مَشاهد تحت المطر - عطا الله شاهين
اخطو بخطوات سريعة على شارع تكثر فيه الحفر بلا أرصفة ، عارية من شجرات كانت مغروسة قبل سنوات.. السحب السوداء تتحد بحب مع بعضها البعض وتسير نحو جنون المدينة الغارقة بالفوضى.. أحبها في الليل لحظة هبوط الهدوء على جسدها المنهك من زحمة المواطنين والتجار، الغارقين في الاحلام، والجشع ، ولكني اليوم قصدت وجهة أخرى .. لزيارة صديق قديم عاد من الغربة مجنونا.. السحب تقترب مني وتبدأ حبات المطر بالسقوط على رأسي، أركض صوب بيت أنيق يزينه القرميد الأحمر ، وأحتمي تحت أحد شرفاته. اقف قرب نافذة بلا ستائر.. انظر من خلف الزجاج .. لا شيء هناك سوى امرأة تخلع ملابسها أمام المدفأة.. وأنا اتلصص كلصٍ هاوٍ لمشاهدة جسد خلق بعناية فائقة وبتأن قاتل. المطر يجن جنونه ويسقط بغزارة.. المزارع في الجهة المقابلة يحرث أرضه وغير آبه .. حبات المطر تنزلق على ظهري دونما أشعر بها. المشهد كان ساخنا لدرجة أنني نسيت طريقي .. الرياح تهب نحوي، والمطر بدأ يبللني ، ولكن المشهد تحت المطر كان فيه حرارة كافية لبقائي على قيد الحياة للحظات رائعة حتى ابتعاد السحب. يخف سقوط المطر .. أهم بالاسراع لئلا تراني، فأنا لا أريد أن تراني، لأن المشهد كان كافيا مع أنني لا أنتمي لؤلئك الرجال السيئين( أقصد المتهورين في العالم السفلي)، وبما أنني رجل شرقي شبق لم أصمد أمام جسد قاتل بجماله المحبوك بأنوثة مبهرة. المزارع يستمر في حراثة الأرض، ولا أعلم إن رآني أم لا، فأنا لم أفعل شيئا سوى مشاهدة قاتلة جعلتني أقدس الجمال وقت هدوئه الانفعالي الخجول عندما يكون الجسد عاريا وحزينا لا يلمسه أحد. صديقي المجنون الآن غارق في المياه مع دميته في بيته المسقوف بالزينكو المخزق من رصاص الاحتلال.. ولا أريد أن أصحيه من حلمه بالعودة إلى ذكريات الطفولة الجميلة.