كنزُ الولجة يكشفه الجدار والاستيطان
وفا- عبير عبد الكريم
قرية الولجة التي لا تبعد عن القدس سوى عشرة كيلومترات من الغرب ليست إلا جبالا ووديانا وأراض كانت دائمة الخضرة وتزرع بشتى أنواع الخضر والفاكهة، إلا أنك اليوم لا ترى سوى أشجار زيتون صامدة في هذا المكان تحاول شاهدة على عروبة المنطقة ومؤرخة حق الفلسطينيين فيها.
قرية الولجة أخذت اسمها من الفعل "ولج" باللغة العربية، وفيها حارب جيش خالد بن الوليد جيش الفرس وهزمهم في العام الثاني عشر للهجرة، عندما كانوا في طريقهم إلى القدس آنذاك.
الحاج أبو محمد من قرية الولجة عايش النكسة عام ثمانية وأربعين من القرن الماضي، وما يزال يتذكر تفاصيل قريته قبل أن تهدم، قائلا إن والده وعمه بنيا بيوت قرية الولجة وزرعوا شجر الصنوبر والزيتون بأيديهم الذي مازال إلى اليوم صامدا في أرض الولجة القديمة.
احتلت إسرائيل الولجة عام 1948 بعد قتال دام خمسة أيام متواصلة، وفي العام 1967 استولى الإسرائيليون على جميع أراضي القرية وقاموا بهدم بيوتها بالجرافات خوفا من أن يعود أهلها إليها، كما حصل في القرى المجاورة مثل قرية واد فوكين في بيت لحم.
لم يشأ أبو محمد أن يعترف للعالم بأن في أرضه كنزاً، فكل من يجد كنزا في أرضه يكون حريصا كل الحرص أن لا يشاركه فيه أحد. كنزه هو أكبر شجرة زيتون معمرة على وجه الأرض، ولولا أن جدار الفصل والاستيطان بدأ يخنق القرية من كل جانب لبقيت هذه الشجرة سرا دفينا حكرا على أهالي الولجة.
فالحاج أبو محمد اعترف لوكالة وفا أنه حاول قدر الإمكان أن تبقى هذه الشجرة سرا لدى عائلته، لكن خوفهم من أن تصبح الشجرة تحت سيطرة الاحتلال دفعهم للبوح بسرها الدفين للعالم, فمخطط جدار الفصل الذي يمر من تلك المنطقة لا يبعد سوى عشرة أمتار عن الشجرة التاريخية.
ويعود عمر هذه الشجرة بحسب خبراء دول الاتحاد الأوروبي إلى 5 أو 6 ألاف عام، وبذلك فهي تزيد عن عمر شجرة زيتون معمرة موجودة في جزيرة كريت في البحر الأبيض المتوسط. وزائر قرية الولجة لا يحتاج إلى رأي الخبراء ليرى عمر الشجرة الضارب في القدم، فــقـُطر محيطها يبلغ اثنين وعشرين مترا.
عائلة أبو محمد تأبى أن تقسم الأرض التي تقع فيها الشجرة حتى يومنا هذا، فهي تريد أن يكون ذلك الكنز ملكا للعائلة بأكملها لا من نصيب شخص معين فيها. وأبو محمد ما زال يوصي أولاده بالمحافظة على هذه الشجرة لأنها إرث عريق وتاريخ قديم، وهي تؤكد حقيقة وجود الفلسطينيين قبل غيرهم على هذه الأرض.
وزارة الزراعة وبالتعاون مع مجلس قروي الولجة عيًنوا حارسا متفرغا يسهر على حماية هذه الشجرة خوفا من هجمات المستوطنين والمخربين الذين قد تسول لهم أنفسهم بقتل الشجرة المعمرة.
قد لا تكون هذه الشجرة هي الوحيدة في فلسطين التي تمتاز بقدم عمرها، ففي عرابة الجليل توجد أيضا شجرة زيتون معمرة لها نفس الحكاية في النضال والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي