وداعا رافع الناصري
لم يكن " رافع الناصري " الذي رحل صبيحة السبت الماضي عن عالمنا، في العاصمة الاردنية عمان، فنانا تشكيليا عراقيا فحسب بل وعالميا على نحو ما اضاف لفن الحفريات على الخشب / الغرافيك وهو يأخذه الى تقنيات جديدة في الصناعة والتعبير، وخاصة في اللون وطبيعته وحيث اكتشف مادة الاكريليك يستخدمها بدلا من الالوان الزيتية، وينسب له ايضا اكتشافه لجماليات الحرف العربي الذي جعل منه لوحات في غاية الحسن والمعنى ، ويوصف رافع الناصري كذلك بانه رسام المشاهد الكونية حيث الاقمار المجرحة، والفضاءات المفعمة بأسئلة اللون وقلقه وتطلعاته الجمالية معا .
لرافع الناصري في بيتي لوحتان من اعماله الغرافيكية نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، لوحتان دونما نسخ اخرى، ما يجعلهما فريدتين كنت اقتنيتهما منه مباشرة ، فقد كنت مع صديقي زهير رضوان وهوشقيق فناننا التشكيلي المعروف حسني رضوان الذي هو احد تلاميذ رافع الناصري ، كنا دائمي الزيارة لمحترف " رافع " في دارة الاورفلي الثقافية في حي المنصور ببغداد وهو ما جعلنا انا وزهير من اصدقاء " الناصري " الذي كان يستقبلنا في كل مرة بمنتهى الود واللطف والبساطة والحميمية، عدا طبعا عن اننا كنا من المعجبين باعماله الفنية، وفي اطار هذه الصداقة تعرفنا على الانسان الطيب والودود والمعرفي على نحو مدهش الذي كان عليه رافع الناصري، وبحكم فلسطينيتنا تقرب الناصري منا كثيرا في حوارات السياسة وشؤونها، ولم يكن متطرفا في اي من طروحاته او وجهات نظره، وكان محبا لفلسطين برؤية جمالية لمعنى القضية الفلسطينية ودورهذا المعنى في تشكيل الذائقة الجمالية لقضايا الحرية والتحرر، ولأن الثقافة في شرطها الانساني كما كان يقول اساس الرؤية الصائبة والمعرفة الحرة.
لن يدخل " رافع الناصري " العام الجديد المقبل برحيله المادي عن هذا العالم، لكنه بالقطع دخل التاريخ ولن يغادره وهو الذي اعطى للكثير من نصوصه واحداثه، قيمة اللون وحكايته الجمالية المحرضة على الحرية والراسمة لدروبها بالحفر والتشكيل .
وداعا يا صانع الجماليات الرفيعة ، ايها الحفار الوديع ، يا زارع اللون في حقول الاحلام العظيمة ... وداعا رافع الناصري .
المحرر الثقافي