صور- فلسطين.. من ملوك الفخار إلى الملك!
جميل ضبابات
في صباه وصف فاخر جمال الفاخوري، بأنه أفضل صانع فخار في المنطقة... والآن يمكن القول ببساطة، إن الرجل هو: الملك الوحيد في المنطقة.
وحيدا، في قبو يقع شمال الضفة الغربية، يشتغل الفاخوري في مهنة عرفت حتى قبل بدء التدوين البشري النمطي في المنطقة، في صناعة محدودة الآن في الأراضي الفلسطينية.
لكنها لم تنقطع منذ تدشينها قبل آلاف السنين.
جالسا وراء دولاب يعمل بالطاقة الكهربائية، قال الرجل وهو سليل عائلة بدأت بهذه المهنة قبل نحو 400 عام على الأقل ' اشتغل الأب هنا، والجد، وجد الجد(...) والأجداد'. وبوجه يحمل سمات ملامح سينمائية هادئة يروي كيف بدأ العمل منذ أربعة عقود عندما كان طفلا غضا.
مثله مثل والده وجده، الكل لاعب التراب المعجون بين يديه بخفة.
في شمال الضفة الغربية، ليس ثمة غير آل الفاخوري الذين حملوا اسم الصناعة التي امتهنوها يعملون في صناعة الفخار الآن، وفي الأراضي الفلسطينية ثمة بؤرتين لصناعة الفخار، في الخليل ، وفي غزة على نطاق أوسع.
ولأن الحاجة أم الاختراع، مازال اختراع أشكال جديدة من الفخار شغل الفاخوي الشاغل، رغم أن الحاجة تبدلت عند سكان المنطقة والزائرين.
لذلك لا حاجة الآن لسراج من فخار للإضاءة يعمل بالزيت، لكنها الحاجة له فقط للزينة.
وعلى رفوف بدائية يضع آل الفاخوري نماذج من صناعة الصلصال. وقال، انه' يعمل نحو 10 ساعات يوميا وأحيانا أكثر'.
جالسا خلف دولاب يعمل بالطاقة الكهربائية، يقول الرجل، بأنه يعيد صياغة التاريخ باستنساخ الأشكال الفخارية ذاتها التي صنعت قبل آلاف السنين.
يهز والده محمد الفاخوري رأسه موافقا.
ويعتبر الفخار واحدا من مراجع التاريخ والتأريخ المهمة.
وتعود أقدم النماذج الفخارية التي عثر عليها في ارض كنعان إلى آلاف السنين. ويمكن لأي زائر لأي بقعة أثرية في ارض فلسطين أن يتناول بين يديه حفنة من بقايا التاريخ البشري.
انه الصلصال الذي صنعه الأجداد الكنعانيون.
أو الغزاة الذين استعمروا البلاد.
وقد اقتصر امتلاك الفخار في حقب قديمة على الملوك وكبار رجال الدولة، لكن الفاخوري يتيحه الآن للكل. من ملوك كنعان الأوائل إلى فلسطينيي اليوم ثمة آلاف السنوات.
وثمة أشكال مختلفة من الفخار موجودة لدى بعض المتاحف تشير إلى حقب زمنية غابرة.
ذاته الفاخوري يصنع أشكال مختلفة من صلصال معجون بعناية.
وتعرف عائلة الفاخوري التي وصلت إلى قرية جبع قرب مدينة جنين، بصنع الفخار، ويعتقد أنها قدمت قبل مئات السنين من سيناء وجلبت فكره الصناعة معها.
لذلك لم يعرف لا جمال ولا والده مهنة غير هذه المهنة.
ويبدو أبناء جمال وهم أطفال يسيرون على خطى الأجداد، إذ يقول الأب انه يعلمهم المهنة منذ اليوم.
أو أنها المهنة بالوراثة.
وهي المهنة التي تحتاج من أربابها مهارة وخف يد ونفس مكتوم يساعد على ثبات الأصابع التي تدور داخلها العجيبة لتتشكل.
لكن بعد ثلاثة عقود من العمل في نفس المكان، يقول الفاخوري انه يستطيع العمل بعينين مغمضتين.
ويمكن أن يستخدم صانع الفخار حدسه من ناحية، وأصابعه من ناحية أخرى لرؤية العجين يتشكل بين يديه، وفي الوقت ذاته يتلفت إلى الزوار دون أن يرف له جفن.
'أمر بسيط لكنه يحتاج إلى سنين من التعليم' قال.
ممسكا بلطف بحواف جرن صغير غير متشكل قال الرجل' انتظر. سترى بقلولة لبن جميلة بعد قليل.. وبأذنين'.
والذي كان للتو عجين خام تحول فوق الدولاب وبين يدي الرجل إلى بقلولة وهي وعاء اعتاد الفلسطينيون على حفظ اللبن فيه قديما..' هذه بقلوله. وعندما تجف قليلا سأضع الأذنين. صغيرتان جميلتان ها.ها.ها' قال الرجل.
وقبل أن يخرج الفخار على النحو الذي يباع فيه ويسوق، يخضع لعملية تخمير تستمر لمدة عام. ذاتهم آل الفاخوري يحضرون التراب من جوار البلدة.
في ركن قريب داخل القبو يظهر كوم تراب معجون وخاضع للتخمير.
وكلما أراد قليلا منه تناول الفاخوي قطعا لدنه ووضعها مرة أخرى في عاجنة أوتوماتيكية. جمال ملك الفخار، ويقول' أنا ملك نفسي، لست بحاجة إلى تصريح للعمل في إسرائيل ولا إلى موافقة مشغلين يعدون علي ساعات النهار'.
انه فقط بحاجة إلى يدين ماهرتين ونفس عميق لصناعة أوان مختلفة من الفخار.
جالسا حول الدولاب يمكن أن يحافظ الملك على عرشه.. ويمكن أن يحافظ على نفس شكل البقلولة التي صنعت قبل آلاف السنين من تراب الأرض المقدسة.
يا له من عمل دقيق؛ صناعة التاريخ باليدين وليس كتابته.https://www.facebook.com/media/set/?set=a.742794225749373.1073742861.307190499309750&type=3&uploaded=11