اكاديميون ونقاد- صبحي شحروري
لم أستطع قراءة كتاب " قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية " إلا بعد الاطلاع على كتاب " جدل الشعر والسياسة والذائقة, دراسة في ظاهرة الحذف والتغيير في أشعار محمود درويش " وكلاهما من إنتاج الأكاديمي الأستاذ الدكتور " عادل الأسطة " .
وهذا الكتاب وهو الأول في الصدور هو موضع الملاحظات التالية .وفيه مقدمة هي التي أنارت لي الطريق خاصة ذكر المنهج التكويني .وهذا المنهج هو في حد ذاته خطوة أولى تقوم على جمع المعلومات لإبراز صورة بعينها محور وجودها تمامها ،تتبعها خطوات ربط وتحليل مع علوم ومدارس نقدية عديدة, وإلا بقيت دون معنى, مثل شاب صحيح الجسد لكنه لا يعمل.
عادة ما يقال ما لي أنا والشاعر،المهم عندي ما أنتج أي النص, وحتى المنهج التكويني فهو يدرس تمام ما أنتج الشاعر بعد أن تكتمل هذه النتاجات وتجف . وإنما تجف النتاجات بالنقد بعد تقليبها على كل أوجهها مثلما حدث مع بلزاك وفلوبير المذكورين هنا .
وشعر درويش ما زال بحاجة لدراسات قادمة وحتى أعماله الكاملة لم تطبع . وبدل دراسة شعر الشاعر درويش هناك من يريد أن يعلقه هو على حبل الغسيل .
لقد قطع النقد في العالم شوطاً واسعاً في الابتعاد عن عنعنات الشعراء أنفسهم وهناك من يريد أن يعيدنا إلى مطابخهم وشم روائحهم في مطابخهم وتلك مغامرة إذ لا بد من شم الروائح كلها القبيح والطيب .
والدارس يسوق الدلائل على هشاشة منهجه ص 8 وهو يترك لغيره البحث في علاقة النقد التكويني مع العلوم الأخرى .
ويلاحظ أن ما يسميه الدارس هو سياسي في الغالب وما هو نفسي يتبع عادة ولا يتقدم .
هناك مسألة ضخمها الدارس هي ترك أدباء الجليل ومنهم الشعراء. الحزب الشيوعي هناك, والعودة المتكررة إليها, إن المسألة واضحة الأساس ولا تستحق كل هذا التضخيم .
كان الحزب هو الحزب المرخص الوحيد ويلبي حاجات هامة أو عابرة في الغالب فلما فتح الباب انفضوا إلى مطامحهم واتجاهاتهم الأولى, وهي مسألة مكشوفة .والمسألة لا تحتاج إلى إلحاح, أما ربط النقد التكويني بالنقد الاجتماعي فلم أعثر عليه, ربما لقصور في فهمي ولعل من يُوَضَّح.
ليست أفعال درويش كلها سلبية وكان يجب تفريد المسألة, وستكون النتيجة حمراء وصفراء أي مرة إدانة وأخرى لا, وفي مجتمعنا العربي وهنا لا يستطيع الشاعر أن يواجه وفي كثير من الأحيان يكون نقد السلطة مناورة .أمّا مسألة مطابقة درويش للمتنبي فهي زعم بالغ الفداحة, ودون انحياز لأي من الشاعرين, فليست هناك أية دراسات تغطيها .
وما أراده درويش من المتنبي ممثلاً ببيت الشعر التالي :
على قلق كأنَّ الريح تحتي يروق لي مفرح وجميل
يلغيه الشطر الثاني أوجهها يميناً أو شمالاً
أسطوانة أن كاتب النص أقدر على تفسيره, فليترك نصه له إذن ولا حاجة به لنشره.
أما تطلّع الكتّاب لنيل الجزائز فواضح هنا وإلا فإنّ عليك أن تدخل الدير .
وبشكل عام فإنّ درويش استمر في توضيح نفسه ولم ينغلق وذلك أثناء الكثرة الكاثرة من المقابلات التي أجريت معه ولا مجال واسعاً للخلاف هنا وقد بالغ الدارس في مدح الشاعر ربما لتلطيف الهجوم عليه .
زحام قاتل هي نفسها ما قاله حجازي " هذا الزحام لا أحد" وهي مأخوذة من الشاعر القديم الذي إن فتح عينه يفتحها على كثير ولكن لا يرى أحداً. وهو وصف لهشاشة الجمهور في مواحهة الشدائد.
أما مسألة قصيدة "عابرون " فالرد عليها أن يجلس واحد محروق دمه ايبكي ويتواجد / وهل هي وحدها مصدر كل هذا التباهي أم أن الباب مفتوح .
كان درويش قريباً من سلطة الرئيس المرحوم عرفات , اختلف أحياناً، وكان هذا اختلاف المحب لا غير , للتاريخ وزنه بذاته وقد تم الإسقاط على الحاضر وقد لا يتم، الناقد وحده يقرر ذلك .
ويا أخي الدارس لطفاً فأنا لم أفهم معنى " الايقاع العاطفي " وعذراً أيها العزيز عند انتقالك من الكتاب الاول للثاني محظور الانتقال من الشعر إلى السرد .
الشعر نحت يتحمل البحث عن تكوينه, والسرد منفلت .مكان يتوسع بزمانه أو يضيق , وخيال, ولتركض ونركض معاً.