نحو آذار الثقافة 2014 خمس رسائل وحالة ثقافية ناهضة... (المقالة الأولى)- سلمان ناطور
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
يشغلني سؤال ثقافي منذ بدأت أحمل الهم الجماعي في الحياة الثقافية وهو: أي المواقع أفضل للمبدع أن يكبر فيه ويبرز، أهو في حديقة مزدهرة ومتعددة الورود أم في صحراء قاحلة أو في أرض مهملة؟
أعتقد بان الجواب واضح. الافضل في حديقة غناء، جمالا وقيمة وبراعة. إذن لماذا تكثر الصراعات الشخصية بين المبدعين وبدلا من أن يدعم أحدهم الآخر يعمل على تحطيمه كأنه على حلبة مصارعة حرة أو ملاكمة وتصبح "الشطارة" ان تلقي بزميلك على الارض داميا؟
ما هو دور الفرد المبدع في حركة ثقافية ؟ ما هي العلاقة بينه وبين الجماعة التي ينتمي إليها وهي جماعة المبدعين والمثقفين وأصحاب الرأي؟
ما هو المناخ الصحيح لنشوء وتطور حركة ثقافية وبخاصة تلك القائمة في ظل احتلال وقمع وموارد شحيحة وعصبيات قبلية وعقائدية وصراعات يومية على مجرد البقاء؟
على هذه الأسئلة سأحاول أن أجتهد في سلسلة مداخلات بطرح وجهة نظر ونحن على أعتاب عام جديد، وأجيز لنفسي من موقعي كفرد وكمشرف على مشروع ثقافي أن أضع أمامنا جميعا تحديا وهدفا كبيرين: لنجعل عام 2014 عام الثقافة فلسطينيا، أي في ما تقدر هذه الثقافة على عطائه لها وللبشرية وفي ما هي مستحقات هذه الثقافة من مجتمعها والعالم.
سلسلة مداخلات حول مجمل أسئلة الثقافة في حيز الوطن الفلسطيني وفضاء الثقافة العام. وهنا المقالة الأولى:
أذار الثقافة...
"آذار الثقافة" هو استحداث بادرنا اليه في اطار مشروع "الثقافة الفلسطينية حقوق وفضاءات" في مركز مساواة عام 2012 ، احتفاء بالثقافة بشكل عام وبالعربية والفلسطينية بشكل خاص، اذ يكرس شهر اذار من كل عام تحت هذا العنوان لأنه يجمع عددا من الأحداث الثقافية الفلسطينية (13 اذار اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية و 30 اذار، يوم الارض) والعالمية (8 آذار يوم المرأة العالمي و 21 آذار يوم الأم) وجميع هذه المناسبات تكتسب طابعا ثقافيا وحضاريا ونضاليا ايضا. ولا شك في أن تكثيف النشاطات الثقافية في كافة أنحاء الوطن من الجليل وحتى النقب يحدث حراكا يحفز على التنشيط والمبادرة في كافة أيام السنة.
لقد ارتأينا أن نكرس شهرا كاملا للثقافة بإحداث حراك إبداعي مكثف مع حلول الربيع وارتباطا بهذه المناسبات، للتأكيد على وحدة الثقافة الفلسطينية وعلى أن ثقافة الداخل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الفلسطينية والعربية والعالمية ايضا وهي الفضاءات الثلاثة التي تشكل عالمنا الثقافي، نحن المنغرسين في وطننا ونخوض معركة البقاء والحرية ونشيد كياننا الحضاري والروحي أسوة بكل جماعة تحب الحياة وتؤمن بما قاله شاعرها: "على هذه الارض ما يستحق الحياة" (محمود درويش)..كما اننا نقوم بهذا الحراك لإبراز دور الثقافة في بلورة الهوية القومية والانتماء للأرض والوطن وتعريف الاجيال الناشئة بالثقافة الفلسطينية، ماضيها وحاضرها وتنشيط المؤسسات الثقافية والتربوية في الداخل ضمن مشروع وطني ثقافي لتشبيك العلاقات بين هذه المؤسسات.
نحن نعتز بثقافتنا لأنها تطورت وارتقت رغم كل ظروف القهر والتمييز العنصري، ولكن الأهم من كل ذلك هو لأنها تقوم على أسس التعددية الثقافية والتعدد وفيها متسع لكافة التيارات والانتماءات وقدرة على الحوار مع الغير وهي متعددة المجالات وتشمل الأدب والمسرح والفنون الأدائية والتشكيلية والسينما وكل أنواع النتاج الابداعي.
من هذه الثقافة نحن ننطلق ولتحقيق هذه الاهداف نطمح وهذه هي سماؤنا، ولقد بدأنا قبل عامين وشهدت قرانا ومدننا نشاطات لافتة تحت عنوان "اذار الثقافة" ولكن لم يكن كافيا لإحداث نهضة ثقافية عامة، وهذا أمر طبيعي في الظروف الموضوعية التي نعيشها اذ أن أي حراك يحتاج إلى شحن دائم وتكرار التجربة لترسخ في الوعي الجماعي. طبعا لا نريد حصر الفعل الثقافي في شهر واحد بل أن يكون هذا الشهر انطلاقة دافعة لحراك ساخن خلال كل العام ويجدد طاقاته في كل أذار من كل عام.
شعار المرحلة المقبلة...
أتابع وأتتبع مشهدنا الثقافي منذ نصف قرن، أي منذ بدأت أعي الأحداث حولي وأتذوق الادب وابني مشروعي الثقافي الشخصي وأمارس مراهقتي الادبية الأولى، وبعد هذه التجربة الطويلة والمثيرة أستطيع أن أقدم خمس رسائل لمشروع ثقافي، مثل اذار الثقافة. ارجو ان تكون رسائل الثقافة الفلسطينية في الداخل في عام 2014. لكي نصوغ شعار المرحلة المقبلة، في اجتهاداتنا الفردية ولقاءاتنا ومنتدياتنا ومؤتمراتنا، عرضنا هذه الرسائل في أيامنا الدراسية وطاولاتنا المستديرة ونثبتها هنا وفي اذار 2014 .
رسائلنا في أذار 2014:
• نقل خير ما في ثقافتنا إلى العالم وخير ما في ثقافة العالم إلينا
• اينما تحضر الثقافة تهرب الهمالات
• المكتبة العامة بيت للكتاب والكاتب
• الذاكرة...ننظر إلى الماضي لنرى المستقبل أوضح
• لا لمقولة "لا نبي في وطنه"، نعم للقول: لا يخرج نبي إلا في وطنه".
لقد حان الوقت لنقل الثقافة من الهامش إلى المركز.
الثقافة ليست فعلا للتسلية والترفيه فقط ، هذا واحد من أدوارها ولكنه ليس الدور الوحيد. الثقافة فعل لصياغة الهوية ولنشر القيم الإنسانية ولرسم واقع بديل أفضل من واقعها الراهن.
الثقافة فعل مقاومة بامتياز، مقاومة الظلم والقمع والاحتلال والجريمة والتخلف والفقر والتعصب القبلي والعقائدي والخطايا الصغرى والكبرى. وإذا كنا نطمح لأن نعيش في عالم أفضل وأجمل وأرقى فهل يمكن الوصول إلى ذلك بغير الثقافة؟
هذا سؤال جوهري موجّه إلى كل الذين يحلمون بحياة أجمل.
إلى المبدعين والمثقفين والمناضلين دفاعا عن العدالة والحياة الكريمة.
انتم مدعوون لهذا الحراك وهذا الحوار ، كل من موقعه وبأدواته وإلى مرتع أحلامه.
(يتبع)