مؤيد حجي.. بطل من هذا الزمان
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عاطف دغلس
"تركت لك يا بني مفتاح المنزل، كي تعيش فيه أملا وحياة جديدة، تنسى فيها ظلمة السجن وظلم السجّان". كلمات كان معين الشقيق الأصغر للأسير المحرر مؤيد حجي يتمتم بها بينما يقودنا إلى منزل والدته التي رحلت دون أن تعيش دفء اللقاء بنجلها، بعد غياب قسري تجاوز العقدين في سجون الاحتلال.
وأوثقت "أم أحمد حجي" مفتاح منزلها لنجلها مؤيد في المنزل بسلسلة حديدية، وكأن لسان حالها يقول "هذه وصيتي لك فاحفظها".
متنقلا بين غرفه يكشف لنا معين أسرار هذا المنزل الذي عاش فيه شقيقه مؤيد، ويروي حكاية شاب بدأ معاناته مع الاحتلال منتصف ثمانينيات القرن الماضي بعد اعتقاله للمرة الأولى.
ومن وقتها بدأ ناقوس خطر الاعتقال يطرق باب عائلة الأسير حجي في قريته برقة شمال نابلس، إذ كان اعتقاله 15 شهرا وتغريمه 500 دولار كفيلا بجعله يفكر في الهجرة للتعليم، فغادر القرية متوجها إلى الهند بتصريح مؤقت عام 1989.
وانقطعت منذ تلك اللحظة أخباره عن عائلته التي ظلت معتقدة أنه في الهند حتى أذيع نبأ اعتقاله، هكذا قال معين للجزيرة نت وقد ازدحمت في عينيه دموعُ الفرحة باللقاء.
لكن ما لا تعرفه العائلة هو أن مؤيد عاد بعد أسابيع قليلة من سفره واستقر في الأردن، قبل أن ينضم إلى "القطاع الغربي" بقيادة محمد المدني مسؤول "العمليات الخارجية" في حركة فتح آنذاك.
إعداد وتخطيط
وبعد 22 عاما يروي مؤيد حجي (47 عاما) تفاصيل عملية إيلات (إيلات- الضفادع البشرية)، ويقول إنه بعد عودته من الهند التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية في عمان وتعرف على قيادات فلسطينية فيها، ومن ثم انطلق إلى ليبيا للدراسة في إحدى كلياتها العسكرية، وأتقن على مدار عامين كافة أشكال التدريب.
كان على مؤيد ورفاقه تنفيذ العملية بحرا انطلاقا من البحر الأحمر من ناحية مدينة العقبة في الأردن التي وصلها بعد أن تنقل بين ليبيا وتونس واليمن بهدف التدريب.
ويضيف الأسير المحرر أن الإعداد للعملية بدأ منذ اليوم الأول الذي سافر فيه إلى ليبيا بينما بدأ العد العكسي لها في 18 مايو/أيار عام 1992، وانتهى يوم تنفيذها في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته.
إيلات الفدائية
ونفذ العملية مؤيد -الذي حمل اسما وهميا هو "معتصم"- ومدحت عمرو (أبو عاصم) من الخليل، ولم يعرف من رفيقه الثالث سوى اسمه الأول يوسف ولقبه "عزمي" وكان من رام الله، وأبحر الثلاثة بلباس سباحة خاص وهم يحملون على ظهورهم "أسلحة رشاشة وقنابل متفجرة".
مؤيد سبح ثماني ساعات متواصلة قبل الوصول لشاطئ إيلات (الجزيرة)
على الخريطة كانت المسافة مقدرة بنحو 11 كيلومترا، بينما على أرض الواقع استغرقت ثماني ساعات متواصلة من السباحة، حيث انطلقوا التاسعة ليلا ووصلوا الخامسة فجرا، بعد أن ألقى بهم الموج على شاطئ مدينة إيلات.
يحبس مؤيد دموعه برهة حزنا على صديقه "عزمي" فقد ابتلعه البحر ولم يكمل مشواره معهم، ثم يتابع قائلا "اعترضنا حارس إسرائيلي وحاول استجوابنا، لكن رفيقي أبو عاصم لم يمهله حتى تتم الإجابة فأرداه قتيلا برصاصة في صدره".
ويضيف في هذه اللحظة "ازداد الخطر وبدأ جنود الاحتلال الذين طوّقوا المكان بإطلاق النار علينا، فاستشهد صديقي أبو عاصم وأصبت بجروح خطيرة بعد اشتباك دام ساعات".
واعتقل مؤيد عقبها ونقل إلى مستشفيات عدة، وخضع لتحقيق قاس استمر طوال فترة العلاج التي امتدت خمسين يوما.
رحلة الاعتقال الصعبة وفترات السجن الطويلة، ساعدت مؤيد على حفظ القرآن الكريم، لكنها لم تُنسه أهل قريته وحاراتها وأزقتها، حتى طريق المقبرة لم يضله حيث كان أول عمل يقوم به هو زيارة قبر والدته التي رحلت عام 2006.
يشار إلى أن إسرائيل أطلقت الأربعاء 26 أسيرا من الأسرى القدامى بعد أن كانت أفرجت قبل شهرين عن مثلهم، ضمن اتفاق إسرائيلي فلسطيني بوساطة أميركية كخطوة للعودة إلى المفاوضات التي انطلقت قبل نحو ثلاثة أشهر.
عن الجزيرة نت