'ذاكرة لا تصدأ': ثمانيني يعيد بناء قرية العوجا المُدمرة!
أعاد الثمانيني جميل ضيف الله سوالمة بناء قرية العوجا، القريبة من يافا، والتي استولت عليها العصابات الصهيونية خلال نكبة عام 1948، ورسم بتفاصيل صغيرة، خلال الحلقة السابعة عشرة من برنامج 'ذاكرة لا تصدأ' لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، ملامح قريته التي صارت تربط باسم عائلته (السوالمة).
وقال: كانت بلدنا سهلة مثل الكف، وكنا غرب نهر العوجا، ونجاور ملبس من الشرق، وأرضنا حمراء مثل كبد الشنار (طائر الحجل)، وما كنا نشوف حجارة فيها، وزرعناها بالبطيخ، والشمام، واللوبياء، والقرع، والبندورة، والسمسم، والترمس، عدا عن بيارات البرتقال والليمون. وكنا نروي مزروعاتنا بسحب مياه النهر بالماتور، ونضع شبكة عليها خشية أن تدخل الأسماك إلى الأنابيب فتُغلقها.
ومما يسكن في ذاكر سوالمة، اللحظات الجميلة التي كان يصطاد فيها السمك من النهر المار بقريته، فيرمي ورفاقه الشباك، أو يلتقطون سمك المشط، والقرابيط أو العكليك (تشبه الأفعى، وتعيش دون ماء حوالي 24 ساعة)، بعد رمي الأدوية لها (حبوب منومة)، ويُسرعون بها إلى المنزل للطهي. فيما كان الصيادون، الذين يعيشون من وراء الأسماك، يستخدمون شباكا أكبر، وينقلون صيدهم للبيع في أسواق يافا وملبس.
يسرد: كانت في القرية مدرسية أهلية يديرها الشيخ حمدان أبو إسماعيل من كفر قدوم، والثانية للحكومة ومديرها شاكر أبو كشك. وتعلمت للصف الثالث، ودرسنا عند الأستاذ راتب ضيف الله، وقرأنا الحساب والعربية والقرآن. وأحفظ إلى اليوم أشعار: 'على اليرموك قف واقرا السلاما، وكلمه إذا فهم الكلاما، وقل يا نهرُ ها هاجتك ذكرى، شجَت قلبي وحرَّكت الغراما، هنا الإسلام ضاء له حُسامٌ، غَداة استلَّ خالده الحُساما، وهبَّ أبو عبيدة مثلَ ليثٍ، يقود وراءه الموت الزُّؤاما ....'
مما يختزنه سوالمة عن قريته، أن نهر العوجا كان يتلوى داخل أراضيها مثل الأفعى، وكان يفيض في الشتاء، ويسحب معه الأسماك، والكثير من الأشياء. فيما كانت بيوت القرية من القرميد الأحمر، أما الشوارع فرملية تسير عليها عربات الخيول (برأس واحد أو بزوج منها)، ذات الدواليب الخشبية والمعدنية، وليس المطاطية كما هو الحال اليوم، وعُرف أخي رشاد بمهاراته على إصلاحها، ولم تكن في القرية سيارات.
يستذكر: كان في بلدنا أربع عائلات هي: الحشاشين، والقراعين، والسوالمة، والعرايشة، من العريش المصرية، يأتون أيام الحصيد، ويسكنون في بيوت الشعر. وكنا نذهب ليافا وملبس (التي هوّد الاحتلال اسمها إلى بيتح تيكفا)، ونشتري حوائجنا، ونبيع محاصيلنا.
ووفق الراوي، فقد كانت أفراح القرية تطول لسبعة أيام، وينصبون لها بيوت شعر، ويُغنون، ويزفون العريس على الخيل، أما المهر فنحو 50 جنيهاً. ويحتفظ السوالمة حتى اليوم بالأسماء الشعبية لأراضي العوجا، كالجدوعية (المشهورة بالزراعة طوال النهر)، والحَمام (عُرفت بنمو محاصيلها كثيرا، ما كان يدفع الفلاح لقص القمح مرتين)، والمِقصّر(غربي النهر).
ولا تفارق السوالمة، مشاهد الاقتلاع من القرية خلال النكبة، حين خرج وأفراد أسرته مشيا على ألأقدام، وساروا حتى احتموا في بيارة برتقال بجلجوليا، ثم انتقلوا إلى قلقيلية، ووصلوا مخيم الفارعة، ولا يزال ينتظر حلم العودة ليفر وقت الحر إلى النهر، ويصطاد السمك الطازج، ويمشي في حقول القرية، ذات الخير الوفير.
بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن' كواكب لا تغيب' ستفرد مساحة منفردة لكل شاهد من معاصري النكبة، وستجمع التفاصيل الدقيقة عن القرى المدمرة، وتوثّقها بالنص والصوت والصورة، وتعرف الجيل الجديد بها، الذي لا يُلم بالكثير منها.
فيما ذكر نافز جوابر، من اللجنة الشعبية، أن البرنامج جمع، منذ إطلاقه، عشرات الشهادات، التي تحدثت عن القرى وعاداتها وتقاليدها وأفراحها وأتراحها ومدارسها وزيتونها وكل شيء فيها، لكن الموت غيّب حتى الآن، ثلاثة ممن عاشوا لحظات النكبة القاسية.