مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

رجال في الماء- احمد دحبور


كان شهيدنا المبدع غسان كنفاني في السابعة والعشرين من عمره، في زهو مقتبل الشباب عندما انجز رائعته «رجال في الشمس» حول بضعة لاجئين ركبوا الصحراء في رحلة البحث عن مصدر عمل، وانتهوا صرعى في خزان شحن مغلق، ليطلق سائقهم ابو الخيزران صيحته المشهورة التي لا تزال تصك اسماع الفلسطينيين: لماذا لم تدقوا على جدران الخزان؟
 والآن، بعد خمسين عاما من صدور الرواية الكنفانية، تهتز المشاعر والقلوب على نبأ كارثة بحرية، اودت بفلسطينيين اثر غرق السفينة التي كانت تقلهم على شواطئ ايطاليا، وهكذا يلتحق رجال في الماء برجال في الشمس عبر تراجيديا العصر التي عنوانها: الفلسطينيون..
كان رجال الشمس ينشدون رزق العيال بعد النكبة التي اتت على ارضهم واملاكهم، اما رجال الماء هؤلاء فكانوا ينشدون النجاة من حرب اهلية مجنونة ليس لهم فيها ناقة ولا طاقة، كأن في اجسادنا - حسب الشاعر الراحل توفيق صايغ - مغناطيسا يجذب الموت ويدله علينا. اما المخرج العربي المصري الكبير توفيق صالح، فقد رأى ان هؤلاء الشهداء الصرعى، هم المخدوعون كما عبر عن ذلك في فيلمه السينمائي الشهير المأخوذ عن رواية الشهيد غسان. واذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، كما في الحديث الشريف، فإن صرعى الماء كانوا مؤمنين ولم يقصدوا الفرار الذي اودى بحياة اسلافهم من صرعى الصحراء، لكنه الموت المتربص بالفلسطيني على اليابسة وفي البحر، حتى لنردد ما قاله شاعرنا الكبير توفيق زياد: آه كم موت علينا هذه الايام ان نهرب منه..
على ان الشهداء الجدد، صرعى الماء، يردون على صيحة ابي الخيزران هذه المرة، بأنهم دقوا على جدران الخزان، ولم يسمعهم احد..
في المرة الاولى - حسب رواية غسان المكتوبة قبل نصف قرن - مات الفلسطينيون بلا ضجة عندما لم تكن الشخصية الوطنية الفلسطينية قد انطلقت بعد، وكان الفلسطينيون مجرد لاجئين يستحقون الشفقة، فكان من الطبيعي ان تنطلق صرخة الاحتجاج على الموت من غير ان يدقوا جدران الخزان.. اما هذه المرة، فتقع الكارثة الثانية، ويموتون بعد انا اقلقوا اسماع العالم بدقهم على جدران الخزان.. فقد انطلقت الثورة الفلسطينية منذ العام 1965، وقدمت آلاف الشهداء على مختلف الساحات، ومع ذلك ظل الصمم الرسمي هو الصدى المتاح للصوت الفلسطيني الطالع في البرية والممتد على صفحة البحر..
ليس هذا عتابا، وليس بكاء على الذات او اشفاقا على الوضع العام، بل هو اعتراف جسيم بحجم الهزيمة العربية الحضارية. فكم تعرقنا وتوترت اعصابنا حمية وحماسة ونحن اطفال، عندما قرأنا، على مقاعد الدراسة، قصة المرأة التي صاحت وامعتصماه، فما ان وصلت صيحتها الى المعتصم، حتى رمى اللقمة من فمه واستجاب: لبيك يا امة الله..
والآن، ونحن نستحضر هذه الواقعة التاريخية، نستحضر معها صرخة الشاعر عمر ابي ريشة:
رب «وامعتصماه» انطلقت
 ملء افواه الصبايا اليتم
 عانقت اسماعنا لكنها
 لم تعانق نخوة المعتصم
 وعندما نتذكر ان هذا الشعر قد مر عليه خمسة وستون عاما من غير ان يتغير شيء عميق في جوهر الامر، ندرك حجم الخذلان التاريخي والخيبة المستدامة..
لقد حاولنا، وخضنا حربين وثلاثا، وفجرنا ثورات على امتداد الخريطة العربية المثخنة، لكن الرجال ظلوا يحترقون في الشمس ويغرقون في الماء، حتى اذا اكتسبنا بعض التواضع بالكف عن «العنتريات التي ما قتلت ذبابة» رأينا ان التواضع لا يكفي، بل ان السؤال المصيري يتعلق بالخطوة التالية فهل نخطوها؟
 لا اريد التنكيل بالذات او التفجع باسم النقد الذاتي.. ولكن السؤال يظل مطروحا علينا: الى اين؟ وماذا نحن فاعلون؟ وهل من بصيص ضوء في آخر النفق؟
 وربما تبرز شكوى متضجرة من تكرار هذا الكلام، فهذا صحيح.. بل ان لغتنا باتت تقليدية لا لاننا مضربون عن التجديد، وانما لأن الواقع الساكن موضوعيا لا يزال حائلا دون اجتراح الجديد فمتى نغير ما بأنفسنا حتى يتغير ما حولنا؟
 وبعد.. الرحمة لشهدائنا القدامى والجدد، من الذين استشهدوا مع القسام في يعبد 1935 الى شهداء الماء في ايامنا، على امل ان نجد الطريقة الناجعة للوفاء لهم، ولهذي الارض التي تستحق ما وصفه اجدادنا بالنفس والنفيس. فقد انتهى زمن الموت الجزافي.. ولم يبق الا ان يبدأ التاريخ الآخر..

 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024