اعتقال وتعذيب العائلة للضغط على الأسير.. معاناة مزدوجة وصمود أصعب
ديمة اللبابيدي
قد يحتمل المعتقل في السجون الإسرائيلية التعذيب النفسي والجسدي ولا يعترف أمام قسوة الاحتلال، وقد سطر المعتقلون سطور مشرقة في ذلك، إلا أن الأمر يختلف عندما يتم استدعاء أم وأب وأخ وأخت وربما أبناء المعتقل للتحقيق وربما يتعرضون للتعذيب في محاولة من الاحتلال للضغط على المعتقل، فيتعرف.
"اعتقلوا 6 من العائلة للضغط على ابني الذي لم يجتمع مع إخوته في بيت واحد منذ 1993"
المعتقل الضرير "عبادة بلال يونس" من نابلس في الضفة المحتلة، تعرض لهذا الأسلوب، كما روت والدته، والتي تقول: "قبل انتهاء فترة محكومية ابني بعد انتهاء 8 سنوات من أصل 10، عادت وحكمته من جديد ل15 عام بعد استدعاء أفراد عائلته، فقد اعتقلوا زوجته وأخويه وابن أخيه، بالإضافة إلى اثنين من أبنائي المحكومين بالمؤبدات أصلا، كما تعرض لتهديد باستدعاء والدته وأخته وحماته".
وتوضح السيدة "أم عبادة" أنها تعرضت لمعاملة مهينة، حيث تم ربطها بكرسي لحوالي 8 ساعات، وكانت تصرخ من الألم لأنها مريضة بالقلب بينما يسمع ابنها صراخها دون علمها بذلك، وقد أدى هذا الضغط النفسي عليه لأن يعترف بأمور جددت اعتقاله لسنوات أخرى حتى يفرجوا عن والدته. وأضافت أنها لم تتعرض للتعذيب الجسدي، بخلاف زوجته وإخوته، الذين تم اعتقال آخرهم ليلة العيد. وتختم السيدة "أم عبادة" حديثها بمرارة مبينة أنه منذ عام 1993 لم يجتمع أبناءها في بيت واحد بسبب الاعتقال.
من جهتها قالت السيدة "نيللي" زوجة المعتقل الضرير أنها اعتقلت لـ20 شهراً بتهمة مرتبطة بزوجها كوسيلة للضغط عليه، حيث تم تعذيبها على مسمع من زوجها دون علمها. وأضافت أنها كانت تسمع صوته خلال تعذيبهم له أيضاً، وكان التحقيق مركز على ضرورة الإدلاء بأي معلومات تعرفها عن زوجها. وعن سؤال لها حول رفع دعوى قضائية ضد مصلحة السجون لاستدعاء عائلته، أوضحت أنهم لم يرفعوا دعوى بذلك، إلا أنهم فكروا برفع دعوى بسبب الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء التحقيق.
"الضغط باستخدام العائلة من أسوأ الأساليب.. وسبل مواجهته ليست مستحيلة"
أما عن الناحية النفسية في الموضوع، فقد تحدث د. "خضر عباس"، الخبير في المجال الأمني والنفسي، عن أن اعتقال ذوي الأسير هدفه الضغط النفسي عليه حتى يعترف، وهو أسلوب يستخدم بعد تجربة أساليب متعددة في التحقيق لا تؤتي ثمارها، وقد اعتقد المحققون في حالة "عبادة" أنهم سيكسروا نفسيته خاصة عندما تم استدعاء والدته.
وذكر د. "عباس" أن هناك حالات داخل الأسر سجل فيها المعتقلون صموداً بطولياً إلا أنه لحظة استدعاء والدتهم أو زوجتهم انهاروا تماماً. وحول هذه النقطة يضيف الخبير في المجال النفسي والأمني أن على الأهل في هذه الحالة أن يتحفظوا برباطة جأشهم وأن يتوقعوا الضغط عليهم لكسر ابنهم، وهذا يعطيهم قوة أمام المحقق، بحيث أن الأم مثلا عندما يتم استدعاءها تكرر أن ابنها مظلوم وتبث له مشاعر القوة الإيمانية والوطنية.
وفي مقابل الضغط النفسي، فهناك معتقلون تمكنوا من مواجهة هذا الأسلوب بشكل رائع، مثل المعتقل "يوسف صليح" الذي أنكر أنه يعرف زوجته وأبناءه عندما تم استدعائهم للتحقيق أمامه، وهو بهذه الطريقة كسر كل الحواجز التي استخدمها المحقق. أما عن عوامل الصمود أمام هذا الأسلوب، فلخصها "عباس" بثلاثة أمور، أولها القوة الإيمانية التي تعلقه بالله وكل ألم أمامه ثواب، وثانيها القوة الوطنية التي تذكره بمبادئه وأهدافه السامية من وراء اعتقاله، وثالثها هو الوعي الأمني. وهذه هي الجوانب الثلاثة التي يركز عليها المحقق لتدميره بالكامل من خلال تشكيك المعتقل بمبادئه ووطنه، ومحاولة التصوير له أنه يتعرض للتعذيب من أجل "لا شيء".
"المحاكم الإسرائيلية تستخدم كل الأساليب في التحقييق.. والحل في القانون الدولي"
وحول الجانب القانوني في هذا الموضوع، أوضحت الحقوقية "سحر فرنسيس" مديرة مركز الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأسر التي تم استدعاءها مؤكدة في الوقت ذاته تكرر هذا الأسلوب وتعرض العديد من الأهالي لتعذيب جسدي ونفسي للضغط على ابنهم. وقالت أن المحكمة الإسرائيلية ليست مضطرة للاستناد إلى أي قانون لاستدعاء عائلة المعتقل لأنها تعتبر أن كل الأساليب مباحة في التحقيق. في المقابل فإن هناك آلية لمواجهة هذا الأسلوب من خلال التوجه للقضاء والإعلام من قبل الأسرة التي تتعرض للتعذيب ورفع قضايا بالانتهاكات التي تتعرض لها أثناء التحقيق. وشددت السيدة "فرنسيس" أن بإمكان أي شخص يتعرض للتعذيب في هذه الحالة أن يرفع دعوى بذلك، شرط الإثبات أنه ليس هناك علاقة بالمعتقل، ورغم صعوبة مواجهة المحاكم الإسرائيلية التي تبرر كل سبل التحقيق فإن القانون الدولي ينصف الفلسطينيين إذا تحركوا بقوة لأنه التعذيب مرفوض في غالبية القوانين الإنسانية، وهذا يتحقق بتوثيق مثل هذه الحالات والتوجه بها لجهات مختلفة قانونية وحقوقية.
وبعد أيام وشهور طويلة من التعذيب والتحقيق التي يتعرض لها المعتقلون في السجون الإسرائيلية، والتي تستنزف طاقاتهم الجسدية والعقلية والعاطفية، تبدأ المعاناة من جديد عندما يتم استدعاء أفراد العائلة وتعذيبهم لإجبارهم على الاعتراف، فتبدو المعادلة واضحة "التحدي أو الاستسلام"، وكلاهما صعب.