قواعد العشق الأربعون- يحيى القيسي
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
ثمة أعمال أدبية تسبب الغبطة للمرء من شدة ما فيها من لغة سردية شائقة، ومعارف مذهلة، وصياغة وقائع مبتكرة، ومثل هذه الأعمال ستظل تفاجئنا بالمزيد من الدهشة، وهذا الأمر نادرا ما يحدث في قراءاتنا اليوم لكثرة الثرثرة في الكتابة وقلة الإبداع، لكن رواية " قواعد العشق الأربعون " للأديبة التركية " إليف شافاق" تستند الى ما ذكرته من جماليات وتميز، بحيث تبقى في الذاكرة طويلا، ولهذا لا شيء يفاجيء المرء حينما يعرف انها ترجمت الى لغات عالمية عديدة وحققت مبيعات مليونية ..!
تتحدث الرواية عن امرأة في منتصف العمر" إيلا " يهودية أميركية لديها احباطاتها العاطفية الخاصة، وتعمل مراجعة أدبية لبعض المخطوطات لصالح إحدى دور النشر في أميركا، حيث يتم تحويل مخطوطة رواية " الكفر الحلو " إليها لقراءتها وكتابة تقرير حولها، والرواية لكاتب يدعى أ. ز. زاهارا يتناول في روايته حياة الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي وعلاقته مع رفيق روحه الصوفي المجذوب أو الدرويش " شمس الدين التبريزي" حيث التقيا معا وتبادلا المعارف والحوارات المعمقة فيما يتعلق بقواعد العشق الالهي الأربعين، والنظرة للكون والإيمان ومسائل وجودية عديدة.
ولهذا يمكن القول إننا كقراء امام رواية داخل رواية تتعلق الأولى بالمرأة وحياتها العائلية وتواصلها ايضا عبر الرسائل الالكترونية " الايميلات " مع مؤلف الرواية والذي تختصر اسمه ب" عزيز" ، والثانية للرواية نفسها اي " الكفر الحلو " وما فيها من تفاصيل، وبالتالي تنتمي كل رواية الى زمن مختلف، الأولى الى زمننا هذا، والثانية إلى القرن الثالث عشر وخصوصا سنة لقاء الرومي بالتبريزي 1244 م
تبشر الرواية بالحب والسلام بين البشر والتعايش الديني ولا سيما وهي تنقل ملامح عن التطرف والانغلاق الذي حصل خلال القرن الثالث عشر وانقسام المسلمين إلى طوائف وملل وانتماءات مختلفة، وكأن الكاتبة تريد أن تشير إلى حالة مشابهة مر عليها المسلمون في زمان سابق، وهي أشبه بما يجري اليوم، وبالتالي تأتي الدعوة لثقافة الحب والرحمة، وأن الله يتسع للجميع، وبالطبع فإن الثقافة الصوفية هي الأكثر عمقا ورحابة في نقل مثل هذه الأفكار الإنسانية التي تركز على الأخلاق والتعامل مع البشر، وتنقية النفس البشرية وباطن الانسان من أدران الحقد والكره والتطرف.
رواية " قواعد العشق الأربعون " من أجمل ما قرأت خلال العشر سنوات السابقة من انشغالاتي المتواصلة بالقراءة والبحث، وأوصي بقراءتها لكل محبي الفكر والثقافة خصوصا بترجتمها المتقنة إلى العربية وسردها الممتع وما تحمل من فكر عميق ....!!