السقــــــوط الحـــــرّ - عميد شحادة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
كان الشاب المجتهد ابن الثانوية العامة عصام سليم من قرية عجة في جنين، يُحضّر نفسه لامتحان اللغة العربية. يمسك كتابه بيديه، ويهرول ذهابا وإيابا في شرفة بيته، ويكرر نفس الجملة: 'وصار الشعر العربي كالجسد الهامد الذي لا روح فيه...'، حتى داهمته غفوة سقط على إثرها من ارتفاع ستة أمتار، مستيقظا على صوت ارتطامه بالأرض، فيما عقله مشغول بأوضاع الشعر العربي.
يقول عصام: 'بدأت أصرخ فجاءت أمي والجيران ونقلوني إلى المشفى'، ثم ضحك بصوت مرتفع ربما لطرافة الحادث.
خرج سليم سليما من المشفى، وقد أُصيب برضوض خفيفة في جسده، لكن عظام معنوياته تكسرت، بعد شعوره أنه لم يعط كل ما عنده من إجابات لامتحان اللغة العربية، الذي قدمه في ضيافة المشفى وتحت قابة الشرطة، ولم يفكر عصام كثيرا قبل أن يقرر الرسوب بإرادته في الثانوية العامة، متخلفا عن تقديم الامتحانات المتبقية، مؤجلاً حلمه إلى العام القادم.
عصام انقلب وجهه فجأة، ونامت الابتسامة التي رسمها قبل قليل واستيقظ الحزن فيه، واختلفت نبرة صوته مقطعا الجملة إلى جمل، يأخذ بينها نفسا عميقا، وقال 'تأملت أن أحصل على معدل أكثر من خمسة وتسعين، وأن أحصل على منحة. كنت أدرس خمس عشرة ساعة وأكثر يومياً'.
عَزَ على عصام ألا يكون في ركب زملائه المتسابقين لاستلام شهاداتهم عندما أُعلنت نتائج الثانوية العامة، رغم إيمانه بأنها لا تمثل بداية الطريق ولا نهايته، سيما مع ارتفاع معدل البطالة بين الخريجين الى 52.5%، فكل مستقبل أخضر يبنى على الشهادات يجاوره تماما مستقبل يابس، وإثنا عشر عاما حين تطوى بنجاح هي مجرد مدخل لصفحة جديدة في الحياة.
حزم الناجحون شهاداتهم وانطلقوا يطرقون أبواب الجامعات، ولم يقف أي منهم ليسمع نصيحة من معلمه.
ينادي مُدرس اللغة العربية في مدرسة عجة أيمن سليمان وقد انفض الطلبة من حوله: 'نحن بحاجة إلى مهن صناعية وأيدي عاملة مدربة أكثر من حاجتنا للدراسات الإنسانية وما شابه'.
وعصام الذي أجَّل الثانوية العامة لذات السبب، يطمح بمعدل مرتفع يضمن له منحة تمكنه من دراسة مهنة صناعة الأدوية في تركيا.
هبط الليل، ومن بيوت الناجحين ارتفع صوت الموسيقى ورافقته للسماء المفرقعات وتلألؤ الألعاب النارية.
من يضمن أن فرحتهم لن تداس بالتقادم؟ ومن يقنع الأهل الراقصين على إيقاع مستقبل باهت أن العلم لا يقترن ببدلة رسمية وأيد ناعمة؟
هم يعلمون أن السوق تنقصها مهنيون لا أكاديميون، لكن المهن وضيعة في عيون الأهل.
تتساءل الدكتورة سائدة عفونة مديرة مركز التعلم الإلكتروني بجامعة النجاح: 'هل هناك سياسة واضحة لوزارة التربية التعليم ووزارة العمل لتشجيع التعليم المهني؟' وتضيف أن 'الإجراء الحقيقي يبدأ بكسر ما يقال عن التعليم المهني والتقليل من النظرة الدونية للمهن عند الوزارات المسئولة أولا والمجتمع ثانيا'.
من قال إن يد الميكانيكي ليست نظيفة؟ السوق الفلسطينية الصغيرة جغرافيا والضعيفة اقتصاديا؛ تحتاج مثلا مهندسا واحدا وخمسة مهنيين، لكن العكس يفرض نفسه دائما.
يقول الدكتور سامر ميالة عميد كلية هشام حجاوي التقنية: 'خريجو الدبلوم المتوسط في التخصصات التقنية غير كافيين للسوق الفلسطينية. هناك طلب شديد عليهم من دول الخليج، وهم أقل من أن يُصدّروا للخارج'.
ربما فكر عصام سليم بطريقة سليمة فيما يتعلق بالتخصص الذي ضحى لأجله، وطلاب الثانوية العامة سيكتشفون أهمية التعليم المهني بعد سقوط نصفهم في بئر البطالة، سقوطا لا يسمع دويه عداهم.
zaكان الشاب المجتهد ابن الثانوية العامة عصام سليم من قرية عجة في جنين، يُحضّر نفسه لامتحان اللغة العربية. يمسك كتابه بيديه، ويهرول ذهابا وإيابا في شرفة بيته، ويكرر نفس الجملة: 'وصار الشعر العربي كالجسد الهامد الذي لا روح فيه...'، حتى داهمته غفوة سقط على إثرها من ارتفاع ستة أمتار، مستيقظا على صوت ارتطامه بالأرض، فيما عقله مشغول بأوضاع الشعر العربي.
يقول عصام: 'بدأت أصرخ فجاءت أمي والجيران ونقلوني إلى المشفى'، ثم ضحك بصوت مرتفع ربما لطرافة الحادث.
خرج سليم سليما من المشفى، وقد أُصيب برضوض خفيفة في جسده، لكن عظام معنوياته تكسرت، بعد شعوره أنه لم يعط كل ما عنده من إجابات لامتحان اللغة العربية، الذي قدمه في ضيافة المشفى وتحت قابة الشرطة، ولم يفكر عصام كثيرا قبل أن يقرر الرسوب بإرادته في الثانوية العامة، متخلفا عن تقديم الامتحانات المتبقية، مؤجلاً حلمه إلى العام القادم.
عصام انقلب وجهه فجأة، ونامت الابتسامة التي رسمها قبل قليل واستيقظ الحزن فيه، واختلفت نبرة صوته مقطعا الجملة إلى جمل، يأخذ بينها نفسا عميقا، وقال 'تأملت أن أحصل على معدل أكثر من خمسة وتسعين، وأن أحصل على منحة. كنت أدرس خمس عشرة ساعة وأكثر يومياً'.
عَزَ على عصام ألا يكون في ركب زملائه المتسابقين لاستلام شهاداتهم عندما أُعلنت نتائج الثانوية العامة، رغم إيمانه بأنها لا تمثل بداية الطريق ولا نهايته، سيما مع ارتفاع معدل البطالة بين الخريجين الى 52.5%، فكل مستقبل أخضر يبنى على الشهادات يجاوره تماما مستقبل يابس، وإثنا عشر عاما حين تطوى بنجاح هي مجرد مدخل لصفحة جديدة في الحياة.
حزم الناجحون شهاداتهم وانطلقوا يطرقون أبواب الجامعات، ولم يقف أي منهم ليسمع نصيحة من معلمه.
ينادي مُدرس اللغة العربية في مدرسة عجة أيمن سليمان وقد انفض الطلبة من حوله: 'نحن بحاجة إلى مهن صناعية وأيدي عاملة مدربة أكثر من حاجتنا للدراسات الإنسانية وما شابه'.
وعصام الذي أجَّل الثانوية العامة لذات السبب، يطمح بمعدل مرتفع يضمن له منحة تمكنه من دراسة مهنة صناعة الأدوية في تركيا.
هبط الليل، ومن بيوت الناجحين ارتفع صوت الموسيقى ورافقته للسماء المفرقعات وتلألؤ الألعاب النارية.
من يضمن أن فرحتهم لن تداس بالتقادم؟ ومن يقنع الأهل الراقصين على إيقاع مستقبل باهت أن العلم لا يقترن ببدلة رسمية وأيد ناعمة؟
هم يعلمون أن السوق تنقصها مهنيون لا أكاديميون، لكن المهن وضيعة في عيون الأهل.
تتساءل الدكتورة سائدة عفونة مديرة مركز التعلم الإلكتروني بجامعة النجاح: 'هل هناك سياسة واضحة لوزارة التربية التعليم ووزارة العمل لتشجيع التعليم المهني؟' وتضيف أن 'الإجراء الحقيقي يبدأ بكسر ما يقال عن التعليم المهني والتقليل من النظرة الدونية للمهن عند الوزارات المسئولة أولا والمجتمع ثانيا'.
من قال إن يد الميكانيكي ليست نظيفة؟ السوق الفلسطينية الصغيرة جغرافيا والضعيفة اقتصاديا؛ تحتاج مثلا مهندسا واحدا وخمسة مهنيين، لكن العكس يفرض نفسه دائما.
يقول الدكتور سامر ميالة عميد كلية هشام حجاوي التقنية: 'خريجو الدبلوم المتوسط في التخصصات التقنية غير كافيين للسوق الفلسطينية. هناك طلب شديد عليهم من دول الخليج، وهم أقل من أن يُصدّروا للخارج'.
ربما فكر عصام سليم بطريقة سليمة فيما يتعلق بالتخصص الذي ضحى لأجله، وطلاب الثانوية العامة سيكتشفون أهمية التعليم المهني بعد سقوط نصفهم في بئر البطالة، سقوطا لا يسمع دويه عداهم.