الأسر يحرم الفلسطينيين الحياة
وفــا- بدوية السامري
منزل مليء بالأحفاد تسوده أجواء الحب والأمان، كل ينادي والده فريد، حسن، مأمون، صالح، فؤاد... هكذا تتخيل الحاجة حربية الصفدي "أم فريد" (65 عاما) للحظات غياب الاحتلال، وتقول "حرمنا الاحتلال ملذات الحياة جميعها، كان من المفروض أن تكون لنا حياة مختلفة تماما".
فقدت الحاجة الصفدي ابنها البكر شهيدا برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي قرب مقام يوسف في مدينة نابلس عام 1996، وجرح اثنين من أبنائها، وأسروا جميعهم على فترات خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وهي الآن بانتظار تحرير ابنتها "نيللي" من سجون الاحتلال.
وتقول أم فريد: "أتخيل أحيانا ماذا لو لم نكن نعاني من الاحتلال وويلاته"، وتضيف "لا يمكن أن أزوج أبنائي الأربعة وأنا أعيش الخوف الدائم من اعتقالهم، خاصة بعد أن قضوا فترات مختلفة في سجون الاحتلال، لن أظلم بنات الناس".
باتت الاعتقالات ظاهرة يومية وجزءا من ثقافة الاحتلال، وتقليدا ثابتا في سلوكه، فلا يمضي يوم واحد إلا ويُسجل فيه اعتقالات، وغالبيتها ليس لها علاقة بالضرورة الأمنية كما يدعي الاحتلال، وإنما بهدف الإذلال والإهانة والانتقام.
ويشير تقرير أصدرته دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين نهاية نيسان الماضي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام 1967 ولغاية اليوم قرابة 750 ألف مواطن ومواطنة، بينهم نحو 12 ألف مواطنة وعشرات الآلاف من الأطفال.
وأضحت مفردات "الاعتقال والسجن والتعذيب" من المفردات الثابتة في القاموس الفلسطيني وجزءا من الثقافة الفلسطينية.
تزوجت أم فريد خلال العام 1967 في نابلس قادمة من القدس قبل الاحتلال بعشرة أيام، وتقول "لم أكن أعلم وقتها ماذا يعني احتلال؟ لكنني الآن أتقنته تماما، كيف لا! بعد أن عانيت الأمرين، وجربت جميع أنواع تعذيبه وممارساته".
وتضيف: "اقتحم جنود الاحتلال منزلنا داخل البلدة القديمة عشرات المرات، كسر، وعاث خرابا داخله، وخطف ابني البكر برصاصة منه، وأسر أبنائي الأربعة، والآن تقبع ابنتي أسيرة تحت رحمتهم".
ولم تقتصر الاعتقالات على شريحة معينة أو فئة محددة، بل شملت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني دون تمييز.ويقول الأسير المحرر حسن الصفدي (33 عاما) بحسرة "لم أخرج من نابلس منذ أحد عشر عاما إلا بالجيب العسكري الاحتلالي إلى السجون الإسرائيلية في خمس مرات متقطعة".
ويتساءل: هل يعقل أن أكون شابا ابن 33 عاما ولا أعرف القرى والمدن من حولي كيف أصبحت؟!
وأُسر حسن خمس مرات، اثنتين خلال الانتفاضة الأولى، وثلاثًا خلال انتفاضة الأقصى.
ويقول الصفدي، "أعيش سيناريو معظم الشباب الفلسطيني". ويضيف: كان من المفروض أن تكون لي حياة مختلفة الآن، ربما كنت أبا صاحب صنعة أو يحمل شهادة، ولديه حرية التنقل أينما يريد، ويعيش في أمان دون خوف دائم من الاعتقال".
وأوضح تقرير لوزارة الأسرى أنه منذ بدء انتفاضة الأقصى يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، سُجل اعتقال أكثر من 70 ألف فلسطيني، بينهم نحو ثمانية آلاف طفل وعشرات النواب ووزراء سابقون و850 مواطنة منهن أربع أسيرات وضعن مواليدهن داخل السجن. كما سُجل أكثر من عشرين ألف قرار اعتقال إداري بين اعتقال جديد وتجديد اعتقال.
وبيّن التقرير أن الخطورة تكمن في أن مجمل تلك الاعتقالات وما رافقها ويرافقها ويتبعها تتم بشكل مخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني من حيث أشكال الاعتقال وظروفه، وأشكال انتزاع الاعترافات، وما يمارس بحق المعتقلين من انتهاكات.
ويقبع قرابة ستة آلاف أسير في سجون الاحتلال، بينهم عشرات الأسرى العرب من جنسيات مختلفة، ومن بين هؤلاء 820 أسيرا صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو لمرات عديدة، بينهم 37 أسيرة و245 طفلا ويشكلون ما نسبته 4.1% من إجمالي عدد الأسرى.
في الوقت نفسه، تم اعتقال مئات الأسرى وهم أطفال، كما أن هناك 180 معتقلا إداريا و12 نائبا وعددا من القيادات السياسية.
وبالأرقام يتبين أن 302 أسير معتقلون منذ ما قبل اتفاق أوسلو، وهؤلاء يُطلق عليهم مصطلح "الأسرى القدامى" باعتبارهم أقدم الأسرى، فأقل واحد منهم مضى على اعتقاله 17 عاما، ومن بينهم 136 أسيرا مضى على اعتقالهم 20 عاما وأكثر، وهؤلاء يُطلق عليهم مصطلح "عمداء الأسرى"، بينما يطلق مصطلح "جنرالات الصبر" على من مضى على اعتقاله ربع قرن وأكثر، وهؤلاء يصل عددهم مع نهاية الشهر الجاري إلى 41 أسيرا، بينهم أسير عربي واحد من هضبة الجولان السورية المحتلة.
وعن الأوضاع الحياتية والمعيشية داخل سجون الاحتلال، هناك قائمة طويلة من الانتهاكات كالتعذيب والإهمال الطبي والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات وابتزاز الأطفال وسوء الطعام.
وتتناقض أوضاع الأسرى بشكل فاضح مع كافة المواثيق والأعراف الدولية، حيث استشهد 202 أسير بعد الاعتقال منذ العام 1967.