إسرائيل تهدم الأحلام
جميل ضبابات
أمضى جمال المساعيد أكثر من عقد في إعادة الحياة لأرضه؛ زرعها بالزيتون، وأقام حولها السلاسل الحجرية، لكن أمرا عسكريا إسرائيليا أطاح بكل أحلامه خلال ساعتين.
الغور المحاط بسلسة جبال صخرية فارغة نسبيا من التواجد الفلسطيني، أيضا تطوقه المستعمرات ونقاط الجيش، لكن مساعيد أقام على واحد من سفوح الجبال مزرعته.
قال مساعيد 'بدأت العمل من عشر سنوات هنا. زرعت الزيتون وفتحت الطرق للوصول إليها'. وصباح اليوم، هدم الجيش الإسرائيلي خزانات مياه لمساعيد، وهدم مساكن أخرى في مناطق متفرقة من الغور.
نفسه المساعيد وبعض أقاربه كانوا شهودا على عملية الهدم. وعملت جرافات يستأجرها الجيش عادة لهدم مساكن الفلسطينيين على ردم خزانات مياه حفرت في الصخر كان يعدها المساعيد لري أجيال مختلفة من أشجار الزيتون.
واقفا على تلة صخرية يراقب الجرافات التي تضع الردم فوق الخزانات، قال الرجل 'منذ الصباح يهدمون، عمل سنوات يهدم خلال ساعتين'. وقال سكان المنطقة إن الجيش بدأ في الهدم عند الساعة السابعة والنصف صباحا.
لكن سكانا آخرين قالوا إنه بدأ بهدم مساكن في مناطق رعوية قبل شروق الشمس.
وتمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين من البناء والتعمير في مناطق الأغوار، التي تقع معظمها في منطقة (ج) حسب اتفاقيات أوسلو. ولا يملك الفلسطينيون سلطات واسعة في تلك المنطقة التي تعتبر مسرحا لعمليات تدريب الجيش الإسرائيلي.
قال جمال فيما كان يراقب قوات مؤللة من الجيش تحاول منع أي أحد من الاقتراب من الجرافات التي تواصل عملية الهدم 'لا يريدون رؤية أحد هنا. يريدون تفريغ المنطقة. يردد المعنى ذاته سكان آخرون يعيشون في مناطق مجاورة من المنطقة التي هدمت فيها الخزانات، وتقع على بعد أمتار من قرية العقبة التي تطل على أخاديد الغور.
وخلال العام الجاري، هدمت قوات الاحتلال عشرات المساكن على امتداد الشريط الشرقي. وجاء الهدم في منطقة الغور الشمالي بعد أقل من 24 ساعة على هدم مساكن لبعض الرعاة في منطقة العوجا القريبة من مدينة أريحا.
وتقول تقارير رسمية فلسطينية إن عمليات الهدم شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الفائتة. وتظهر في مناطق متفرقة من الغور مناطق أفرغت من سكانها وحولت إلى منطقة عسكرية مغلقة. والقرارات العسكرية الإسرائيلية بترحيل السكان من مناطق سكناهم غالبا ما تغطى بقرارات قضائية صادرة عن محاكم إسرائيلية.
وقال عارف دراغمة رئيس مجلس وادي المالح والمضارب الرعوية في المنطقة، إن المحاكم الإسرائيلية رفضت مؤخرا التماسات تقدم بها السكان الذين تلقوا إخطارات عسكرية بهدم مساكنهم.
نفسه المساعيد تلقى إخطارات بوقف العمل في حفر الخزانات. وقال الرجل 'جاؤوا إلى هنا قبل خمسة أو ستة أشهر وأخطروني بوقف العمل'.
وأضاف 'دائما يتحججون بأن العمل يجري في منطقة (ج)..(...) أنا لا اعرف جيم من ميم. هذه أرضي أريد العمل فيها'. وتفرض القوات الإسرائيلية قيودا صارمة جدا على تحرك الفلسطينيين في هذه المنطقة بحجة أنها مناطق عسكرية.
لذلك لا يمكن للفلسطينيين التنقل بتاتا في مناطق محددة تم الإشارة لها على أنها منطقة إطلاق نار. وتجري عمليات ترحيل مستمرة لرعاة من مساكنهم لأيام محددة بحجة إجراء تدريبات عسكرية في المناطق.
في أرض المساعيد ذاتها تجري عادة التدريبات العسكرية. وفي محيط الأرض التي قلبت الجرافات وجهها تظهر معسكرات للجيش الإسرائيلي تجري داخلها عمليات 'تأهيل' للجنود الذين دخلوا الخدمة حديثا.
أشار رجل كان يتابع عمليات الردم والتجريف، إلى أن الجيش قتل قبل يومين بقرة كانت ترعى في المحيط. وقال، 'يريدون تطهير المنطقة من كل شيء. لماذا قتلوا البقرة؟'. وقال دراغمة، إن أسهل طريقة لطرد السكان من أراضيهم هي هدم مساكنهم.
وليس في مناطق غير بعض القرى الزراعية أي مسكن خرساني. ويبنى السكان منازل هشة تكون عرضة للاقتلاع إما بسبب الرياح القوية، وإما بسبب جرافات الاحتلال. وقال دراغمة 'هناك نحو 200 إخطار بالهدم في المنطقة. ربما يأتون قريبا ويهدمونها'.
ويسرى شعور عميق بالأسى في المنطقة. نفسه مساعيد، الذي يرى حلمه يهدم أمام عينيه يضحك، فقد أحضر في الصباح جرافة للعمل على تسوية أرض جديدة لزراعتها، لكن الجيش الإسرائيلي جاء بجرافتين للهدم.
من بعيد تظهر الجرافات الثلاث تعمل، واحدة لتسوية الأرض، واثتنان لتخريبها.