه وجودته".