أم الأسير رامي بربخ تعانق حرية الأسرى في بيت حانون
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
د.مازن صافي
الحرية ليست كلمة عابرة في قاموس الأمهات اللواتي ينتظرن فرحة اللقاء بفلذات أكبادهن القابعين خلف قضبان الأسر والاعتقال يعاون ظلم السجان وعنجهية المحتل .. هكذا بدأت تحدثني أم رامي بربخ وتحكي بدموعها المثقلة بالأشواق والحنين قصة رامي الحنون كما أحبت أن تصفه .
رامي خطف في ظهر يوم الجمعة يوم ميلاده في 8 أكتوبر 1994، كانت العيون الخائنة تترصده في كل مكان، كان يعرف أنه مطارد لجيش الاحتلال وقطعان العملاء، لكنه أبى إلا أن يمارس حياته النضالية والعامة، حتى جاء ذلك اليوم الذي أوقفوا السيارة التي كان بها، وقالوا للركاب أين رامي، وحين سألوه مَن أنت، قال لهم أنا زكي أخوه، فقالوا له بل أنت رامي وأنت المطلوب لم يكن يتجاوز الخمسة عشر ربيعا، أخذوه مني طفل، والآن حين ازروه أراه رجلا وقد شاب بعض شعره، لكنه هو ذاك الطفل نفسه الذي لم أشبع منه ومن دلاله ومن حبه وعناقه وأمومتي له، إنه حبيبي رامي، ومن يومها ونحن نطالب بحريته وهو معتقل لأكثر من 22 عاما هناك خلف القضبان، وأملنا كبير أن يتحرر مع دفعات الأسرى القدامى .
هي أم رامي بربخ المتوشحة بالكوفية والمزينة بالثوب الفلسطيني الوطني لا تفارق اعتصام او وقفة أو زيارة تخص الأسرى وذويهم، دوما تتقدم المستقبلين للأسرى المحررين في الليل وفي النهار، تقول كل هؤلاء آبائي وأمهاتي وإخواني وأخواتي، أما المحررين فهم أولادنا جميعاً ونفرح لهم كما نفرح لفلذات أكبادنا، هذا يوم عيد حقيقي ستتلوه أعياد ويبزغ فجر يوم العيد لرامي وضياء وإبراهيم وكريم وكل الأسرى البواسل الأبطال.
بدموع وجع الانتظار وحرقة البعاد ولهفة الحنين ، بدأت أم رامي تستجمع قواها لتكمل الحكاية مختصرة أيام صعبة اختصرت فيها حياتها لرامي ولم يبق لها الا رؤيته وعناقه، وتضيف بحسرة وتكفكف ما يتساقط عنوة من دموعها، ابني رامي ذوي الأسرى في كل بقاع وطننا الحبيب ينتظرون.
انتظرت أن يفرج عنه في الدفعة الأولى في شهر رمضان الماضي، وأن يقضي معنا أيام من الشهر الفضيل ، لكن الشهر عبر والعيد عبر والفرح عبر ولم يعود رامي، وبقي أملي الكبير أن يكون ضمن الدفعة الثانية، لكنه أيضا لم يخرج، لقد جهزت له بعضا من لحما من عيد الأضحى المبارك، وليشاركنا الفرحة، وإخوانه قد أعدوا له برنامج جميل جدا ولكن لم يكن له نصيب، لتستكمل الأعياد دورتها دونه بيننا، لكنه لا يغب عن شفاهنا ودعواتنا له، ووالده يقولها لي دائما " كسرة خبز ناشفة اقتسمها مع رامي أجمل من كل الدنيا " .
أنا تسعة من الأبناء أم الشهداء والأسير، أم الصبر وأم كل الأسرى وبنت القضية التي لا تموت، وصمتت وتنهدت وهي تقول، لقد فقدت اثنين آخرين من أبنائي شهداء .
رامي حبيبي قال لي قبل عام انه يعرف أسماء إخوانه لكنهم كبروا كما هو قد كبر وظهرت عليه معالم المعتقل وشيب الزمن، نفسي أعانقهم واحدا واحدا، أحضنهم، أحكي لهم عن أمنياتي، واسمع منهم قصصهم، نفسي أعناق قبور إخواني الشهداء، أنا مشتاق لكم جميعا.
وتواصلا مع مسيرة تضامنها مع قضية الأسرى ذهبت أم رامي إلى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة وعيونها تتفجر حزنا لأن رامي ليس من بين الأسماء التي أعلنها الاحتلال الظالم، لكنها قالت للجميع وبصوت تتفجر منه حروف الأشواق والوجع، كلنا سنكون الليلة القادمة على معبر بيت حانون، لنستقبل أسرانا جميعهم، هؤلاء من ريحة رامي وضياء وإبراهيم ويونس .
لم يعد يتحمل قلبي أكثر، قالت وهي تصف لحظة تأكدها أن رامي لم يورد اسمه ضمن الـ26 من الأسرى المحررين ، وأكملت كنا ننتظر الإعلان عن الأسماء، وكان الأمل كبير جداً ويكاد يصل إلى 80% أن يكون لرامي نصيب بينهم، واحتشدت المئات أمام منزلنا وأغلقوا الشارع وذلك من بعد المغرب مباشرة
في انتظار لحظة الإعلان، والساعة الثامنة من بعد العشاء دب الصمت الرهيب في المكان كله، رامي لم يكن ضمن الـ26 اسم، وصمت المئات وكأن على رؤوسهم الطير، نظرت إلى زوجي وأبنائي وأقاربي، كان المشهد كئيب جدا، كنت حزينة جدا ، أصابني دوار، لكنني أم رامي وأم الأسرى جميعهم، كان في داخلي ثورة تغلي بركانا من غضب لا أعرف حدوده، لكنني قد صليت الفجر في نفس اليوم ودعوت ربي أن يفرح قلبي وان يصبرني ويحفظني ان لم يكن رامي مع الذين سيخرجون، واستجاب لي ربي ووجدت نفسي قوية، دقائق قليلة جدا، حتى بدأت الأصوات تعلو، والشباب يهتفون، وأبنائي يعانقونني، رامي جاي جاي وراح يرجع يمه، وهنا وجدت نفسي أطلق الزغاريد وطلبت من البنات أن يحضرن الحلوى التي أعددتها وبدأت أنثرها على الشباب وصار صوتي يخرج أعلى وأعلى وأنا أردد :":" كلهم أولادنا، سنعتصم لحريتهم جميعا، الفرح في أي بيت فرحنا، ورامي طالع وضياء طالع وكريم يونس طالع، وإحنا لازم نصبر واليهود بدهم يحرقوا أعصابنا ويدمروا نفسيتنا، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل، الفرج قريب، لا تزعلوا يا شباب، الله موجود ،والأمل موجود ".
وبعد أن شربت كوب من الماء واستراحت قليلا أكملت حديثها :" بعد أسبوع أنا رايحة لرامي، بعد أسبوع موعد زيارته، وغداً من قبل المغرب راح أروح لاستقبل حازم،اتفقت مع أم ضياء الأغا، وأم علاء أبو ستة وكثير من الأخوات، وراح نكون مع اختنا أم حازم ونشاركها الفرح في بيتها، هذا عرس حازم ، وبكرا بتيجي أعراس أولادنا ."
haد.مازن صافي
الحرية ليست كلمة عابرة في قاموس الأمهات اللواتي ينتظرن فرحة اللقاء بفلذات أكبادهن القابعين خلف قضبان الأسر والاعتقال يعاون ظلم السجان وعنجهية المحتل .. هكذا بدأت تحدثني أم رامي بربخ وتحكي بدموعها المثقلة بالأشواق والحنين قصة رامي الحنون كما أحبت أن تصفه .
رامي خطف في ظهر يوم الجمعة يوم ميلاده في 8 أكتوبر 1994، كانت العيون الخائنة تترصده في كل مكان، كان يعرف أنه مطارد لجيش الاحتلال وقطعان العملاء، لكنه أبى إلا أن يمارس حياته النضالية والعامة، حتى جاء ذلك اليوم الذي أوقفوا السيارة التي كان بها، وقالوا للركاب أين رامي، وحين سألوه مَن أنت، قال لهم أنا زكي أخوه، فقالوا له بل أنت رامي وأنت المطلوب لم يكن يتجاوز الخمسة عشر ربيعا، أخذوه مني طفل، والآن حين ازروه أراه رجلا وقد شاب بعض شعره، لكنه هو ذاك الطفل نفسه الذي لم أشبع منه ومن دلاله ومن حبه وعناقه وأمومتي له، إنه حبيبي رامي، ومن يومها ونحن نطالب بحريته وهو معتقل لأكثر من 22 عاما هناك خلف القضبان، وأملنا كبير أن يتحرر مع دفعات الأسرى القدامى .
هي أم رامي بربخ المتوشحة بالكوفية والمزينة بالثوب الفلسطيني الوطني لا تفارق اعتصام او وقفة أو زيارة تخص الأسرى وذويهم، دوما تتقدم المستقبلين للأسرى المحررين في الليل وفي النهار، تقول كل هؤلاء آبائي وأمهاتي وإخواني وأخواتي، أما المحررين فهم أولادنا جميعاً ونفرح لهم كما نفرح لفلذات أكبادنا، هذا يوم عيد حقيقي ستتلوه أعياد ويبزغ فجر يوم العيد لرامي وضياء وإبراهيم وكريم وكل الأسرى البواسل الأبطال.
بدموع وجع الانتظار وحرقة البعاد ولهفة الحنين ، بدأت أم رامي تستجمع قواها لتكمل الحكاية مختصرة أيام صعبة اختصرت فيها حياتها لرامي ولم يبق لها الا رؤيته وعناقه، وتضيف بحسرة وتكفكف ما يتساقط عنوة من دموعها، ابني رامي ذوي الأسرى في كل بقاع وطننا الحبيب ينتظرون.
انتظرت أن يفرج عنه في الدفعة الأولى في شهر رمضان الماضي، وأن يقضي معنا أيام من الشهر الفضيل ، لكن الشهر عبر والعيد عبر والفرح عبر ولم يعود رامي، وبقي أملي الكبير أن يكون ضمن الدفعة الثانية، لكنه أيضا لم يخرج، لقد جهزت له بعضا من لحما من عيد الأضحى المبارك، وليشاركنا الفرحة، وإخوانه قد أعدوا له برنامج جميل جدا ولكن لم يكن له نصيب، لتستكمل الأعياد دورتها دونه بيننا، لكنه لا يغب عن شفاهنا ودعواتنا له، ووالده يقولها لي دائما " كسرة خبز ناشفة اقتسمها مع رامي أجمل من كل الدنيا " .
أنا تسعة من الأبناء أم الشهداء والأسير، أم الصبر وأم كل الأسرى وبنت القضية التي لا تموت، وصمتت وتنهدت وهي تقول، لقد فقدت اثنين آخرين من أبنائي شهداء .
رامي حبيبي قال لي قبل عام انه يعرف أسماء إخوانه لكنهم كبروا كما هو قد كبر وظهرت عليه معالم المعتقل وشيب الزمن، نفسي أعانقهم واحدا واحدا، أحضنهم، أحكي لهم عن أمنياتي، واسمع منهم قصصهم، نفسي أعناق قبور إخواني الشهداء، أنا مشتاق لكم جميعا.
وتواصلا مع مسيرة تضامنها مع قضية الأسرى ذهبت أم رامي إلى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة وعيونها تتفجر حزنا لأن رامي ليس من بين الأسماء التي أعلنها الاحتلال الظالم، لكنها قالت للجميع وبصوت تتفجر منه حروف الأشواق والوجع، كلنا سنكون الليلة القادمة على معبر بيت حانون، لنستقبل أسرانا جميعهم، هؤلاء من ريحة رامي وضياء وإبراهيم ويونس .
لم يعد يتحمل قلبي أكثر، قالت وهي تصف لحظة تأكدها أن رامي لم يورد اسمه ضمن الـ26 من الأسرى المحررين ، وأكملت كنا ننتظر الإعلان عن الأسماء، وكان الأمل كبير جداً ويكاد يصل إلى 80% أن يكون لرامي نصيب بينهم، واحتشدت المئات أمام منزلنا وأغلقوا الشارع وذلك من بعد المغرب مباشرة
في انتظار لحظة الإعلان، والساعة الثامنة من بعد العشاء دب الصمت الرهيب في المكان كله، رامي لم يكن ضمن الـ26 اسم، وصمت المئات وكأن على رؤوسهم الطير، نظرت إلى زوجي وأبنائي وأقاربي، كان المشهد كئيب جدا، كنت حزينة جدا ، أصابني دوار، لكنني أم رامي وأم الأسرى جميعهم، كان في داخلي ثورة تغلي بركانا من غضب لا أعرف حدوده، لكنني قد صليت الفجر في نفس اليوم ودعوت ربي أن يفرح قلبي وان يصبرني ويحفظني ان لم يكن رامي مع الذين سيخرجون، واستجاب لي ربي ووجدت نفسي قوية، دقائق قليلة جدا، حتى بدأت الأصوات تعلو، والشباب يهتفون، وأبنائي يعانقونني، رامي جاي جاي وراح يرجع يمه، وهنا وجدت نفسي أطلق الزغاريد وطلبت من البنات أن يحضرن الحلوى التي أعددتها وبدأت أنثرها على الشباب وصار صوتي يخرج أعلى وأعلى وأنا أردد :":" كلهم أولادنا، سنعتصم لحريتهم جميعا، الفرح في أي بيت فرحنا، ورامي طالع وضياء طالع وكريم يونس طالع، وإحنا لازم نصبر واليهود بدهم يحرقوا أعصابنا ويدمروا نفسيتنا، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل، الفرج قريب، لا تزعلوا يا شباب، الله موجود ،والأمل موجود ".
وبعد أن شربت كوب من الماء واستراحت قليلا أكملت حديثها :" بعد أسبوع أنا رايحة لرامي، بعد أسبوع موعد زيارته، وغداً من قبل المغرب راح أروح لاستقبل حازم،اتفقت مع أم ضياء الأغا، وأم علاء أبو ستة وكثير من الأخوات، وراح نكون مع اختنا أم حازم ونشاركها الفرح في بيتها، هذا عرس حازم ، وبكرا بتيجي أعراس أولادنا ."