ثمة طائر أزرق في قلبي- تشارلز بوكوفيسكي*- ترجمة: عبود الجابري**
طائر أزرق
ثمَّة طائر أزرق في قلبي
يهمُّ بالخروج
لكنني أقسو عليه
أقول له:
إبق في الداخل هناك
فلستُ أسمح لأي أحد أن يراك،
ثمة طائر أزرق في قلبي
يهمُّ بالخروج،
لكنني أرتشف الويسكي
وأستنشق دخان السجائر معه
دون أن تعرف العاهرات
سقاة الحانة
وعمّال المخازن
إنَّهُ في الداخل هناك
ثمة طائر أزرق في قلبي
يهمُّ بالخروج،
لكنني أقسو عليه،
أقول له : إبق هادئا،
هل تريد أن تثير جنوني؟
وتقود أعمالي الى الفشل؟
هل تريد أن تحرق مبيعات كتبي في أوربا؟
ثمة طائر في قلبي يهم بالخروج
لكنّني ذكي جدا
فقد سمحت له
بالخروج ليلا وحسب
في بعض الأحيان
عندما يكون الجميع نائمين
أقول له:
أعلم أنَّ مكانك هناك
فلاتحزن
ثم أعيده ثانية
لكنه يقتصد بالغناء هناك
فأنا لم أمنحه فرصة أن يموت تماما
وننام معا
بحالتنا هذه
مع صندوق أسرارنا
وإنَّه من الجميلِ جدّاً
أن تجعل رجلا يبكي
لكنّي لاأبكي
...
...
هل تبكي أنت؟؟
ثلوج إيطاليا
على الإذاعة الآن
يتعالى صوت الأورغ المجنون
ثمَّة راهبٌ
يثمل في القبو
و يتحدث الى الله بطريقة مختلفة
حيث يتأرجح العقل
ابصر شموعا
ورجلاً لديه دبٌّ أحمر
كأنه إله بلحية حمراء
وثلوجاً تهطلُ
إنها ايطاليا
باردة
حيث الرغيف يابس
ومامن زبدة
النبيذ فحسب
النبيذ في القناني الأرجوانية
بأعناقها
التي تشبه أعناق الزرافات
كان صوت الأورغ يتعالى ثانية
كما لو أنَّ العازف يغتصبه
حين يعزف عليه كالمجنون
الدمٌ والبصاق يملآن لحيته
يريد أن يضحك
لكنه لايجد وقتا لذلك
الآن حيث أحلامه المرهقة
نعم ،
والقداسة كذلك
فالشمس تأفل
وأصابعه تتباطأ
رجل يسعى الى قرينه
الى الجبال
الفيلة
النجوم
فيما الشمعة تسقط
لكنها تمضي في اضاءة ماحولها
وبركة من الشمع
تلمع في عيون الراهب الأحمر
طحالب على الجدران
وفكرة تشعر بالعار والخذلان تنتظر
الموسيقى تأتي ثانية
كنمور جائعة
وهو يضحك
كطفل أبله
يضحك على لاشيء
هي الضحكة الوحيدة التي يدرك معناها
يحمل المفاتيح الى الأسفل
كمن يريد أن يقفل كل شيء
الغرفة تزدهي بالجنون
وهو يتلاشى
يتلاشى
ثم يجلس
لهب الشمعة يتراقص
مرة الى الأعلى
ومرة الى الأسفل
ثلوج ايطاليا
هي كل ماتبقى
بعد غياب جوهر الصورة
ها أنذا
أراه يقرصُ الشموع بأصابعه
وثمَّة فزعٌ
يلوِّن حواف عينيه
بينما الظلام يغزو الغرفة
كما كان كلُّ شيء
دائما
كيف حال قلبك؟
قناعة حقيقية،
تلك التي كنت أحملها
خلال أسوأ أيامي
على مقاعد الحدائق
في السجون
او خلال معاشرتي العاهرات
لايمكنني أن اسميها سعادة
فقد كانت راسخة
في كل ما حدث لي
أكثر من توازن داخلي
أعانني على تدبير الحياة
وعندما خابت علاقاتي بالنساء
أعانني في المشاجرات
والأفراط في الكحول
في الأزقة الخلفية للمستشفيات
لكنني عندما استيقظتُ في غرفة رخيصة
في مدينة غريبة
انتفضت على جنون هذه القناعة
وقطعت الأرض
صوبَ مزيِّنٍ عجوز
حاملاً مرآتي المتصدعة
مبصراً نفسي
قبيحا
ابتسم لكل شيء
واكثر ماكنت أكترث له
هو كيف كنت أسير على النار؟
تحوُّل
ليس من الصعب
أن تمزِّق قصيدة ركيكة
لكنه أصعب كثيرا
من أن تنبذ امرأة
كانت صالحة ذات يوم
لكنها تحطمت بسبب المخدرات
وأصبحت شيئا جافا ومهشما
أين ذهبت ولماذا ؟
ليس من الصعب أن تمزق قصيدة ركيكة
فربما تستطيع
أن تكتب واحدة أفضل منها
هل هناك على الدوام
سببٌ لتحطُّم الإنسان؟
بالطبع
بالطبع
بالطبع
لكن الحزن هو ذاته تماما
والسخرية أكثر الأشياء قبحا
في هذه المدينة
وبقية المدن
التي يعقد فيها الموتى
صفقاتهم مع الموت
مديح لجحيم السيدة
بعض الكلاب يجب أن تحلم بالعظام
حين تنام ليلاً
وانا أتذكر عظامك المكسوة لحما
بشكلٍ أوضح
في الرداء الأخضر الداكن
والحذاء اللامع ذي الكعب العالي،
ملعونة أنت حين تكونين ثملة
شعرك ينسدل كما لو انه يريد الأنفجار
ماالذي يعيدك إليَّ ؟
ذكريات الماضي الفاسد
تلك التي تملَّصتِ منها بالموت
لتتركيني مع حاضر فاسد؟
ميتة أنت منذ 28 عاما
ولاأزال أتذكرك
اجمل من أي شيء آخر
كنت الوحيدة التي أدركت عبث ترتيب الحياة
بينما الآخرون شرائح فاسدة
تجرعتها على مضض
يحكمون على الهراء باللامعنى
(جين)
قتلتك المعرفة
و هذا شراب لعظامك،
تلك التي مازال الكلب يحلم بها.
* شاعر وروائي أميركي راحل
** شاعر عراقي مقيم في الاردن