مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

وقلبها لصهوة الأرصفة !- رجاء بكرية


"حين تحسه قريبا من موج شوقها تدهن قلبها بصمغ البعد. هكذا لن يفكر بالدخول، سيلتصق تراب قدميه بالعتبة. تقصيه عنها بدهاء امرأة مجربة. تستفزه، فيحتال عليها"
هي بدايات سنة عاشقة. تطلق فيها الريح قلبها للصهيل، وحنين مباغت لأول شهقة، وأول كلام طيرته العاصفة أساطيل طيارة بين الغيم والوريد. ألعطر الأول والقرنفلة الأولى النامت تحت صقيع الليل. وانتظار أول صباح، وهو يفاجئ بارتباكاته الجميلة حول أول تحية: "عطر عصي على الإرتياب، يمتطي صهوة الأرصفة.تمنيت لو كنت فيك مجرد خطوة". تحية غير معرفة، تتواطأ مع المطلق لتنجو من رغباتها.
اعترافات الرغبة
 هجس قلبي خلفك. أتراجع أحيانا، لكنني أعود عاصف الروح أقبل نقنقة الحمام الذي يزجل من شق نافذتك " البردانة". أقبل قلبك حينذاك، وخد يخيل إلي أنه رسم مدينة تشبه حيفا، أو ربما رسم الأسوار التي لعكا.
تقولين أذهب إلى هناك كي أنتقي برجا يناسب لمراقبة الحلم.أراك من هنا تقربطين بعنق البرج الأخطر. أخاف قليلا عليك، لكني أهدأ دائما لأنك امرأة ألحقت هزائم بالخطر. أبتسم لك الإبتسامة التي تحبينها، وأضحك أحيانا الضحكة التي تسمينها ضحكة العسل. أسجل ملاحظات طويلة على خراطيشي كي أمررها مغمض العينين حين ألمحك داخل علبة الكلام. أغلق عليك لهفي وفقدي، وأحاصرك بالورد. أعرف كم يضعفك الورد الأحمر، وظهوره في حالة دوخان..
 "كأنه يدور عني"، قالت وهي تستعرض نزهات الورد الطويلة والخاطفة. "حين ترسله إلي مفككا على تلك الحال أتذكر حكايا كثيرة كانت تفيض بها عمتي حين كنت طفلة قبل النوم. كانت تشرق ريقها بشدة وتغمض عينيها على طقس سحر. تدور بي الغرفة وبها وبمدفأة الحطب. هكذا تبدو نزهات وردك نزهة فيض. ليست لدي تسميات أجمل تليق بانتشاء الورد. هل أخبرتك أن الرجل الذي همت بقرنفله دوخ الورد وشوكه لكثرة ما نسج أردية للغياب؟".
لا يحب الغياب أن يلاعبوه، قلت. ولا أحب أن يلاعبوا وردي، قلت. أنت وهو إذن صديقان، أضفت. جربي أن تعلقي وردة من النوع الذي يدوخ على منشر غسيل، بعد ذلك أطلي على حبقي وخبريني ماذا تهمس البتلات للورق. وسوف تفهمين حينها كيف يعود الغائب إلى حاضره، وينتعش قلبه.
ضحكت لأول مرة منذ بدأ يسرق الكلام ويتفكك داخل رسغ زرها. اختطفه همس امرأة غارت من صباحاتنا!،قالت، وغادرت منشرها.
اعترافات الدهشة
 لكن الذي يحدث حين تلمعين داخل علبة الكلام أنك تخرسين قلبي عن نق حكايته، وتسترجعين الحمام، كأنه مشدود إليك بسلاسل ثرثراته الصباحية. ألمحه منسجما مع ثرثراته، وأنت تنعفين الحلم على ريشه وتلمعين بكوعك مناقيره. حرفة النثر ممهورة بصوتك، هكذا يقولون، ناثرة بامتيار. أعجب بعدهم، كيف يقولون ناثرة وأنت قاصفة بامتياز! بخبث تضيف، "لا يعرفون! ناثرة حب بامتياز"
يقلم أجنحة الحمام بمقص الورد، ويتهمها بالقسوة. يخبرها ألا تكون قاسية مع ريشها. لا يصدق أنها لا تنتف ريش الحمامات البيض، وأنها تعرف فقط كيف تهدد تيجانها بالمعط إن عادت أيام الآحاد إلى إيقاظها من النوم. "هذه الحمامات تترك نوافذ الناس، وتأتي إلي" احتجت عنه. ومنذ جاءت كف عشقها عن الكلام. أصبحت هي من يوشوش عنه. أصبح جواد خلف دائرة القلب، وأصبحت تحمحم الأبعاد التي نسيها تحت كعب حلقه. أحبته حب أبد وأحبها حب سبب. كعوب كثيرة سدد لحلق يماماتها العائدة من برية القسم. ولقد تفنن وقتا على شواطىء الدعابة. لفت انتباه الحمامات حين وصل. نسيها وبدأ يكاغيها كأنها الطفل الذي ينتظره. استغربت هي كثيرا، وحقدت على سرب الحمامات الذي أصغى بحرص إلى صوته وفزع لملاقاته. كانت حمامات إناث يزين عنقها طوق أرجواني. ظلت تغمز له وتغمره، يا لدهاء النساء !
لم تبرح مكانها. بقيت تختلس نظرات جانبية إليه وتفتنه بكحلها. وبقي هو ساكتا على الكرسي يسترسل لموج السماء مرة ولموج كحلها مرة. فتنته الحمامات ونسيني. حين عدت إليه مع القهوة وجدتها في حضنه يلاعب ريش عنقها. تركته هكذا ما يزيد عن سبع دقائق. حين تركها فتش عن شعري كي يلاعبه فهربت إلى موج الورد الذي يكبر على شرفات البيت. طلبت إليه أن يغسل يديه من رائحة الزغب. ضحك ضحكة العسل، وهمس يستفزني، "تحرمينه، وكلك زغب" حذرته من بعيد، "زغب برائحة موج". بعيد رجفة عطر أخذت دور الحمامة على ركبتيه.
لم تناقش صمته، ولا ناقشت كلام أصابعه لشعرها. أحب الصمت كثيرا، خنقها صمته. صارت تحكي للحمامات أكثر مما تحكي له. وفي لحظة شوق قاصف قصفته. أرادت أن يفهم أنها لن تقدر على البقاء مع رجل يهيم بزغب الحمام وزغب النساء بنفس القدر والزاوية. بقيت امرأة تحب رجلا يهيم خلف الغيم مغررا بوهم.
لهفة
 تتذكره حين تستيقظ الحمامات صباحا وتدور حول نفسها، فتمسح قلبها بظاهر يدها وتتحصن داخل الملابس السوداء التي أحب أن ترتديها كلما خرجا إلى شوارع القهوة. حين تحسه قريبا من موج شوقها تدهن قلبها بصمغ البعد. هكذا لن يفكر بالدخول، سيلتصق تراب قدميه بالعتبة. تقصيه عنها بدهاء امرأة مجربة. تستفزه، فيحتال عليها:
 " ألاحق نظراتك السابحة في سماء متخيلة، وأسأل كيف تتبعثرين هناك. عبأت قوارير العطر التي فرغت في خزائن منافي بك، ملأت يا سيدة الورد، خزائني عطرا وهمسا. أستيقظ صباحا فأجد العطر يراشق القلب الغرام. العطر يثرثر والهمس ينكمش على دفء أخبئه تحت الوسادة. حين يباغتني حنيني لغمزة خدك أندفع نحوه. لكنه يحب أن يظل باردا. أنا أصدق هواجسي وأعتقد أنك كلما أصغيت إلى الحمام الذي يدور حول نفسه صباحا سيزداد يقين الرجل الذي فقدك بأنه لك. الرجال، يا سيدتي، يسحرهم هديل هذا الكائن الصغير في قلوبهم. وهن من سيعدنك إليه.
أنظري إلى قمصان الرجال الذين تصادفينهم سحابة اليوم. فوق القميص الذي يغيب مسافة القلب تقرفص يمامة تهدل دون توقف، بطوق براق جدا وفاتن جدا. دوري على نفسك كما يفعل حمام الصباح على حفة النافذة فجرا. ابتسمي له كلما تذكرك حين يستيقظ، تكسبين ليله، أما أنا، فسأنتظر انشغالك بريشها وأطواقها، وأسجلك إيقونة على جباه القادم من لهفة.
بقيت أنت!
يتذكرك الحمام، وأنا أدور على نفسي معه. أخبرت الإناث أنك دائم السؤال عن دورانها اليومي حول صوتها. الأزهار عادت إلى إشراقها. تفتحت بكل ألوان الحياة. ولون الرجل الذي كنت أحبه ذاب. بقي منه بضع أصص حبر وأقلام صبار، وربما وردات تعرف أن عطرها سيتبعثر أشواق. هذا القلب، يا سيدتي ليس لك أنت. دعيه يكثر من لحظات الفقد حتى يعثر عليه البرد.
 ....... عاد الحمام إلى نقر الحب الأصفر عن عنقها، كأنه السنبلة الوحيدة التي يحتفظ بها الحقل للحصيد.

 

 
 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024