في سوق الحمير..
جميل ضبابات
قبل وصول نحو 20 حمارا إلى المنطقة، كان مفترق طرق جبع هادئا. بعد الفجر يمكن للعمال أن ينتظروا سيارات النقل.. لكن قبل طلوع الشمس بقليل تتحول المنطقة إلى سوق فريدة في الضفة الغربية.
إنها سوق الحمير على بعد عدة كيلومترات جنوب مدينة جنين بالضفة الغربية.
وعبر شبكة طرق تلتقي كلها هنا، يمكن أن تجلب الحمير، إما في جرارات صغيرة من قرى بعيدة، أو سوقا من مناطق قريبة، قبل أن تجمع و'تقرن' وتربط كلها عند جذوع الأشجار أو إلى قطع حديد ومركبات آيلة للتشطيب.
وأثناء البحث عن وسيلة مواصلات هنا، يمكن أن تظهر الوسيلة القديمة؛ الحيوان الدؤوب يسير ببطء وتثاقل، لكن هذه المرة ليس نحو الحقل، بل إلى العرض.
فإما أن يباع، أو يجري استبداله بآخر. لقد ظهر من بعيد ثلاثة حمير.
وقال سليم أبو الوفا وهو رجل في بداية السبعينات من عمره واعتاد منذ عقدين من الزمن على ارتياد السوق انه جلب الحمير الثلاثة للبيع.
ويحجم كثيرون من رواد السوق عن الحديث. ولغير سبب واضح، يقود رواد السوق الحمير بعيدا عن عدسات الكاميرات. وتعقد سوق الحمير أيام الثلاثاء من كل أسبوع، وتجري عمليات بيع وشراء وتبديل.
وقد يبدو الأمر بالنسبة للمرتادين سوقا خاصة وفريدة.
انه مكان عادي على مفرق طرق مزدحم تساق إليه الحمير، الدواب التي تساعد بعض الفلاحين الفلسطينيين إما على التنقل داخل حقول الزيتون، أو حراثة الأرض الوعرة التي لا تصلها الجرارات الحديثة.
بالنسبة لـ أبو الوفا، السوق راكدة هذه الأيام، ويقول الرجل إن تأخر سقوط الأمطار سبب رئيس لركود حركة البيع والشراء. وطيلة ساعتين لم يبع الرجل حمارا واحدا.
وقال 'جئت الأسبوع الماضي إلى هنا لأبيع الحمير ذاتها'.
ويدور بين الباعة والمشترين نقاشا متواصلا حول الأسعار. وأحيانا يتخلله التندر والفكاهة والضحك المسترسل. وقال أبو الوفا ' هذه حمير بلدية. بعضها جيد وبعضها ضعيف. كل شيء بثمنه'. ويظهر عدد البائعين أكثر من المشترين. وقال أبو الوفا' الحركة في السوق تختلف من أسبوع إلى آخر'.
وقال بعض رواد السوق، إن الحركة غالبا ما تنشط في موسم قطف الزيتون، وبعد هطول الأمطار، إذ تضطر عائلات كثيرة لشراء الحمير لاستخدامها في حراثة و'تثليم' الأرض.
والحمير جزء من العملية الزراعية التاريخية في الشرق بشكل عام.
وقبل سنوات سعت منظمات غربية إلى تجنيب الحمير الاشتباكات المسلحة التي اندلعت عشية انتفاضة الأقصى بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال. كما سعت منظمات دولية وفلسطينية إلى التقليل من معاناة الحمير أثناء العمل في الحقل.
وفي بلد فيه من التعقيدات السياسية والأمنية ما يكفي لشغل العالم كله، يضحك الفلسطينيون غالبا عندما يلاحق مصورون صحافيون حمارا أزاح وجهه عن عدسة الكاميرا أثناء التصوير.
قال أبو الوفا' إن الأمر مضحك. مضحك كثيرا. لماذا كل هذا الاهتمام بالحمير؟'.ويضحك باعة حمير آخرون.
فالحمير تبدو نسبيا موضع احتقار في الشرق الأوسط.
والسوق هنا واحدة من أسواق دواب ومواشٍ أسبوعية في الضفة الغربية ما زالت تحافظ على طريقة البيع والشراء ذاتها منذ عقود طويلة. وتعرض المواشي والدواب في ساعات الصباح الباكر، ويستمر العرض لساعات قليلة محدودة قبل أن ينفضّ الباعة والمشترون.
ومن الصعب العثور على رقم محدد لعدد الحمير في الأراضي الفلسطينية عبر استخدام محركات البحث على الشبكة العنكبوتية. ويبدو ما كتب عن الحمير قليل جدا.
قادمين من أحدى قرى جنين، قال شابان، إنهما جلبا حمارا للبيع بعد أن أصبح عبئا على العائلة. ونقل الشابان اللذان أحجما عن ذكر أسمائهما الحمار بواسطة عربة صغيرة يجرها جرار زراعي.
وأمكن مشاهدة فتية يجلبون حميرا للبيع. قال احدهم، إنه جاء من القرية المجاورة لبيع الحمارة.' يكفي حمارتين. لا حاجة لنا بأكثر منهما'. وكانت عائلة باسل بلال اشترت الحمارة منذ أربعة أشهر واستخدمتها في موسم قطف الزيتون.
' سأبيعها بـ 60 دينارا.أو أكثر. قال الفتى.
وأسعار الحمير في السوق مسألة معقدة أخرى، فالأسعار تتراوح بين 40 دينارا وبين 600 دينار. بالنسبة لـ أبو الوفا ' ليست كلها حمير متشابهة. هناك حمير أغلى من أخرى'. وبين الحمير التي جاء بها الرجل للبيع في السوق واحدا متفوقا. انه أكثر قوة وعلوا وهدوءا.
ووسط خوف من بداية فصل شتاء جاف تظهر أيضا مخاوف لحظية عند الباعة من عدم قدرتهم على بيع دوابهم خلال اليوم. مضت ساعتين ولم تظهر أي عملية بيع وشراء حقيقة كاملة. كان الأمر يبدو كله عملية تفصيل وسرد لمحاسن الحمير وقدرتها على التحمل والعمل بهدوء.
أو قد يبدو مكانا للتندر للمارة أثناء ملاحقة عدسات المصورين للحمير.