مهرجان الجذور.. حفاظ على الهوية الفلسطينية
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
تُمسك المُسنة حمدية أبو عمرة بقطعٍ صغيرة من القماش والصوف بيديها وقدميها، وتغزل بعضًا من البُسط والسجاد، كما تعلمت من أبائها وأجدادها، ويجلس من حولها العديد من الزائرين لمعرض الجذور العشرين، يشاهدون ما تُحيكه المُسنة بيديها وقدميها بإتقان عالي.
وجلبت المُسنة أبو عمرة بعضًا من البُسط والسجاد الذي حاكته بيدها في بيتها وعرضته للمشاهدة والبيع، وتستعين بصوف الغنم لتوفير بعض الخيوط التي تحولها عبر عصًا صغيرة بعد التخفيف بطريقة معينة، لخيوط تُستخدم بجانب كرات الصوف لحياكة البُسط والسجاد.
مهن متوارثة..
وتقول أبو عمرة لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "تعلمت هذه الحرفة من أهلي مُنذ الصغر، ومازلت أمارسها وأنا أجلس بالبيت يوميًا، وأعرض بعض القطع التي أنجزها للبيع، وجئت اليوم لأمارس هذه الحرفة أمام الزائرين للمهرجان لكي يتعرفوا عليها وعلى طبيعة العمل بها".
وبجوار أبو عمرة، يجلس الفواخرجي مصطفى عطا الله, بجانب أدواته البسيطة من دولاب دوار وبعض الطين المعجون بالمياه ليصنع أمام الحاضرين عدد من الأواني الفخارية, إحياء للتراث الفلسطيني, متناوبا في الصناعة مع طفله الذي لم يتجاوز العشرة أعوام.
ويبين عطا الله أن الأواني التي كان آباؤنا وأجدادنا يستخدموها في القدم كلها كانت مصنوعة من الفخار ولم تكن الأواني البلاستيكية والمعدنية موجودة, مشيرا إلى أن صناعة الفخار هي مهنة الأنبياء حيث كانت مهنة سيدنا نوح عليه السلام.
ومن بين الأواني التي صنعها الفواخرجي ونجله، "إبريق صغير, متكة, مزهرية, شمعدانة, فنجان قهوة, صحون, حصالة, وأغطية قلة, وعرضها على طاولة صغيرة، وبدا أن الجمهور معجبًا ومندهشًا من أداء الطفل ووالده، وما أنجزوه.
أما فاتن حرب والمتجولة بالمعرض، تُبدي إعجابها بالمهرجان وتقول لـ "وكالة قدس نت للأنباء" : "ما يحتويه المهرجان من حرف ومهن ومقتنيات ومشغولات يدوية، بكل تأكيد يعكس ماضينا العريق، والتي تعتبر لبنة مهمة في بناء مستقبلنا المعبق برائحة الماضي بإذن الله".
وتُشيد حرب "بكل من ساهم بالمشاركة في المهرجان، خاصة المؤسسات والهيئات وأصحاب المهن والحرف القديمة، الذين جاءوا بأنفسهم حاملين معداتهم وأدواتهم لعرضها أمام ناظر الحاضرين، كي يتعرفوا عليها، بجانب سماعهم لتجربة كل واحد فيهم بمهنة مُنذ الصغر".
وتشدد على أهمية زيادة هذا النوع من المهرجانات، لما له من مردود إيجابي وتغذية لأذهان الأجيال المتاعقبة بماضيهم وتراثهم وحضارتهم وهويتهم، في ظل عصر العولمة الذي نعيش به، ومحاولات الاحتلال طمس هويتنا وتغييب عقول أجيالنا عن حقوقه خاصة حق العودة.
فقرات ومحتويات المهرجان..
ونظمت جمعية الثقافة والفكر الحر بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة اليوم الأربعاء، مهرجان الجذور التراثي بنسخته العشرين تحت شعار "باقون ما بقى الزعتر والزيتون"، وشهد المهرجان الذي يستمر ليومين، حضورًا لافت من مختلف الفئات.
وتخلل المهرجان عروضًا حية لعادات وتقاليد تراثية في مختلف نواحي الحياة، وشارك أطفال إلى جانب الكبار بإحياء تراث أجدادهم ما بين ممارستهم لمهن وحرف أجدادهم التراثية، كما تخلل المعرض العديد من الفقرات، بدأت بدبكة شعبية للكبار وسط أناشيد تراثية، وتلاها فقرة دبكة أداها عدد من الأطفال.
ويضم المهرجان زوايا عديدة تحاكي التراث الفلسطيني القديم، وبعض الأدوات التراثية الحديثة التي صممت وأعدت على شاكلة القديمة، فجدران المعرض تزينت بصورة تراثية قديمة، تعكس الحياة التي عاشها أجدادنا، وأقيمت العديد من الغرف التي تحتوي على مواد تراثية استخدمت قديمًا.
ومن بين زوايا المعرض "زوايا تضم أوان فخارية قديمة، وبعضها معد حديثا، وجزء يضم كافة محتويات محل العطارة من أعشاب وزيوت وكريمات وبهارات، وجزء آخر يضم ملابس قديمة كانت ترتديها النساء والرجال، وبعض أدوت الفلاح، وزوايا أخرى تشمل المأكولات الشهيرة كالمفتول، وخبز الصاج، والمعجنات".
هدف المعرض..
وتبين أمين صندوق مجلس إدارة الجمعية صباح السراج لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "من واجبنا أفرادًا ومؤسسات أن نساهم في تعريف هذا الجيل بحياة أجدادهم وآبائهم التراثية، ليبقوا على تواصل مع ذاك التراث ويعتزوا به، ويحافظوا عليه دون أن تغلبهم تحديات العولمة، وتفقدهم صلتهم بجذورهم الأصيلة، فالتراث هويتهم وحضارتهم".
وتلفت السراج إلى أن نشر الثقافة والعادات والموروثات والأطباق التقليدية الفلسطينية والمهن التراثية، قطعت الطريق أمام العدو الإسرائيلي في محاولته المتكررة لسلب هذه الموروثات، مضيفة "إن إحياء التراث جزء مهم من نضالنا ضد الاحتلال فهو هوية حقيقية لنا، لذلك من واجبنا حمايته والدفاع عنه وإعادة إحياءه
وتوضح إلى أن هذا المهرجان تشارك به العديد من المؤسسات النسوية في قطاع غزة، والتي بدورها تقدم فنون ومهارات العاملات بها، وتقدم مقتنيات أثرية، ومشغولات ومأكولات شعبية وقديمة، المأكولات "المفتول، خبز الصاج، البسارة، السماقية، الرومانية"، المشغولات "التطريز، الغزل..".
وتضيف السراج "بالإضافة لعرض حرف قديمة، مثل الحلاقة وجلب حلاقين قدامى، العطارة، الغزل، الخياطة، السكافي وهو خياط الأحذية وصانعها.."، معبرة عن أمنيتها بنجاح هذا المهرجان وان يوصل الرسالة المنشودة وهي إبقاء تراثنا وحضارتنا القديمة حية بأذهان من لم يعايشوها حتى لا يفرطوا بحقوقنا، خاصة حق العودة.