امهات على قارعة الانتظار ..توفيق عبد الفتاح
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بدت عليهم الحسرة التي اعياها الانتظار على قارعة الزمن حتى بات الزمن مقولة متجمدة تحمل دلالة واحدة.. وهي الانتظار والانتظار وثم الانتظار..
امهات ضاعف الشقاء والوجع سنوات العمر المثقل بالهم والقلق والحنين، تقدموا الصفوف في مهرجان الوفاء .. فتلك هي ام كريم..وتلك ام ابراهيم..وهذه ام صالح التي تغيبت بعد ان اقعدها المرض وحسرة الحنين، وام وليد، وام محمد ..وذاك القابع لا ام ولا اب ولا اخ او اخت او ولد ..وحيدا على عتبات الانتظار.. -ابراهيم ابو مخ-؟
جميعهن امهات جمع بينهن المصير والوجع الواحد و الانتظار ثلاثة عقود واكثر من زمن سئم الانتظار.. ملامح واحدة..حكاية واحدة ووجع وجرح واحد..مأقي انكوت بدموع الحنين الحارقة حتى اطفأها الزمن ، وجوه حفرت على اخاديدها تجاعيد السنون مأساة وحكاية شعب واسير نشد الحرية وذاق الامرين ولم تتوقف حدودها عند جدار ..ولا عند هوان لحظة تاريخية انكفأت بها ثورته.. امنوا بانها لحظات عابرة وانهم وقودها وروادها..لكنها الأم التي انتظرت ولدها دهرا.. وربما شارفت على الفراق الابدي.. يلتهم الجمر كبدها حنينا وحسرة لتحتضن ولدها للحظة قبل الرحيل.. حتى ان بعضهن لم تعد تسعفها الذاكرة المشروخة بعد ثلاثين عاما من جمر ووجع الانتظار ان تتعرف بسهولة على ولدها..
ليس من اليسير ان تحدق في عيون طفولية منهكة مستنجدة ومتوسلة.. افئدة امهات محترقة..لانه ليس الغياب او السفر العادي ..بل ذاك هو الموت اليومي و تلك هي قبور الموت البطيئ..عيون امهات تحدق بالمتحدثين على المنصة تنظر للحشد القادم من المثلث والجليل والنقب والمركز وكانها المحطة الفاصلة والمواساة الوحيدة والامل الاخير..الان الان وليس غدا -الحرية لابطال الحرية.
امهات تهالكت اجسادهن كما ذابت افئدة اعياها الحنين والانتظار.. على ابناء اسرى، مر ربع قرن واكثر على اسرهم دون افق..
اسرى يئنون تحت سياط الجلاد.."وشمس الحرية" تصب قصديرها المصهور على اجسادهم المتهالكة وارواحهم المعذبة" وينهش خبث المرض "وحميده" اجسادهم المتاكلة في رطوبة الزنازين المتعفنة ،اطراف تتداعى واكباد تذوب وامعاء تتلوى وعيون مكفوفة تفقد البصر..حتى ان بعضهم لم يعد يرى و يعرف من اعزائه واحبائه سوى همسات الاصوات ونحيب الامهات.. يترنحون تحت وطأة الجرح النازف والوجع المؤبد.. يكابدون المر من الوجع بالارادة والصبر والبصيرة حتى من فقد منهم البصر.. يلملمون الجرح ويستنهضوا الارادة ويجترحون معجزات البطولة..يقحمون لحمهم وارادتهم وامعائهم سلاحا اخيرا في مغامرات محسوبة- اما الحرية او الشهادة-ينهلونها من ارث العذابات و من قاموس الكفاح وعزم الارادة..اما ان تكون او لاتكون.. يجترحون ابجديات ومعاني اخرى تثري قاموس الحركة الوطنية الاسيرة وانشودة الصمود ..لكنهم الاجدر بالفضاء الرحب و هم ينشدون الحرية لاسيما وانهم اسراها..لانهم ارادوا صرختهم ان تدوي في كل بقاع الوطن لتقترب لمسامعهم نسائم و ايقاعات الحرية القادمة من بعيد البعيد لتكون قاب قوسين او ادنى من فضاء الوطن..