مــدرسـة الـقسطـل... تمايزاً طبع عليها صفة النموذجية
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
تحقيق/ ولاء رشيد
ثلاث سنوات من النجاح المثالي كانت كفيلة في لفت الأنظار إلى المدرسة التي تمكَّنت، على الرغم من حداثة عهدها نسبةً لسواها، من احتلال موقع متميز وتحقيق نتائج مبهرة. فكانت مدرسة القسطل النموذجية في العباسية بصور واحدة من القلائل من المدارس التي حافظت للسنة الثالثة على التوالي على نسبة نجاح بلغت 100 % في الشهادة المتوسِّطة (البريفيه).
لمحة عامة عن مدرسة القسطل
يشير مدير مدرسة القسطل النموذجية محمود زكريا إلى أن المدرسة قد تأسّست عام 2004 في مخيم البص، حيثُ كانت في البداية من صف الروضة الأولى وحتى الرابع الأساسي، ولم يكن عدد تلاميذها يتجاوز 95 تلميذاً وتلميذةً، ويضيف: "في تلك الفترة كان أمين سر لجنة إقليم حركة "فتح" في لبنان رفعت شناعة مشرفاً عليها، وبعدها تناوب عدد من المشرفين والمدراء على مهمة إدارة المدرسة إلى أن استدعاني عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" سلطان أبو العينين في 10/11/2008. ولكن الجدير بالذكر أن مع بداية العام 2007، انتقلت المدرسة ببناءٍ جديد إلى منطقة العباسية، لتسهيل عناء التنقُّل على الطلاب. وهكذا بدأت أعداد الطلاب تتزايد، ومعها تزايدت الصفوف التي افتتحناها. وفي عام 2010 وصل عدد التلاميذ إلى 372 تلميذاً وتلميذةً".
وحول أبرز أنظمة المدرسة وهيئتها التعليمية يقول زكريا: "يبدأ الدوام المدرسي من الساعة الثامنة وحتى الواحدة والنصف، من الاثنين إلى الجمعة. ويخضع التلاميذ لجملة من القوانين التي تتم معاقبتهم في حال خالفوها. أمّا فيما يتعلَّق بالهيئة التعليمية فهي تتألَّف من 21 معلماً ومعلمةً، جميعهم من ذوي الكفاءات والاختصاصات، وحملة الشهادات الجامعية، والأمر سيان بالنسبة لمعلمي الروضات حيثُ إنهم من حملة شهادة التربية الحضانية. وهذا كله من باب الحرص على نوعية التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا، إضافةً إلى أن المدرسة مُجهَّزة بمختبر ووسائل إيضاح خاصة بالتعلُّم التفاعلي".
هذا ويبلغ رسم التسجيل 65 ألف ليرة لبنانية، فيما تبلغ تكلفة الزي المدرسي المؤلَّف من قميص وبنطال للفتية وقميص ومريول للفتيات 70 ألف ل.ل. وتتراوح الأقساط المدرسية ما بين 700 ألف ل.ل. للروضات و1250000 ل.ل. للصف التاسع. غير أن هذه الأقساط خاضعة لنظام حسومات يشرح زكريا تفاصيله قائلاً: "في حال إلحاق شقيقَين في المدرسة، يحصل الثاني على حسم بنسبة 15%، وإذا كانوا ثلاثة أخوة يحصل الثالث على خصم بنسبة 50%، أمَّا إذا كانوا أربعةً فيتم إلحاق الرابع مجاناً. وكذلك فالبنسبة للنقل، فإن الشقيق الثالث لا يدفع بدلاً للنقل. هذا إلى جانب أننا نعمل دائماً على تشجيع الطلاب على إحراز العلامات الجيدة، من خلال منحهم حسومات على الأقساط بحسب ترتيبهم في صفوفهم. فالأول في صفه يحصل على حسم بنسبة 25%، والثاني 15%، أمَّا الثالث فـ10%".
جهد حثيث يثمرُ تميُّزاً
ثلاث سنوات مضت على افتتاح صف البريفيه تمكَّن خلاها الطلاب من المحافظة على نسبة نجاح بلغت 100%، إضافةً إلى نيل عدد من الطلاب تقديرات ودرجات مميَّزة. أمَّا عن سبب هذه النتائج المرضية فيقول زكريا: "العمل المتواصل، والجهد الذي يبذله الكادر التعليمي والطلاب معاً هما ما أفضيا إلى هذه النتائج. فنحن منذ افتتحنا الصف التاسع، نعطي التلاميذ 4 حصص دراسية إضافية يوم السبت. وبدورهم يبذل المعلمون جهوداً مضاعفةً لمساعدة التلاميذ في أي وقت يحتاجون فيه لحصص إضافية، هذا إضافةً إلى التعاون القائم ما بين المعلمين والأهل، حيثُ إننا نعقد ثلاثة اجتماعات للأهل سنوياً لمتابعة أوضاع الطلبة، وهناك مجلس أهالٍ مُنتَخَب يُتابع أمور المدرسة ويجتمع مرةً كل شهرين، وله دور كبير في ما يتعلَّق بالمناهج والأقساط".
من جهة ثانية، تولي مدرسة القسطل اهتماماً للأنشطة أيضاً، من خلال إقامة احتفالات وأنشطة في عدد من المناسبات كعيد الأم وعيد الطفل، إضافةً إلى إقامة رحلة سنوية لكل من الصفوف الابتدائية والمتوسطة، وتنظيم أنشطة لامنهجية في المدرسة، والمشاركة في مسابقات رياضية تُقام بين المدارس، وإعداد مجلة حائط تشرف عليها المعلمة تمام عوض.
تميُّز رغم تعدد المصاعب
ولأن المؤسٍّسات الفلسطينية تحتاج للبناني يسجِّل رخصتها باسمه، فقد تمَّ تسجيل رخصة مدرسة القسطل باسم اللبناني حسن حسين عون، ليكون مديراً على الورق بصفة معنوية. غير أن ذلك لم يحل دون أن تكتسب المدرسة صبغة فلسطينية ظهر أثرها في قلة عدد الطلاب اللبنانيين في المدرسة وعددهم 92 فقط. وهي إحدى العقبات التي تقف أمام توسيع الفئة المستهدَفة بحسب زكريا، الذي يلفت إلى أن اللبنانيين يتجنَّبون تسجيل أبنائهم في "القسطل" لأنها تتمتَّع بصبغة فلسطينية اكتسبتها لكونها تُعد مؤسّسة عاملة تحت لواء "م.ت.ف"، ليُدرج هذا الأمر ضمن خانة الصعوبات معلِّقاً: "رغم أننا نعمل تحت لواء "م.ت.ف"، فنحن لا نحصل فعلياً على أي مساعدة مالية أو مادية أو حتى معنوية منها أو من أي جهة ثانية، والشخص الوحيد الذي يتابع سير أمور المدرسة ويحرص على السؤال عن أحوالها هو الأخ سلطان أبو العينين، الذي أسَّس المدرسة وبناها حيثُ أنه في كل زيارة له إلى لبنان يحرص على السؤال عن أحوالنا وأحوال الطلبة. ورغم أنه لا يقدِّم لنا مساعدات مادية، إلا أنه على الأقل يدعمنا معنوياً وهذا يكفينا. وهنا تبرز إشكالية أخرى وهي أننا بالتالي نعتمد كلياً على الأقساط، في وقت بات فيه طلابنا الذين أعددناهم في الصفوف الابتدائية يغادرون صرحنا متوجِّهين للأونروا أو المدارس الرسمية بعد أن عجز أهلهم عن تسديد أقساطهم المدرسية، في حين عمدت بعض الأمهات لإنشاء ما يُعرف بالـ"جمعية" لجمع أقساط أبنائهن. وبالطبع فهذا العام لم يكن بيدنا حيلة، في ظل الارتفاع المستمر للكلفة المعيشية، سوى رفع قيمة الأقساط وإن بشكل مدروس، يكفل تأمين رواتب المعلِّمين والموظفين التي تبلُغ قيمتها حوالي 19 مليون ليرة لبنانية شهرياً بمعزل عن باقي الاستحقاقات من صيانة دورية وفواتير كهرباء وماء ومولدات ورسوم البلدية وغيرها، إضافةً إلى التأمين الذي ندفعه لمستشفى جبل عامل حيثُ أن كل تلميذ يجب أن يكون مؤمَّناً صحياً في حال حصول أي مكروه له لا قدَّر الله. كذلك فبسبب عدم امتلاكنا ضماناً اجتماعياً، فأحياناً يتعذَّر علينا استقدام معلمين لبنانيين لأنهم يرفضون العمل دون ضمان".
في المقابل ينوِّه زكريا إلى ما قدَّمته بعض قوات اليونيفل للمدرسة، فيوضح: "قامت الكتيبة الكورية بتجهيز غرفة حواسيب تضمَّنت مقاعد، وغرفة فيها لوح ذكي (Active Board) يُعرف بالسطح التفاعلي، إضافةً لـ30 مقعداً وحاسوبَين محمولين، و10 طاولات خشبية مع مقاعدها، ومنقٍّ للمياه وآلة تصوير وغيره... وذلك كله يتم توثيقه بمستندات، وهم دائماً يستطلعون حاجات المدارس ليحاولوا تأمينها كلما أمكنهم ذلك وهناك تعاون كامل بينهم وبين مدارس المنطقة. وفي العام الماضي أقمنا احتفالاً على شرفهم حيثُ أحضروا فرقة طبول وشارك تلاميذنا برقصات. كما قدَّمت لنا الكتيبة الايطالية مولداً كهربائياً".
ويختم زكريا حديثه متمنِّياً على المعنيين دعم المدرسة لتواصِل إعدادها للأجيال، ويضيف: "نأمل على الأقل أن يتجلَّى هذا الدعم على الصعيد المعنوي، فحتى الآن لم نحظَ حتى بالتقدير من القيادات والإعلام علماً أن الدعم المعنوي يفوق الدعم المادي أهمية".
صرح تربوي ومنزل ثانٍ
لا يُخفي تلميذا الصف التاسع حسام مصري وبيسان عيسى تعلُّقهما الشديد بمدرستهما، التي يدرسان فيها منذُ أن كانا في الصف الابتدائي الأول. وحول ذكرياته في المدرسة يقول حسام: "كنت فيها منذُ كانت موجودة في مخيم البص. سمعَتْ والدتي آنذاك أن المدرسة تمتلك كادراً تعليمياً جيداً، وبعد التجربة..تأكَّدت هذه المقولة. وهكذا لم أشعر بنفسي إلا وقد أمضيت 9 سنوات أدرس في صرحها وكأنها منزلٌ آخر لي، ولم أكن لأفعل ذلك لولا أن علاقتي بأساتذتي جيدة، ولأنني وجدت ما أنشده في هذه المدرسة من تعليم نوعي. وقد حلَلتُ في المرتبة الثانية في صفي في العام الماضي بمعدل 71,7%". بدورها تؤكِّد بيسان ما يقوله زميلها في الدراسة لتضيف: "لا نعرف الآن كيف سنقوى على مفارقة مدرستنا بعد انتهاء هذا العام. فقد أمضينا أجمل سنين عمرنا فيها". هذا وتطمح بيسان التي تفضِّل مادة الرياضيات على سواها لنيل تقدير في الشهادة المتوسطة، حيثُ أنها حلَّت الأولى في صفها في العام الماضي بمعدل 83,3%. فيما يسعى حسام لبذل مزيد من الجهود، في مادته المفضلة الاجتماعيات وفي سائر المواد الأخرى ليحرز بدوره درجات عالية تفخر بها مدرسته.