رجل على الرصيف
محمد الماغوط
نصفه نجوم
ونصفه الآخر بقايا وأشجار عارية
ذلك الشاعرُ المنكفئ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذة
شاعر يبكي، وفتاةٌ ترتعش
قلبي يا حبيبة، فراشة ذهبيه،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .
. . .
كنت يتيمة وذات جسد فوار
ولأهدابك الصافية، رائحة البنفسج البري
عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين،
أحلم بالغروب بين الجبال،
والزوارقِ الراحلةِ عند المساء،
أشعر أن كل كلمات العالم، طوعَ بناني.
. . .
فهنا على الكراسي العتيقة
ذاتِ الصرير الجريح،
حيث يلتقي المطر والحب، والعيون العسلية
كان فمك الصغير ،
يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر
فترتسمُ الدموعُ في عيني
وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشية
كهدير الأقدام الحافية في يوم قائظ.
. . .
لقد كنتِ لي وطناً وحانه
وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفولة
يومَ كان شعرك الغجري
يهيمُ في غرفتي كسحابه..
كالصباح الذاهب إلى الحقول .
فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان
واخفقْ يا قلبي الجريح بكثرة ..
ففي حنجرتي اليوم بلبل أحمر يود الغناء
أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه
يا أشجار الأكاسيا البيضاء
ليتني مطر ذهبي
يتساقط على كل رصيفٍ وقبضة سوط
أو نسيم مقبل من غابة بعيده
لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها
كطير استوائي حنون
ليتني أستطيع التجول
في حارات أكثر قذارة وضجة
أن أرتعش وحيداً فوق الغيوم .
. . .
لقد كانت الشمس
أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي
والسماء الزرقاء
تتسلل من النوافذ والكوى العتيقة
كشرانقَ من الحرير
يوم كنا نأكل ونضاجع ونموت بحرية تحت النجوم
يوم كان تاريخنا
دماً وقارات مفروشة بالجثث والمصاحف .