مؤتمر برام الله: المتغيرات الإقليمية أثرت سلبا على القضية الفلسطينية
نظم مركز جامعة القدس المفتوحة للدراسات المستقبلية وقياس الرأي، بالتعاون مع عمادة البحث العلمي، اليوم الأحد، مؤتمره السنوي الثاني بعنوان: 'المتغيرات الإقليمية وأثرها على القضية الفلسطينية'، وذلك في مدينة رام الله.
وجرى المؤتمر بحضور رئيس الجامعة د. يونس عمرو، ونخبة من المهتمين من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، وعدد من الوزراء وقادة الفصائل الوطنية والإسلامية، ونواب رئيس جامعة القدس المفتوحة ومدراء الفروع التعليمية وعمداء الكليات ومدراء المراكز والدوائر.
وقال عمرو في كلمته الافتتاحية: 'نلتقي بمؤتمر على قدر كبير من الأهمية ويمس واقعنا كشعب فلسطيني في هذه الأيام العسيرة التي تمر بها أمتنا العربية'، مشيرًا إلى أنه ليس سهلاً أن نتصور ما يجري في العالم العربي من التغيرات والمتغيرات التي استبشر بها البعض خيرًا وأطلق عليها اسم الربيع العربي، موضحًا أن ما يجري حاليًّا هو فوضى خلاقة وهو مصطلح عملت لأجله المخابرات الغربية، وسعى لتحقيقه خبراء ومفكرون كبار، منوهًا إلى أنه لا يمكن للفوضى أن تثمر خلقًا على الإطلاق.
وأضاف عمرو، إن الانقلابين الذين كانوا يقومون بالثورات السابقة في العقود الماضية كانوا أكثر حرصًا على القضية الفلسطينية من اليوم، مسجلاً دعمه وتقديره للقيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، بموقفها السياسي القاضي بعدم التدخل بما يجري في الوطن العربي.
من جانبه، قال مدير مركز الدراسات المستقبلية وقياس الرأي بجامعة القدس المفتوحة، د. محمد المصري إن مركزه الذي تأسس منذ عامين بقرار من رئيس الجامعة، يعقد مؤتمره الثاني ضمن خطة المركز للعام 2013 التي تشمل إجراء ثلاثة استطلاعات للرأي وعقد عدد من الندوات.
وأضاف أنه منذ تأسيس المركز حاولنا أن نساهم بتقديم رؤى تفيد صانع القرار، إذ ينعقد مؤتمرنا وسط ثورات الربيع العربي غير واضحة المعالم، وربما أصبح الربيع العربي ربيعًا إسرائيليًّا، فدول مثل ليبيا وتونس واليمن وسوريا ومصر تعاني من عدم الاستقرار.
وشدد على أن التغيرات الجارية تؤثر على قضيتنا الفلسطينية، والسؤال المطروح على صانع القرار لتقديم رؤية استشرافية واضحة لما يواجه قضيتنا وكيف تؤثر علينا هذه التغيرات، بالتزامن مع الأوضاع الداخلية التي يعانيها شعبنا وهمومه المتمثلة بالانقسام، والتعثر الذي تشهده المفاوضات.
وأكد المصري أن المتحدثين في المؤتمر قدموا رؤية للمستقبل، ولتحصين الموقف الفلسطيني.
وفي الجلسة الأولى التي ترأسها د. حسن السلوادي، بين أن مستجدات حصلت لحرف الربيع العربي عن مساره، وطالب المتحدثين بالخروج بتوصيات تسهم في دعم صناع القرار في رؤيتهم الموضوعية والمتعقلة والدقيقة في التعامل مع الربيع العربي.
وطرح السلوادي تساؤلات بخصوص ما يجري في المنطقة وأثرها على القضية الفلسطينية، مطالبًا المتحدثين بضرورة تقديم رؤية استشرافية لما يدور حولنا، مؤكدًا أن مستقبل هذه الثورات وإعطاء الشعوب العربية دورها سينعكس إيجابًا على القضية الفلسطينية، محذرًا من الصراعات الداخلية.
من جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء توفيق الطيراوي، في مداخلته بالجلسة الأولى، أن ما حصل في غزة من انقلاب كان بداية المؤامرة على القضية الفلسطينية وهللت له فضائية الجزيرة، حيث بدأ هذا التحرك في غزة وأخذ واقع الانقلاب، وبعد ذلك تطور وانتقل إلى الوطن العربي، فالأهداف بغزة محلية وأبعادها دولية. وأضاف: 'إن الثورات في كل من تونس ومصر والدول العربية الأخرى هي نتاج تحرك شباب وطنيين خرجوا ضد الاستبداد والدكتاتورية والفساد، وكان هؤلاء الشباب غير منظمين لأي فئة أو حزب، فقامت بعض الأحزاب وعلى رأسها الإخوان المسلمين بالاستفادة من نتائج هذه الثورات على الرغم من أنها لم تدخل في بداية هذه الثورات، وسرقت الإنجازات واستولت على السلطة'.
وأكد الطيراوي في كلمته أن من قام بهذه الثورات من الشباب الوطنيين لم يحصلوا على مقاعد في الانتخابات، فالإخوان هم من سيطروا على الوضع تمامًا، وهم من استفادوا مما جرى على الأرض، وفي النهاية تم تحريف ما جرى في الوطن العربي من ثورات إلى مكاسب سياسية وأهداف حزبية، وبالتالي كانت النتائج كارثية على الجميع، وبشكل خاص على القضية الفلسطينية.
أما نتائج هذه الثورات، فقد أكد الطيراوي أنها كارثية، وأضاف: 'النتائج تمثلت في محاولات تدمير هياكل الدولة وإضعاف وشق الجيوش العربية خلافاً لما حصل في روسيا مثلاً، فعندما سقط الاتحاد السوفييتي، تحولت الدولة إلى روسيا، وتحول الجيش السوفييتي للجيش الروسي، وهذا ما حدث في الدول التي كانت في منظومة الاتحاد السوفييتي، حيث تمت المحافظة على الدولة، والهدف مما يجري في منطقتنا هو أننا سنحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة تشكيل الجيوش وهياكل الدول، وهذه هي الكارثة الكبرى، وهذا المخطط الذي رسم للمنطقة وحول هدف الثورات أدى إلى تدمير البنية الأساسية في الدول العربية لمصلحة إسرائيل، ومحاولة تدمير القضية الفلسطينية التي أصبحت في نهاية سلم الأولويات العربية وأصبحت القطرية في المقدمة على حساب القضية القومية'.
وأكد أن الفلسطينيين الموجودين في الدول العربية أصبح وضعهم صعبًا جدًّا، ونحن نعمل جاهدين قدر الإمكان لتوفير سبل الحياة الأساسية لهم، فنحن عاجزون عن توفير كل ما يحتاجون، وذلك بسبب عددهم الذي يقدر بمئات الآلاف، وإمكانيات السلطة محدودة، والمساعدات العربية لهم معدومة.
من جانبه، قال ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الأسبق، إننا نقر بالمواثيق الدولية التي تؤكد أن على الشعوب تقرير مصيرها وعندما يصل هذا الحق للشعوب العربية نقف ضده، مشيرًا إلى أن من يحاول أن يربط ما يحصل من ثورات بالمصالح الأميركية الإسرائيلية مخطئ، ومن يريد الابتعاد عن أميركا، فعليه أن يرفض المقترحات التي يقدمها الأمريكان أولاً، مضيفًا: 'نحن في فلسطين نتحدث عن السيناريوهات الأميركية وكل تحركاتنا سيناريوهات أميركية، لذلك علينا أن نكون واضحين، فمن يريد أن يرفض السيناريوهات الأميركية، عليه أن يرفض ما يقدمه الأمريكان.
وأضاف أن الموقف الأميركي كان داعمًا للأنظمة العربية في بداية الثورات، ثم تحول لدعم الثورات للحفاظ على المصالح الأميركية، وتحدث عن مشاركة الحركات الإسلامية بالثورات العربية، مشيرًا إلى أنها سواء شاركت متأخرًا أو في البداية، فهي شاركت، والانتماء لحزب منظم ليس مثلبة'.
وقال: 'نحن الفلسطينيين انقسمنا في كل شيء، بما فيه الموقف من الربيع العربي، لذلك علينا أن نجلس سويًّا ونبحث في المصلحة الوطنية العليا في هذا المجال، ونحن بحاجة للعرب جميعًا، والمشكلة أن كل طرف يتهم الآخر بأنه يتدخل في الشأن العربي'.
في السياق ذاته، قال أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي، إن الحركة الثورية في العالم العربي تظاهرت للتخلص من الاستبداد السياسي القائم بالعالم العربي، والتخلص من الفقر وغياب العدالة الاجتماعية الذي وصل إلى نسب غير مسبوقة.
وأضاف أن 'الاخوان المسلمين' فشلت خلال حكم الرئيس محمد مرسي في تحقيق المطالب الاجتماعية للشعب المصري، حيث تحركت القوى التي كانت سابقًا حليفة للرئيس مرسي وانفضت عنه، وانتهت بحركة تمرد ونزول الملايين للشارع لرفض مرسي، متسائلاً حول مدى الإمكانيات المتوفرة لدى القوى الجديدة في تأمين مطالب الشعب المصري.
وبين أن الحركة الوطنية الفلسطينية تدعم الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية في العالم العربي، وهذا جوهر عمل القوى الوطنية الفلسطينية والعربية، ومطلوب الآن انفتاح فلسطيني أكبر على الدول الإقليمية الكبرى في العالم العربي التي يجب أن نستثمر مكانتها التي ستزداد في المرحلة القادمة في مواجهة واقع صعب.
وأضاف أن هناك تغيرات دولية تجري أمام أعيننا، بينها تنامى دور روسيا والصين ومجموعة البريكس وتراجع الولايات المتحدة وتأثيرها في الشرق الأوسط والعالم وتراجع دور أوروبا، وهذا يعطي مجالاً للاستثمار لمصلحة الشعب الفلسطيني، مطالبًا بتغيير إدارة العملية السياسية في فلسطين بالعودة للأمم المتحدة ولصيغة تشبه ما حصل مع إيران لينجح العالم فيما فشلت الولايات المتحدة بتحقيقه'.
وأوضح أن على فلسطين العمل على حجز مقعد لها في خارطة العالم عبر التوجه للمؤسسات الدولية ورفض أي اتفاق تحاول فرضه الولايات المتحدة، والتوجه للعالم للحصول على حقوقنا وفق القرارات الدولية، فأميركا وإسرائيل تريدان إغلاق الباب أمام حل حقيقي للدولة الفلسطينية، فهم يتفاوضون على كل ما له علاقة بحدود وسيادة دولة فلسطين دون الفلسطينيين.
وفي الجلسة الثانية التي أدارها محاضر العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سمير عوض، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عبد الرحيم ملوح، أنه لا بد من التوحد في إطار حركة توحد وطني واحدة لشعب يناضل ضد الاحتلال.
وأكد ملوح أنه لا يوجد أمن سوى مواجهة الاحتلال، وكل ما يقوم به كيري يهدف للاستجابة للمصالح الإسرائيلية والرؤية الإسرائيلية في المنطقة، منوهًا إلى أن الشعب العربي موحد ولديه قضية واحدة تتمثل بالقضية الفلسطينية.
ولفت إلى أن محاولة تصنيف ما تقوم به الشعوب العربية يعدّ خطأ، قائلاً إن هذه الشعوب لديها مشاكل ولكنها تتفق على أنها ضد الدكتاتورية.
من جانبه، قال قيس عبد الكريم (أبو ليلى) نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن ما حدث في البلدان العربية هو ثورة شعبية عارمة ضد أنظمة الفساد والاستبداد، وإذا كانت هناك مؤامرة فقد بدأت في خمسينيات القرن الماضي عندما شجعت الإمبريالية الغربية قيام هذه الأنظمة وتكرسها وتعمقها بغض النظر عن الصراع الشكلي بينها وبين النفوذ الغربي.
وأضاف أن هذه الأنظمة هي التي زرعت عوامل التفرقة والتشتت بين المجتمعات والبلدان العربية، لأنه عندما تنفرد طائفة أو مجموعة بالحكم في بلد متعدد، فهذا هو عامل التفتيت، فالتفتيت بدأ مع الأنظمة وما نراه اليوم هو نتائج هذا التفتيت، وهذه الأنظمة تاجرت بقضية فلسطين، ولم يكونوا يدعمون فلسطين وبالتالي المتاجرة بقضية فلسطين كانت شكلاً من أشكال التقرب لهذه الأنظمة بشعوبها لخداعها والضحك عليها.
من جانبه، تحدث الكاتب عبد المجيد سويلم، عن المتغيرات الإقليمية في المنطقة، وقال إن الحديث عن الشرق الأوسط الجديد يجري منذ سنوات، وهذا جزء من المتغيرات الإقليمية وانعكاساته عليها، وأضاف: 'الغرب اليوم لا يريد الدول التي صنعها في العالم العربي لأنها استنفدت مهمتها، هم يريدون دولة مختلفة توائم بين المذهب أو الدين أو الطائفة أو العرق لتكون على شاكلة إسرائيل، التي فقدت مبرر وجودها أيديولوجيًّا عبر سياستها العدوانية، ولم يعد لها مبرر وجود حقيقي فكريًّا وأيديولوجيًّا، واليوم يجري تحويل المحيط على شاكلة إسرائيل، لإيجاد مبرر لوجود إسرائيل.