لن يصل الاشقاء !- محمد كامل
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عن كثب نَمَا شغفي في أن أرى أشقائي السوريين الذين سيصلون بعد ساعتين الى استراحة أريحا ، للمشاركة في بطولة تصفيات اسيا للشباب ،المجموعة الخامسة التي تستضيفها فلسطين .
نعم سيصلون قريباً ، التفتُ الى الساعة ، الوقت المتبقي فقط ساعة من الان ، يا إلهي تساءلت ، لا وقت لاستقبالهم ، ركبتُ السيارة مسرعاً وفي رأسي ألف فكرة وألف صورة وألف جملة .
أنا الان على حاجز قلنديا ، قلتُ في نفسي بعد ساعتين من الان سيرى السوريون هذا العار ، تُرى هل سيبكون ؟ أم أن الحرب الدائرة في وطنهم افقدتم الشعور بوجع الشقيق ؟
لا لا حتما سيتألمون ، حتما سيشعرون بحجم ما نعانيه من عذاب ، وحتما سينهال علي ألف سؤال في الحافلة وأنا بصحبتهم ، غداً سيتحسسون حجارة كنيسة المهد وسيأخذون لبعضهم مئات الصور ، انها مدينة السلام وإنها مولد المسيح ، نعم لن أبخل عليهم بالسرد والشرح حتى ينبري لساني وتملأ عقولهم بالصور ، سيبكون على حال الشام حين يشتمون رائحتها في البلدة القديمة في نابلس ، وسيذرفون الدمع الحار على مدينتهم حلب في مدينتنا خليل الرحمن ، سنبكي على بكائهم لشامهم وحلبهم ، وسيبكون على بكائنا على خليلنا وقدسنا التي يحيطها الجدار العنصري ، لا عليك ، سيشعرون أنهم في وطنهم حتما ، وسيلحظون في عيوننا دفء قلوبنا تجاههم .
عقرب الساعة يحرق الوقت ، عجلات السيارة تأكل اسفلت الطريق متوجهة الى مدينة اريحا ، وأنا بينهما أسيرُ قصراً وفق أهواءٍ تلدغ ُمخيلتي مع منتخب سوريا في فضاءات وطننا الجميل ، لم أرَ في الطريق بين رام الله وأريحا سوى فلسطين ، تلاشت المستوطنات في طرفة عين عن جنبات الطريق ، على كل جبل باسم علم دولتنا يخفق للزائرين ، للاصدقاء ، للاشقاء ، هكذا شعرت ، نعم هذه فلسطين التي نحبها بقدومهم ، فلسطين المحررة التي يزهو علمها بعيونهم ، والتي تتورد دماؤنا حياةً بقربهم ، لا فلسطين المنفية المعزولة المنسية المحاصرة بالحديد والتحريض .
وصلتُ أخيراً ، الساعة الان الخامسة مساءً بتوقيت القدس ، استراحة اريحا على غير عادتها ، على يمين قاعة الاستقبال أطفال جميلون يحملون أعلاماً سورية صغيرة الحجم ، يلوحونها يمينا وشمالا على وقع أناشيد وطنية ، وعلى الشمال ، لفيف من الرياضيين والصحفيين الذين اعرفهم والذين لا أعرفهم ، على كل وجه ابتسامة ما ، والموسيقى الحماسية والورود الزاهية تملأ المكان .
شدني مشهدُ الاطفال كثيراً ، كل طفل يحمل علماً في يده اليمنى يلوح به في الفضاء ، وردةٌ حمراء في كل يد ، قلت في نفسي ، كم نحن جميلون حين نستقبل ضيوفنا ، نحن الفلسطينيون رائعون .
أصابتني قشعريرة ما ، نفسها القشعريرة التي أصابتني حين بكت صحفية قطرية على مدرجات استاد الشهيد فيصل الحسيني حينما عزف النشيد الوطني الفلسطيني في افتتاحية بطولة النكبة قبل ثلاثة اعوام ، نفسها القشعريرة التي اجتاحتني حينما لمحتُ اعلاميا يمنيا يبكي في زيارته لخيمة اعتصام اهالي الاسرى المضربين عن الطعام في مدينة رام الله ، نفسها القشعريرة التي اختلجت فؤادي حين شاهدت وفداً يابانيا ينشد السلام الوطني الفلسطيني بكل اتقان وشغف في قصر رام الله الثقافي في اسبوع الشباب ، نفسها القشعريرة التي اجتاحتني حين بكى المصريون بقرب الجدار على حاجز قلنديا ، نفسها القشعريرة التي انتابتني حينما عانق صحفي اردني رخام الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل وهو يجهش بالبكاء ، نفسها القشعريرة التي مزقتني عندما شاهدت محاولة ثلاثة لبنانيين إلقاء انفسهم من نوافذ الحافلة رافضين مغادرة فلسطين وهم يبكون ويصرخون ، نفسها القشعريرة التي احسست بها حين كنت اشاهدهم وهم يملؤون أكياساً من تراب فلسطين ليأخذوها معهم لبلدانهم ، نفسها القشعريرة التي احسست بها عندما زارنا الايطاليون والعراقييون والتونسيون والاردنيون والاماراتيون وغيرهم ، نفسها القشعريرة التي أحس بها مع كل وفد وفي كل زيارة .
حين كنتُ أستذكر تلك المواقف الراسخة في مخيلتي ، ابتسمَ لي طفلٌ كنت أرمق عينيه الفرحتين ، بادلته النظرات والابتسامات ، فجأة ، هدأت حدة الموسيقى والضحكات ، كأن أمراً ما قد حدث ، براءة الطفل وابتسامته اللذيذة كانت أقوى من أن ألتفتَ لإستطلاع ما جرى ، لكن شيئاً قد حدث كسَر ابتسامة الطفل وأوقفه عن النشيد والتلويح بالعلم ، وكأني سمعتُ من اّخر القاعة صوتاً خافتاً يقول : " لن يصل الأشقاء " !
zaعن كثب نَمَا شغفي في أن أرى أشقائي السوريين الذين سيصلون بعد ساعتين الى استراحة أريحا ، للمشاركة في بطولة تصفيات اسيا للشباب ،المجموعة الخامسة التي تستضيفها فلسطين .
نعم سيصلون قريباً ، التفتُ الى الساعة ، الوقت المتبقي فقط ساعة من الان ، يا إلهي تساءلت ، لا وقت لاستقبالهم ، ركبتُ السيارة مسرعاً وفي رأسي ألف فكرة وألف صورة وألف جملة .
أنا الان على حاجز قلنديا ، قلتُ في نفسي بعد ساعتين من الان سيرى السوريون هذا العار ، تُرى هل سيبكون ؟ أم أن الحرب الدائرة في وطنهم افقدتم الشعور بوجع الشقيق ؟
لا لا حتما سيتألمون ، حتما سيشعرون بحجم ما نعانيه من عذاب ، وحتما سينهال علي ألف سؤال في الحافلة وأنا بصحبتهم ، غداً سيتحسسون حجارة كنيسة المهد وسيأخذون لبعضهم مئات الصور ، انها مدينة السلام وإنها مولد المسيح ، نعم لن أبخل عليهم بالسرد والشرح حتى ينبري لساني وتملأ عقولهم بالصور ، سيبكون على حال الشام حين يشتمون رائحتها في البلدة القديمة في نابلس ، وسيذرفون الدمع الحار على مدينتهم حلب في مدينتنا خليل الرحمن ، سنبكي على بكائهم لشامهم وحلبهم ، وسيبكون على بكائنا على خليلنا وقدسنا التي يحيطها الجدار العنصري ، لا عليك ، سيشعرون أنهم في وطنهم حتما ، وسيلحظون في عيوننا دفء قلوبنا تجاههم .
عقرب الساعة يحرق الوقت ، عجلات السيارة تأكل اسفلت الطريق متوجهة الى مدينة اريحا ، وأنا بينهما أسيرُ قصراً وفق أهواءٍ تلدغ ُمخيلتي مع منتخب سوريا في فضاءات وطننا الجميل ، لم أرَ في الطريق بين رام الله وأريحا سوى فلسطين ، تلاشت المستوطنات في طرفة عين عن جنبات الطريق ، على كل جبل باسم علم دولتنا يخفق للزائرين ، للاصدقاء ، للاشقاء ، هكذا شعرت ، نعم هذه فلسطين التي نحبها بقدومهم ، فلسطين المحررة التي يزهو علمها بعيونهم ، والتي تتورد دماؤنا حياةً بقربهم ، لا فلسطين المنفية المعزولة المنسية المحاصرة بالحديد والتحريض .
وصلتُ أخيراً ، الساعة الان الخامسة مساءً بتوقيت القدس ، استراحة اريحا على غير عادتها ، على يمين قاعة الاستقبال أطفال جميلون يحملون أعلاماً سورية صغيرة الحجم ، يلوحونها يمينا وشمالا على وقع أناشيد وطنية ، وعلى الشمال ، لفيف من الرياضيين والصحفيين الذين اعرفهم والذين لا أعرفهم ، على كل وجه ابتسامة ما ، والموسيقى الحماسية والورود الزاهية تملأ المكان .
شدني مشهدُ الاطفال كثيراً ، كل طفل يحمل علماً في يده اليمنى يلوح به في الفضاء ، وردةٌ حمراء في كل يد ، قلت في نفسي ، كم نحن جميلون حين نستقبل ضيوفنا ، نحن الفلسطينيون رائعون .
أصابتني قشعريرة ما ، نفسها القشعريرة التي أصابتني حين بكت صحفية قطرية على مدرجات استاد الشهيد فيصل الحسيني حينما عزف النشيد الوطني الفلسطيني في افتتاحية بطولة النكبة قبل ثلاثة اعوام ، نفسها القشعريرة التي اجتاحتني حينما لمحتُ اعلاميا يمنيا يبكي في زيارته لخيمة اعتصام اهالي الاسرى المضربين عن الطعام في مدينة رام الله ، نفسها القشعريرة التي اختلجت فؤادي حين شاهدت وفداً يابانيا ينشد السلام الوطني الفلسطيني بكل اتقان وشغف في قصر رام الله الثقافي في اسبوع الشباب ، نفسها القشعريرة التي اجتاحتني حين بكى المصريون بقرب الجدار على حاجز قلنديا ، نفسها القشعريرة التي انتابتني حينما عانق صحفي اردني رخام الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل وهو يجهش بالبكاء ، نفسها القشعريرة التي مزقتني عندما شاهدت محاولة ثلاثة لبنانيين إلقاء انفسهم من نوافذ الحافلة رافضين مغادرة فلسطين وهم يبكون ويصرخون ، نفسها القشعريرة التي احسست بها حين كنت اشاهدهم وهم يملؤون أكياساً من تراب فلسطين ليأخذوها معهم لبلدانهم ، نفسها القشعريرة التي احسست بها عندما زارنا الايطاليون والعراقييون والتونسيون والاردنيون والاماراتيون وغيرهم ، نفسها القشعريرة التي أحس بها مع كل وفد وفي كل زيارة .
حين كنتُ أستذكر تلك المواقف الراسخة في مخيلتي ، ابتسمَ لي طفلٌ كنت أرمق عينيه الفرحتين ، بادلته النظرات والابتسامات ، فجأة ، هدأت حدة الموسيقى والضحكات ، كأن أمراً ما قد حدث ، براءة الطفل وابتسامته اللذيذة كانت أقوى من أن ألتفتَ لإستطلاع ما جرى ، لكن شيئاً قد حدث كسَر ابتسامة الطفل وأوقفه عن النشيد والتلويح بالعلم ، وكأني سمعتُ من اّخر القاعة صوتاً خافتاً يقول : " لن يصل الأشقاء " !