أعواد مطواعة تستحيل قطعا فنية
وفا- لورين زيداني
بعد وفاة والده عندما كان صغيرا، وبمساعدة من أحد أساتذته في المدرسة، التحق محمود صوالحة "أبو أيهم" (54 عاما) بمدرسة دار الأيتام في القدس، ليتعلم حرفة تفيده في المستقبل، دون أن يخطط لأن يصبح صانعا محترفا في مجال الخيزران.
فبعد أن أتمّ أبو أيهم سنوات دراسته الأكاديمية، عينته المدرسة أستاذا في تعليم الحرفة، وبعد عدة سنوات ومع إحالته إلى التقاعد، توجه للعمل الخاص فأسس مشغلا صغيرا في قريته اللبن الشرقي قرب نابلس، فينتج قطع الأثاث المختلفة من غرف نوم وصالونات ومقاعد للجلسات الخارجية، إضافة إلى أسرة الأطفال بروح الإتقان والإبداع.
محمود صوالحة يستورد أعواد الخيزران من استراليا ودول شرق آسيا ذات المناخ الحار والرطب، والتي تتوافر فيها دون غيرها أفضل أنواع الخيزران، وعند سؤاله عن أبرز ميزات هذه الأعواد التي تؤهلها لتكون مناسبة لإنتاج الأثاث يقول: "أعواد الخيزران قوية جداً، ومتينة وفي غاية المرونة والطواعية، إضافة إلى أنها تتحمل جميع الظروف الجوّية من برد وحر، كما أن أثاث الخيزران يدوم مدة عشر سنوات".
تبدأ عملية الإنتاج بتقطيع أعواد الخيزران، إلى الطول المناسب للقطعة المراد إنتاجها، ثم تأتي مرحلة تطويع الأعواد وثنيها بالشكل الملائم للعمل، باستخدام غاز الأكسجين وأداة معدنية لتشكيل الأعواد، وهي عملية تحتاج إلى جهد عضلي كبير لإنجازها، كما يؤكد صوالحة.
وبعد اكتمال القطع المطلوبة والتي تكون من خشب الخيزران الغليظ وتسمى الكاملان، يجمعها أبو أيهم معا بواسطة أحبال الامويل الرفيع المستخرجة من نفس الخيزران بعد نقعها في المياه لضمان طواعيتها، مشكلا من الخيوط الرفيعة أشكالاً وزخارف تزيد القطع جمالاً على جمالها، وختاما بلمسة من دهانٍ لامع ليعطيها بريقا ويحميها من الظروف البيئية المحيطة لتعيش عمرا أطول.
ويؤكد أبو أيهم على حبه لحرفة الخيزران، ويضيف: "أتمنى أن يتعلم أشخاص آخرون نفس الحرفة، ليس فقط لأنني أحبها بل لجمال العمل فيها، وإعجاب كل من يرى منتجاتها، خاصة أن عدد الحرفيين في مجال الخيزران قليل جداً في الضفة الغربية، مما يدخل هذه الحرفة في تحدٍ ومنافسة مع الإنتاج التجاري المستورد".
محمد مناصرة تاجر الأثاث الذي يمتلك متجرا في رام الله؛ يؤكد أن أثاث الخيزران المستورد لم يحظ بثقة المستهلك الفلسطيني رغم سعره المنافس. ويقول: "يتوجه الناس عادة إلى شراء الخيزران المنتج محليا، اقتناعا منهم بأصالته ومتانته، خاصة مع قلة الاعتماد على الآلات في إنتاجه والتركيز على العمل اليدوي".
يدويا كان أم تجارياً ليس الأساس، وإنما أصالة الصنع وجمال قطع أثاث الخيزران تبقى زينة بيوت مستخدميه.