الصراع على قاع العالم
جميل ضبابات
لا تستقر شبكات الهاتف النقال عند إشارة معينة، فسرعان ما تنقلب حركة الإشارات من شركة إلى أخرى.. وفي منطقة يبدو أنها ستشهد حلقة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبدو كل شيء آيلا للانهيار على طاولة المفاوضات. فالانتقال من شركة فلسطينية إلى أخرى أردنية أو إسرائيلية، يعكس ما يجري في أدنى النقاط الجغرافية عن سطح البحر على الكرة الأرضية.
وليس التحول السريع يشمل شبكات الهاتف النقال الإقليمية، إنما قد يشمل رؤية دولية متشائمة جديدة لمستقبل عميلة السلام في الشرق الأوسط برمتها. وبعد قرار للجنة وزراية إسرائيلية بضم منطقة الغور التي تشكل أطول حدود لفلسطين مع جارتها الأردن، سارعت الحكومة الفلسطينية، عن إعلان تضمن عقد اجتماع لها في قرية زراعية صغيرة تقع في الركن الشمالي الشرقي للضفة الغربية.
وتدور رحى حرب كلامية بين الطرفين على مستقبل المنطقة، التي تتركز فيها أحواض المياه، وارض بكر تشكل فراغا استراتيجيا تستغله الدولة الفلسطينية عند قيامها. وتظهر عين البيضا، وهي القرية الفلسطينية اليتيمة التي تقع خلف الطريق الإقليمي المسمى شارع (غاندي) نسبة إلى وزير السياحة الأسبق رحبعام زيئفي الذي اغتالته الجبهة الشعبية قبل عقد من الزمن، هادئة من أي نشاط سياسي.
لكنها ليست هادئة من أي نشاط أمني إسرائيلي، ففي حين كانت التحضيرات تجري على قدم وساق للتجهيز لعقد جلسة الحكومة في قاعة صغيرة بقرية زراعية صغيرة، كانت قوات حرس الحدود الإسرائيلي تمشط الحدود الشرقية كعادتها اليومية. جالسين أمام مساكن من الخيش والصفيح بعد ساعات من القرار الإسرائيلي، يقول رجال من المنطقة، إن إسرائيل ضمت الغور عمليا.
وطيلة سنوات تحدث الفلسطينيون عن جهود إسرائيلية واسعة لطبع الغور بطابع يهودي.
من على قرب تظهر مبان إسرائيلية للعيان أقيمت بعد حرب عام 1967 في أول مستوطنة زراعية في الضفة الغربية. وبالقرب يعمل معبر إسرائيلي أقيم على مقربة من حدود جديدة أقامتها إسرائيل ببطء ورتابة.
تظهر المنطقة هادئة، وليس ثمة الكثير من الراجلين على جانبي حدود الصراع 'نحن سندافع عن الأغوار، نعمل كل جهد ممكن لإيقاف التمدد الإسرائيلي'، قال وزير الاقتصاد جواد الناجي لوكالة 'وفا'، قبل انعقاد الجلسة الحكومية بساعات. وتداعى متحدثون فلسطينيون إلى إدانة القرار الإسرائيلي.
لكن على ارض الواقع تستمر إسرائيل بالبناء وترسيخ الطابع اليهودي في المنطقة. من عين البيضا ذاتها، يظهر عمال يعملون على توسيع البقعة الزراعية في مستوطنة قريبة، وآخرون يعملون في المنطقة الحدودية المخرمة. ويقول الفلسطينيون إن إجراءات إسرائيل في المنطقة باطلة. وقال ناجي' مهما اتخذ الإسرائيليون من قرارات وخطوات ذلك أمر يعود لهم، نحن لا نهتم لهذا. عند قيام الدولة الفلسطينية يجب أن تكون حدودها وفق حدود حزيران عام 1967 على طول الغور الذي يشكل التقاء الحدود الشرقية مع الشمالية الشرقية الوضع هش جدا'.
يردد المعنى ذاته سياسيون فلسطينيون آخرون. وأي تغيير جديد لن يكون في صالح الفلسطينيين الذي لا يملكون قوة التغيير في مساحات واسعة من المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل تحت بند السيطرة الكاملة حسب اتفاقيات أوسلو المرحلية. وقال رئيس جماعة الهيدرولوجيين وهي منظمة فلسطينية تعمل على تنفيذ مشاريع مياه في الغور' عندما تدخل المنطقة. يمكنك النظر أين تجد نفسك، أنت تشعر انه في أحياء إسرائيلية'. ولا تظهر إشارة الهاتف النقال للشركات الفلسطينية بشكل مستقل في المنطقة، فعند بداية السفوح الشرقية تنقطع وتتحول إلى شركات أخرى.
وعلى طول الشريط الممتد على مسافة عشرات الكيلومترات يمكن الاستدلال على هوية المنطقة من خلال لافتات مقامة على شوارع تفضي إلى مستوطنات إسرائيلية ذات أحياء جديدة.
وقال ناجي 'نحن دائما نولي الغور أهمية متقدمة. لقد أنجزنا الكثير من المشاريع (..) نحن ندفع المستثمرين للعمل في المنطقة'.
على ارض الواقع يبدو الاستثمار الاستيطاني طاغيا، فالدولة العبرية ألقت بثقل جهدها لتغيير ملامح المنطقة، منذ اليوم التالي لاحتلال الضفة الغربية عام 1967.
يحمل فيها وزير الخارجية الأمريكية رؤيته الخاصة تجاه هذه المنطقة، قد تكون البدء بالتفكير بإنشاء سلطة إدارية مركزية في الغور تشبه سلطة وادي الأردن الأردنية، وتعمل على مقاومة مشاريع سلطة غور الأردن الاستيطانية.
نفسه، التميمي دعا إلى البدء بإنشاء هذه السلطة، التي تتولى تنفيذ خطة شاملة لتطوير المنطقة. 'نحن قدمنا سابقا مشروعا متكاملا نريد تخطيط مقاوم (..) الآن نريد أن نخطط لأسباب سياسية'.
وقال ناجي 'الحكومة ليست ضد أي فكرة لإنشاء أي مؤسسة تساعد في تطوير المنطقة (..). الحكومات السابقة تدارست مثل هذه الاقتراحات، وحتى يتم ذلك نحن نتحمل مسؤولياتنا'.
وأي اقتراح للبدء بتطوير المنطقة، يبدو نسبيا حلما بعيد المنال.
واقفا فوق ركام مسكن هدم الشهر الجاري مرتين قال عارف دراغمة الذي يدير مجلسا محليا لمضارب الرعاة والمزارعين في المنطقة، لم تسمح السلطات الإسرائيلية ببناء مقر له 'لن يسمحوا بتطوير المنطقة. حتى لن يسمحوا بدق وتد لربط هذه الخيمة'.