والدة الأسير عبد ربه.. تحتضن صورته بانتظار عودة طالت 29 عاما
عنان شحادة
ينتظر أفراد عائلة الأسير عيسى عبد ربه من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، والمقرر الإفراج عنه ضمن الدفعة الثانية من الأسرى المعتقلين قبل اتفاق أوسلو، بفارغ الصبر رؤيته بينهم، بعد فراق استمر 29 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وما أن علمت العائلة بوجود اسم عيسى بين الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم، حتى شرعت بالتحضير والاستعداد لاستقباله بما يليق ببطولاته وتضحياته، حيث علقت اليافطات وصوره الكبيرة والزينة الخاصة بهذه المناسبة.
وسط مخيم الدهيشة حيث يقع منزل الأسير عبد ربه، توافدت جموع غفيرة من المواطنين والمسؤولين والصحفيين لتقديم التهنئة، وخاصة لأمه التي احتضنت صورته.
وانطلقت الأفراح مبكرا في منزل الأسير حتى قبل الإفراج عنه، بمشاركة واسعة من أبناء المخيم ومحافظة بيت لحم، بحكم أنه عميد أسرى بيت لحم، فأطلقت النسوة العنان للزغاريد وصدحت حناجرهن بالأغاني والأهازيج، ووزعت الحلوى على المهنئين.
والدة الأسير الحاجة أمونة عبد ربه (75 عاما) حرصت على استقبال المهنئين بنفسها، فجلست على مدخل المنزل وهي لا تقوى على الحركة، بعد أن أقعدها المرض الذي نال منها، حسرة وانتظارا لاحتضان ابنها الأسير.
وقالت الحاجة أمونة 'لم أتمالك نفسي. صرخت وأجهشت بالبكاء وقفزت من سريري الخاص ومشيت وأنا مقعدة، ثم صليت ركعتي شكر حمدا لله على تحقيق أمنيتي برؤية ابني محررا، أستطيع أن احتضنه وأقبّله'.
وأضافت أن فرحتها لا يمكن أن توصف. الدنيا لا تسعها، فهي الفرحة الأولى لها منذ أن اعتقل ابنها عيسى، ومنذ ذلك الوقت لم تتذوق طعم الحياة، وهي تتحسر وتتلهف لرؤيته. وقالت: 'نال مني المرض، لكن لم ينل من إيماني بخروج ابني. انتظرته طويلا والحمد لله سيتحقق حلمي.
وتابعت الحاجة أمونة حديثها والبسمة ترتسم على محياها، وقالت: هذا الورد زرعته منذ سنوات، وها هو قد نما بشكل كبير. وقتها أخذت على نفسي عهدا بأن لا يقطف الورد إلا ابني عيسى، وبالفعل لم يمسسه أحد.. كان يتساقط بانتظار عودة عيسى وقطفه. هذه المرة لن يذبل الورد ولن يسقط أرضا، بل سيقوم هو بنفسه بقطفه.
وطيلة فترة اعتقال ابنها، كانت تحرص الحاجة أمونة على أن تستيقظ لصلاة الفجر، ثم تجلس أمام المخيم تنتظر عودة ابنها لإيمانها القاطع بهذا الأمل، مشيرة إلى أن الكثيرين كانوا يستغربون من تصرفها، لكن ذلك لم يثنها عن هذا التصرف اليومي.
ولم تخف الحاجة أمونة حقيقة القوة والإرادة التي كانت تتسلح بها والتي كانت تستمدها من ابنها الأسير، الذي كان يزرع فيها الأمل والقوة بحتمية أن الاحتلال سينهزم عاجلا أم آجلا، وأن وجوده في السجن فاتورة هذا الاستحقاق.
وأكدت أن فرحتها ستبقى ناقصة حتى بتحرير ابنها، التي تنتظره منذ سنوات طويلة، لأنه سيترك خلفه آلاف الأسرى، وهناك أمهات ما زلن يتحسرن على فراق أبنائهن. وقالت 'عشت هذا الحال وسأبقى في هذا الحال حتى يخرج آخر أسير من سجون ومعتقلات الاحتلال'.
وأضافت 'ساحتضنه بحرارة لحظة وصوله إلى المنزل.. لن اسمح لأحد أن يأخذه مني بعد هذه اللحظة، سأمضي بقية حياتي إلى جانبه وسأفرح بزفافه. بعدها أشعر بالراحة أنني أديت رسالتي بحق ابني الذي أفنى زهرة شبابه وراء القضبان لأجل فلسطين، وهذا فخر ووسام على جبيني سأبقى اعتز به حتى مماتي'.
ووجهت والدة الأسير عبد ربه التحية والشكر للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، على جهودهم الجبارة والحثيثة من أجل الإفراج عن الأسرى القدامى.