الأسطورة بين الشعراء الرومانسيين الإنجليز وشعراء الحداثة العرب - صبحي شحروري
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
الكلمة "رومانسية"هي مصطلح ثقافي بالدرجة الأولى ينتمي للأدب، وبشكل أقل للرسم والموسيقى. وتعود كلمة رومانسية إلى تغيُّر في البنية أكثر مما في المعتقدات والأفكار أو السياسة.
ويصبح الأدب، بتأثير الرومانسية، أقل عقلانية وأكثر عاطفية، أقل تمدّناً مع إحساس أعمق بالطبيعة، وأكثر إشكالاً.
المهم أن حساسية جديدة دخلت الأدب الغربي في نهاية القرن الثامن عشر.
إنّ مكوّن بُنى الأدب هي الأساطير، مثل قصص عن آلهة الشمس والأشجار، أي وجود آلهة للطبيعة. وتدعو الأساطير لتكوين بُنى كبرى تصبح موسوعات في امتدادها.
ومن طبع الأسطورة أنها تمتص القصص الشعبية وتكوّن مصدر التخيل في الأدب ودخول المجازات إليه. وهناك بُنى أسطورية كلية في الأعمال الطموحة كما في أعمال دانتي وملتون وهوجو وجويس. وهي تبحث في بُنية الكون ونشوئه وتطوره.
ويقال إن كوميديا دانتي لها مُناظر مفاهيمي في أعمال القديس توماس.
وقد تأثر الشعراء بقصة الخلق، أصل العالم وأصل الإنسان، والأم والأرض التي تجدد بكارتها كل ربيع. وهناك ذكورية مقابلة ظهرت في اليهودية وعند أفلاطون وفي العصور الوسطى وصلت الأسطورة إلى القمة. وجرت المقابلة بين ما هو طبيعي وما هو تجريبي.ونجد عند دانتي مقارنة بين الهارموني في الأجرام السماوية مقارنة مع الفوضى في الدنيا، وقد نبعت من هذه المقارنة كثير من المجازات الشعرية.
هذا وقد خضع الانسان للقانون الأخلاقي والطبيعي، ولهذا علاقة بإرادة الله وحركة الأفلطة "أفلاطون".
وقد حاول أفلاطون توحيد الطبيعة مع الانسان، وظهر مفهوم الهوية والتشبيه والاستعارات، وكان لكل ذلك علاقة حميمة بالأسطورة، كما أن علوم العالم من فلك وتنجيم وكيمياء قديمةAlchemy كانت مليئة بالأساطير، ومعظم الأساطير هي شعرية في الأساس، ويعتمد الشعراء على الأساطير كما هو معروف.
من كل الشعراء الانجليز الرومانسيين الكبار نرى أن وليم بليك هو الذي أمسك بالمعاني المتضمنة في التغيير في الميثولوجيا، وهو يرى أنه لا بد أنّ إلهاً مبرمجاً هو الذي خلق بني العالم، وهذا الإله الخيالي يعبّر عن اغتراب الانسان، وهناك إشارة للمسيح المعروف بالنضال والمعاناة من أجل الإنسان.
هذا وقد ساهم العلم - إنجازات نيوتن مثلاً- في القضاء على بقايا الميثولوجات القديمة، وظهرت دعوات معارضة كدعوة شلي المعارضة للميثولوجيات القديمة، وفيكو الذي أفاد أن كل ما نسب إلى المؤثرات الغيبية هو من صنع الانسان.
ولعل هذا ما يعارض ما طرحه ملتون الشاعر الأقدم من الحرية،هي ما يريده الله للإنسان لا ما يريده الإنسان لنفسه.
هذا وقد اعتبرت الرومانسية ميثولوجيا جديدة.وقد أصبحت هذه الرومانسية قادرة على الاسهام في خلق توجه ثوري تجاه الأفكار القديمة.
وقد اعتبر بعض الشعراء أنّ ضياع الطبيعة قد يمثّل بالنسبة للشاعر شيئاً ضاع في طفولته كما في ode " أود" وردزورث، وهي قصيدة جوهرية عن الخلود.
هذا ولم ينقطع تأثر الشعراء بما هو قديم،فقد قدّم " كولريدج " آدم القديم كأنه فلاّح قديم، وعاد بنا وردزورث إلى الأم الطبيعة،واستمرت رمزية الأم المركزية عند شلي وبيرون، وعند بليك تظهر هذه الأم كأخت.
وقد ظهرت مع نهاية القرن الثامن عشر حملة على القديم تمثلت في أعمال وردزورث وكولردج، خاصة، اللذيْن أدارا السؤال حول هوية الإنسان، خاصة هذه الهوية التي ارتبطت بالمدينة، ومن مدينة الله تم الانتقال إلى مدينة الإنسان.
وجاء روسو ليشير إلى الشذوذات واللاعدل، وتساءل حول طبيعة الوضع في المدينة هل هو صحيح أم لا.
إن وضع المدينة غير الطبيعي دمّر علاقة الإنسان بالطبيعة كما ظهر لاحقاً، وبقوة، عند بودليرFour Millante" " "فور ميلانتي" وعند اليوت كما وردزورث في ال Prelude" " برليود.
وهناك من يرى أن الإنسان بحاجة إلى تدريب عالٍ كي يتعلم القانون والأخلاق، وقال وردزورث بالكُمون الروحي في الطبيعة والذي هز رأسه معجباً بالوثني في كتاب كيتس الأول Endy mion،وقد أسهم كيتس في خلق وعي جديد استقطب جهود ييتس ود.ه لورنس، وظهر مفهوم الغفران الذي تحول إلى مفهوم المحبة. وهناك أساطير الغفران الرومانسية الثورية، مثل تلك الخاصة بشلي، ومعظم هؤلاء أعادوا التركيز على Eros إيروس إله الحب في الميثولوجيا اليونانية، وقد ظهرت حركات صوفية روحية وهي معروفة بأنها الأكثر شمولاً والأبعد خيالاً، إله الحب عند شلي، مثلاً، وتوفاليس الذي يتعلق به بشكل مستمر وردزورث وكولريدج صوفية تلتحم بالحب، وقد امتد ذلك الى رومانسيين فرنسيين وألمان، صوفية حاولت السيطرة على العقل بغرائب خيالية مبتكرة.
وقد خلصوا إلى رأي مفاده أن الشعراء الرومانسيين أصبحوا مشرّعين، والفنان البشري غير قادر، بالطبع، على التنافس مع الطبيعة، وكان الشعر خلال ذلك كله هو أحد أدوات الأفكار والتعليم.
فيما قبل الرومانسية ارتبط الشعر بالأخلاق، الفضيلة وعكسها الشر.وكان يحكم على الشاعر حسب قدرته في تنميق أو زخرفة نوع خاص من المضمون تساعد القارئ كي يستنير.ونرى،هنا، أنّ ملتون، مثلاً، ظل يفكر في رسالته على نحو رسولي وليس شعري، مع أنه كان شاعراً كبيراً.
أما عند الرومانسيين فقد أحسوا بالجَوْر، وأقاموا الفن عموماً على أساسٍ فني، أي تكريس النفس للفن والحرية، فظل شكسبير الشاعر الكلّي القدرة ارتفع إلى درجة القداسة، فها هو يُنتج الناس والمجتمعات بقوة الخيال ومقابل الكشف الديني القديم – توراتي- مثلاً، جاء الكشف الذي يقوم به الشاعر، فالإنسان صانع أيضاً.
أما نقطة الافتراق معنا، فهي أن استخدام الأسطورة في الشعر تأخر، ورافق الشعر المعاصر مع أصحاب قصيدة التفعيلة، ثم انتشر استعمالها واكتشفنا أن لدينا كنوزاً من الأساطير والقصص الشعبي في الماضي، واغتنى الشعر الحديث، تدريجياً، بالتفاعل مع الكنوز القديمة الوافرة، وها هو الشاعر المصري الراحل أمل دنقل يصيح ويردد" لا تصالح".
ويبقى السؤال عندنا،هنا، ماذا استفاد شعرنا من استخدام الأسطورة ؟ والجواب يختلف من شاعر لشاعر، ويرى الشاعر أنس داوود، المصري الجنسية، أن الأسطورة
1- تخرج من دائرى الغنائية إلى ما دعا إليه من إيجاد معادل موضوعي للمشاعر والأفكار.
2- الخروج من دائرة التلقّي والانفعال إلى دائرة النظر والتعقل.
3- تحقيق الاحساس بوحدة الوجود الإنساني، حيث يجدون في الأساطير الماضية تعبيراً عن الحاضر المعاش.
4- الاقتصاد في لغة الشعر لتركيز التعبير وتكثيف الدلالة.
5- التعبير عن بعض المضامين بصورة غيرية حتى لا تثير السلطات السياسية والاجتماعية.
غير أنّ استخدام الأسطورة صعب، فهي تأتي ومعها كل ما يرتبط بها من تاريخ وخرافات وقصص شعبي، ولذا يصعب تحديدها.
وبواسطة الأسطورة تتم عمليات الحلم والتخيّل، والحلم هو الوجه الآخر للشعر.
إن استخدام الأسطورة هو استحضار للبطولة الغائبة، وللأسطورة طاقات جمالية وموسيقية، نجد ذلك في شعر عدد من كبار الشعراء المحدثين أمثال دنقل والبياتي وحسب الشيخ جعفر الذي استفاد من الاسطورة الفارسية، وعند صلاح عبد الصبور وسعدي يوسف وغيرهم.