15 عاما وقريتا جفنا وعين سينيا تعيشان بكارثة بيئية
رشا حرزالله
لا تستطيع أن تتجول داخل قريتي عين سينيا وجفنا شمال مدينة رام الله، المحاطتين بحقول أشجار الزيتون والمشمش.. دون إغلاق أنفك بسبب رائحة المياه العادمة المنبعثة من مخيم الجلزون والتي اقتحمت غرف المنازل، ورياض الأطفال، والمدارس، وطغت على رائحة المزروعات.
لكن كيف هو الحال مع سكان هاتين القريتين الذين يحبرون على استنشاق هذه الروائح منذ أكثر من 15 عاما؟'.
أصحاب المركبات التي تمر يوميا من الشارع الرئيسي لقرية عين سينيا التي تربط مدينة رام الله بشمال الضفة الغربية، يتأذون كذلك من الرائحة المنبعثة من هذه المياه العادمة.
بالقرب من مجرى الوادي في قرية عين سينيا، يضطر المواطن عبد الهادي عبيد (42 عاما) المعيل لأسرة مكونة من سبعة أطفال إلى إغلاق نوافذ منزله حتى في أيام الحر الشديد، 'رائحة الوادي لا تطاق'، يقول عبيد ويضيف، إنه يقوم بشكل دائم بمراقبة أطفاله، خوفا من سقوطهم في الوادي أثناء لهوهم في ساحة المنزل، مشيرا إلى أن سكان المنطقة ناشدوا عدة مرات الوزارات والمؤسسات المعنية، لإيجاد حل لهذه المشكلة، التي تزداد سوءا بسبب التصريف السيئ لمياه الأمطار في فصل الشتاء.
المواطن عبيد مضطر بشكل دائم إلى مراجعة الأطباء، بسبب إصابة أطفاله بأوجاع البطن والتقيؤ، كون مياه المجاري مكشوفة، وتعد مرتعا للحشرات والأفاعي والذباب، الأمر الذي ساعد على نقل الأمراض لعائلته وجيرانه القاطنين بجانب الوادي، كما اضطر إلى إلغاء الجلوس أمام ساحة منزله الخارجية، وإغلاق الشرفة المطلة على الوادي، بسبب عدم قدرتهم على تحمل رائحة المجاري.
وبجانب الوادي أيضا، توجد روضة أطفال 'عين سينيا'، حيث أدت الفيضانات التي يشهدها الوادي باستمرار إلى تهدم السور الخارجي لها، الأمر الذي شكل خطورة على حياة الأطفال، وسبب لهم مشاكل صحية.
معلمة الروضة خلود الحلاق وصفت وضع الروضة بـ'الكارثي'، بسبب تجمع الحشرات والأفاعي، وانبعاث الروائح الكريهة التي تضر بصحة الأطفال.
وأشار عضو المجلس القروي للقرية محمد الحلاق إلى أن المشكلة بدأت منذ أكثر من 15 عاما، حيث كان سكان مخيم الجلزون يعتمدون على الحفر الامتصاصية في التخلص من مياه الصرف الصحي، غير أن مشروع الصرف الصحي الذي أقامته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين 'الأونروا' في المخيم دون إيجاد تصريف لها أدى إلى جعل هذه المياه تتجمع وتشق طريقها في وادي قرية جفنا، وصولا إلى عين سينيا.
وأضاف الحلاق 'أن المجاري القادمة من الجلزون لا تحتوي على مياه عادمة فقط، إنما على بقايا أتربة ومخلفات البناء، بالإضافة إلى فضلات الحيوانات، ما يؤدي في كل مرة إلى انسداد المناهل وفيضانها على السطح، كونها غير مهيأة، عدا عن تسربها من شقوق الخطوط المتكسرة والمكشوفة'.
وأشار إلى 'أن فصل الصيف يشكل كارثة بيئية حقيقية على أهالي القرية، حيث يكثر انتشار الأفاعي والعقارب والحشرات والذباب، والأدهى من ذلك أن بعض المزارعين يروون مزروعاتهم من مياه الصرف الصحي'.
المواطن عدنان دار علي من القرية أشار إلى أن جامعة بيرزيت أقامت محطة صغيرة لتنقية المياه العادمة كجزء من حل المشكلة، وعالجت كميات قليلة منها، غير أنها لم تدم طويلا، حيث لم تستوعب المحطة كميات الصرف الصحي القادمة من الجلزون، وما لبث أن أغلقت، وبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن تحول إلى مكرهة صحية.
وأوضح دار علي أن الوضع يتفاقم يوما بعد يوم، خاصة بعدما تحويل عدة قرى مجاورة لعين سينيا وجفنا خط صرفها الصحي إلى مجرى الوادي.
عائلة عراعرة المكونة من تسعة أفراد لا يبعد مجرى الوادي عن خيمتها سوى أمتار قليلة، حيث تقطن في ذلك المكان منذ ثماني سنوات، ومجبرين على تحمل رائحة الوادي الكريهة، على اعتبار أن المنطقة القريبة منه هي الأنسب لرعي الأغنام.
والشتاء ليس بأفضل حال بالنسبة لهذه العائلة، حيث تؤدي فيضانات الوادي إلى وصول المياه العادمة إلى الخيمة، ما أدى إلى تهدمها أكثر من مرة، ناهيك عن انتشار الحشرات والكلاب الضالة والخنازير بكثرة في فترة الليل، ما يجعلها في حالة قلق مستمر على أرواح أطفالها.
من جانبه، رئيس مجلس قروي جفنا ماهر انطوان قال 'إن القرية التي يبلغ عدد سكنها 2400 يعيشون على 9000 دونم، تضم العديد من المعالم الدينية والتاريخية والأثرية، إضافة إلى الكنائس والأديرة التي يعود بعضها إلى الفترة البيزنطية، والقلعة الصليبية والكهوف التاريخية التي جعلها مزارا لجذب الزائرين والسياح من مختلف دول العالم'.
وأضاف 'لا تبعد مياه الصرف الصحي القادمة من الجلزون كثيرا عن القرية، الأمر الذي أثر سلبا على الحركة السياحية فيها، وأدت إلى احتراق شجر الزيتون والإضرار بالعديد من المزروعات بسبب احتواء هذه المياه على مواد كيماوية، وجعلت الكثير من الأراضي غير صالحة للزراعة'.
ولفت إلى 'أن المجلس حاول إيجاد حلول مؤقتة، غير أنه لم يستطع بسبب إمكانياته القليلة، وحاول عمل مناهل تتناسب والأموال المتوفرة لديه'.
وبيّن انطوان أن المجلس قام بتعيين شخص لتنظيف الخطوط، وفي كل مرة يجد رؤوس أغنام، وبقايا أثاث قدية وأوراقا، وفي الكثير من المرات لا يستطيع تنظيفها، ما تطلب إحضار الجرافات، خوفا من الفيضانات، وفي أحيان كثيرة تكسرت هذه الجرافات أثناء التنظيف'.
مدير معهد الدراسات البشرية المائية في جامعة بيرزيت ماهر أبو ماضي، قال 'إن المشكلة لا تتعلق بالتمويل، إنما هي قضية سياسية، لأن الإسرائيليين يشترطون عند إقامة محطات تنقية، أن تشمل معالجة مياه المستوطنات أيضا، مثلما حصل مع بلدية البيرة، حيث قامت مستوطنة 'بساغوت' المقامة على أراضي المدينة ورغما عن البلدية بمعالجة مياه المستوطنة'.
وأوضح 'أن ما يحصل في قريتي عين سينيا وجفنا هو عبارة عن مكرهة صحية، ساهمت بشكل كبير في تلوث التربة والمياه الجوفية'.
وأوضح أن الأمراض تنتقل عن طريق الذباب والحشرات إلى المواطنين القاطنين في تلك المنطقة، كونهم على احتكاك مباشر مع الوادي، بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي تتفاقم في فصل الصيف.
وقال أبو ماضي إن فلسطين تعاني من نقص في المياه، وإعادة معالجة مياه المجاري والاستفادة منها يقلل من هذا النقص، ويحل جزءا من المشكلة.
بدوره، نفى مدير صحة البيئة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين 'الأونروا' نبيل مصباح لـ'وفا'، قيام الوكالة بإنشاء شبكة مجارٍ رسمية في مخيم الجلزون، كون مثل هذه المشاريع تحتاج إلى منهل رئيسي يتبع لإحدى البلديات، ويتم الاستعانة به في تصريف المياه العادمة.
وأشار مصباح إلى أن عمل 'الأونروا' داخل المخيم يقتصر على إعادة تأهيل الخطوط، وشبكات الصرف الصحي، وتغطية المناهل المكشوفة فقط، موضحا أن هذه المشكلة كانت قبل عمل هذا التأهيل، بسبب وقوع المخيم على تلة مرتفعة، وحلها يكمن في السعي لإقامة محطة تنقية للمياه العادمة تخدم المناطق المتضررة حتى لا تبقى الأزمة متفاقمة.
في حين جاءت أقوال مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه عادل مغايرة، حيث أكد قيام 'الأونروا' بعمل شبكة صرف صحي تغطي كامل مخيم الجلزون، بحيث تصل مياه الصرف الصحي إلى مخرج المخيم المؤدي إلى قرى جفنا وعين سينيا، دون إيجاد معالجة وتصريف لها.
ولفت إلى أن هذا المشروع أقيم قبل إنشاء سلطة المياه، ونتيجة للوضع المأساوي اقترح مجلس قروي جفنا عمل مشروع مؤقت يتمثل بعمل خط عشوائي لتغطية المياه العادمة، ونقلها خارج القرية، غير أنه لم يحل المشكلة.
وأوضح أنه تم الحصول على موافقة من قبل الجانب الألماني لتمويل محطة معالجة، غير أننا رفضنا المشروع، بسبب اشتراط أن تكون المحطة داخل جفنا، ما سيشكل روائح كريهة للسكان، عدا عن حاجتها بشكل أسبوعي للتنظيف، والمجلس لا يمتلك هذه الإمكانيات.
وقال مغايرة 'إن الحل يكمن في إقامة محطة معالجة رئيسية بمواصفات ودراسات فنية، تقدر بنحو 30 مليون دولار وتملك أراضي، وهذا ليس في المقدور توفيره، لذلك التجأنا إلى وزارة المالية وطلبنا مبلغ 150 ألف دولار، لعمل خط بديل على الشارع الرئيسي للقرية بالتنسيق مع المجلس'.
وبحسب مغايرة 'تعاني أربعة مخيمات من مشاكل في الصرف الصحي، وهي: قلنديا، والجلزون، والعروب، والفارعة، الأمر الذي ينعكس سلبا على القرى المحيطة على غرار عين سينيا وجفنا.