في مهب رياح الموت...
جميل ضبابات
من بين الركام، ظهرت ثلاث طفلات، مشدوهات.. للتو أنهت قوة عسكرية هدم مسكن العائلة بغياب الأم والأب، فاضطرت الطفلات للتفاهم ببساطة مع الجيش المحتل. ماذا تريدون؟! سألت ليالي وهي الكبرى والتي لم تتجاوز العشر سنوات من عمرها ضابط الجيش، الذي رد بأنهم جاءوا لهدم المسكن.
وفي غضون نصف ساعة كانت الجرافات قد أطاحت بخيام هشة من المفترض أنها الملجأ الوحيد الآن للعائلة المكونة من 12 نفرا في مواجهة طقس استثنائي عاصف يؤثر على الشرق الأوسط.
كانت الطفلات الثلاث وحيدات عند طرف الوادي، بعد أن أنهى الجيش هدم المسكن، فقد غادر الأب والأم منذ الصباح إلى البلدة المجاورة طوباس، لكن تلك الوحدة لم تشفع للطفلات أمام القوة العسكرية لوقف الهدم.
'كنا داخل الخربوش... رأينا الجيش يحيط بنا وقال اخرجوا... خرجنا وهدموا بيتنا... هدموا بيتنا وراحوا من هنا... وعلى امتداد منطقة غور الأردن هدمت قوات الاحتلال اليوم مساكن للرعاة وتركت العديد من العائلات في العراء.
ذاتها ليالي قادت شقيقتاها وجلست فوق الركام، كان الجو مشحونا بريح متقلبة وسحب رمادية، قالت ليالي وهي تساعد شقيقتها الصغرى سيرين إنهن' لا يعرفن إلى أين يذهب. قد يفيض الوادي فجأة'.
ولم تكن أي منظمة إغاثية دولية في المكان، قالت البنات الثلاث إنهن سيعدن بناء المسكن، لكن تلك مهمة تبدو أكبر من قدرة حتى الرجال. في ثلاث مناطق على الأقل قريبة من نبع عين الحلوة التي تسكن فيها عائلة زامل ظهرت جرافات مصحوبة بالجيش تهدم المساكن.
وظهر الركام جليا مبعثرا وقد دك وخلط مع آنية الطبخ. في مسكن آل زامل حيث تركت البنات خلط كل شيء. قالت البنات إن الجيش 'أخرجوا لهن بعض الأغطية وهدموا كل شيء. كل شيء' . وتمنع القوات الإسرائيلية الفلسطينيين من البناء والإعمار في معظم منطقة الغور.
وتشغل مسألة الأغوار التي تشكل حدود الدولة الفلسطينية وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ففي حين يقول الفلسطينيون إنهم لن يوافقوا على أي خطة سلام بدون أن يكون الغور جزء من الدولة الفلسطينية، أعلن الإسرائيليون مرارا أنهم سيبقون في المنطقة مرارا وتكرارا.
هذا اليوم أمر لا يهم أي من سكان المنطقة التي تتعرض للهدم. في الوادي ثمة شعور عميق يسرى بالوحدة حول مساكن آل زامل التي هدمت... ذاتهن البنات الثلاث لا يكترثن بالسياسية، ولا يعرفن من هو كيري.
قالت ليالي' جاءوا وهدموا . لا نعرف كيري ولا السلام. أنهم يهدمون'. ولم يكلف الجيش الأمر سوى دقائق للقضاء على حياة كاملة هنا. ظهر كل شيء كما يشبه بقايا إعصار ضرب المنطقة. ليس سوى البكاء في هذه الشعاب والوديان.
الغور المحاط بجبال عالية وعرة من الناحية الغربية وبسياج شائك من الناحية الشرقية بدا اليوم مكانا مناسبا للبكاء، فعلى بعد عدة كيلومترات قليلة شمالا من مساكن آل زامل كانت ابتسام دراغمة تعد قهوة الصباح عندما وصلت الجرافات للمضارب هناك.
بعد ساعة تقريبا ظهرت ابتسام تحتضن طفلة لم تتجاوز العام ملقاة على الأرض وتتنفس بصعوبة.
لقد هدم الجيش مسكنها، وتركها وثمانية من الأطفال في العراء. 'عندما سألتهم لماذا تهدمون بيتي ضربوني على رأسي' قالت ابتسام فيما كانت طواقم طبية تطببها.وعندما حاول أطباء الوصول لها في الوقت المناسب تقدم الجيش نحوهم ومنعهم.
وقال معتز بشارات وهو مسؤول محلي في محافظة طوباس، أن الجيش بدأ يهدم من أطراف السفوح وصولا إلى هذه المنطقة. وأشار إلى ركام من الملابس والأغطية والطعام جعلته الجرافات فوق بعضه بعضا في منزل نمر زوج ابتسام.
كان الرجل وشقيقه يبكيان تزامنا مع وقع ضربات الجرافات للمساكن وضربات الجيش لابتسام. ويسرى شعور عميق بالقهر وقلة الحيلة عند سكان عزل أمام قوة عسكرية مؤللة وجنود مدججين بالسلاح.
واقفا إلى جانب رجل فقد أعصابه بعد هدم منزله قال رئيس مجلس محلي المالح عارف دراغمة أن الجيش هدم مساكن العائلة قبل أسبوع وأعاد هدمها اليوم. وأشار إلى أن نحو 50 مسكنا مهددة بالهدم في أي لحظة.
وقال' الآن العائلات والأطفال في العراء. قد تصل العاصفة في أي وقت. قد يطير كل شيء هنا'. وتهب رياح شمالية خفيفة باردة عبر الأدوية في المنطقة. وتصرخ ابتسام مليء صوتها طالبة من السماء مساعدتها.
وظهر السكان في حالة عصبية غير معهودة، فجزء من الأطفال ذهب إلى المدارس، وجزء آخر كان في ساحات موحلة. فيما ظهرت طفلة وقد وضعت فوق كوم ترام خلفته الجرافات. وقالت ابتسام ' لن نترك المكان. إلى أين نذهب. أين نذهب'.
ويخشى السكان من هبوب رياح عاتية قد لا يستطيعون الصمود أمامها. وقالت ابتسام 'قد تهطل الأمطار. وتهب الرياح. لا اعرف إلى أين أذهب أنا وأطفالي لا أعرف'.