من فلسطين.. هنا اليرموك
في مخيم اليرموك تتعدد صور الموت، وتوفير المأكل والمشرب أصبح هم ساكنيه الأساسي ليسد به جوع الصغار والكبار، والحصار الكلي المطبق على المخيم جعل من البرد القارص والجوع ضيفا مقيما.
في مخيم اليرموك الأطفال والنساء دون معيل أو من يرفق بهم، لا يناجون سوى الله في ظل الصمت الدولي المطبق حيال ما يحدث، وأصبحت فيه لغة الموت والدمار والحصار وحدها تتكلم.
'من فلسطين إلى مخيم اليرموك'، شبان وقفوا معلنين أن 'شعبنا واحد ورسالتنا واحدة، وإن كان أهلنا في اليرموك بضيق ولا يجدون من يغيثهم، فنحن أولا بهم'، مطلقين حملات إغاثة على مستوى الوطن لتجميع المعونات الإغاثية والطبية والغذائية ليتم إرسالها بشكل عاجل لهم، وخلق رأي عام ضاغط للتحرك بجدية من أجل فك الحصار عن المخيم.
عبد الله الخطيب ناشط إعلامي من مخيم اليرموك، تحدث مع 'وفا' عبر تقنية 'سكايب': 'لو أن من يحاصرون المخيم يستطيعون منع الهواء عن الأهالي لمنعوه، مشهد الأطفال وهم يموتون دون أن تستطيع فعل شيء لهم، مفجع بالنسبة لنا، فما يقارب 39 شهيدا ذهبوا إلى ربهم جائعين، نتيجة الحصار الكلي المفروض منذ أكثر من 200 يوما'.
ويضيف الخطيب: 'مخيم اليرموك من أكبر المخيمات الفلسطينية في الداخل والخارج، حيث تبلغ مساحته 2,110,000 كيلو متر مربع، بدأ المخيم منذ 26/12/2012 بالتعرض للاشتباك بين مختلف الجماعات المسلحة، فدمرت معالمه وسويت منازله بالأرض، وسقط من المخيم أكثر من 1900 شهيد، وحاليا يوجد في المخيم ما لا يزيد عن خمسين ألف نسمة فقط من أصل 900 ألف، وهو العدد الكلي لأهالي المخيم ما بين سوريين وفلسطينيين'.
ويشير إلى أنه تم إغلاق مداخل المخيم بشكل كامل منذ السابع عشر من تموز 2013، وبدأ الحصار يشتد يوما بعد يوم، وتم منع دخول المواد التموينية وحليب الأطفال والأدوية للسكان، التي بدأت بالنفاذ منذ مدة ما أدى إلى سقوط العديد من الأهالي شهداء نتيجة الجوع وسوء التغذية والجفاف.
لافتا إلى أن 'الناس بدأت تأكل من حشائش الأرض، وطعامهم يقتصر على الشوربة الخفيفة، وأحيانا يذهبون إلى مناطق مفتوحة لجلب 'الخبيزة'، غير أن العديد منهم يعود شهيدا نتيجة القناصة، الوضع هنا كارثي لم تشهدها البشرية مطلقا'.
يحاول الخطيب ومن معه من الشباب الذين مازالوا داخل المخيم التواصل مع العالم الخارجي عبر عملهم الإعلامي، بإمكانياته المحدودة، وتشهد المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي يوميا أخبار وصور وفيديو تظهر ما يعانيه أهالي مخيم اليرموك من ظلم ومأساة نتيجة ما يتعرض له.
يقول الخطيب إن 'العتب كان كبير على الشباب الفلسطيني، حيث كان حجم التضامن والتفاعل مع اليرموك ضئيلا منذ بداية الحصار، غير أن الحراك الشبابي وخاصة الإعلامي الذي تشهده فلسطين مؤخرا بث فينا روح الأمل من جديد، وجعلنا على يقين بأننا لسنا وحدنا، وهناك من يساندنا في هذه المحنة العصيبة'.
ويضيف 'هذه الحرب خلقت نوعا من التواصل الفعال والقوي مع الصحفيين والمتضامنين داخل فلسطين والعالم، ويوميا يقومون بإرسال رسائل تضامن تقوي عزيمتنا وتجعلنا قادرين على الاستمرار في دفاعنا عن المخيم'.
ومن فلسطين حملات إغاثية عدة انطلقت، في محاولة لتقديم أبسط ما يمكن تقديمه لأبناء شعبنا في مخيم اليرموك، الذين شردهم الاحتلال مرة، وشردتهم الحرب في سوريا ثانية.
تقول الناشطة الاجتماعية حكمت بسيسو المشاركة في حملة 'أنقذوا مخيم اليرموك' و'قاوم'، 'هذه الحملات تهدف إلى إرسال رسالة لأهالي مخيم اليرموك بأن شعبهم في فلسطين والشتات يقف إلى جانبهم، ويساندهم معنويا'.
وتضيف 'إضافة إلى إطلاق حملات الحراك الشبابي على الأرض، إلا أن مجموعة كبيرة من الصحفيين أخذوا على عاتقهم إطلاق أكبر حملة إعلامية تضامنية مع المخيم، حيث بدأ التحضير للحملة قبل حوالي أسبوعين، تشمل بث موجة مفتوحة عبر أكثر من خمسين إذاعة تعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة'.
وأشارت بسيسو إلى أن البث الموحد الذي سيحمل اسم 'هنا اليرموك' يهدف إلى تعريف المواطنين بما يتعرض له المخيم من حصار وقتل وتجويع، حيث يسقط كل يوم شهيد جديد بسبب الجوع، موضحة أن الصحفيين قاموا بإعداد تقارير إخبارية مصورة ومكتوبة ومسموعة ونشرها عبر وسائل الإعلام.
وبيّنت أنه تم إعداد 'سبوتات' إذاعية وتلفزيونية تتحدث عن شهداء المخيم، وما يتعرض له يوميا، وتم البدء ببثها بشكل متكرر منذ منتصف الأسبوع الماضي، لتذكر الناس بمأساة اليرموك، حيث يمنع إدخال الطعام والشراب للسكان.
ولفتت إلى أنه ورغم أن هذه الحملات 'جاءت متأخرة إلا أنها استطاعت تحريك الشارع الفلسطيني ولفت الانتباه لما يجري لأبناء جلدته في مخيم اليرموك في سوريا، واستطاعت الحملة الوصول إلى العديد من دول العالم عبر علاقات الصحفيين الخارجية، لتفعيل دورهم للتضامن مع اليرموك'.
وقالت بسيسو: 'إن المواطن أصبح مشغول بالحياة الشخصية، ومسألة التفاعل مع الحياة العامة ومع ما يجري على الساحة ضئيل جدا، الناس بعيدة جدا عن قضاياها، غير أننا وعبر بث معلومات متكررة ويومية عن اليرموك من حيث الشهداء، وعدد النازحين يجعل المواطن مجبرا على التفاعل مع القضية'.
واعتبرت أن على وسائل الإعلام رصد النجاحات التي يحققها النضال الفلسطيني وعدم التركيز على السلبيات والأمور التي تسبب إحباطا للمواطنين، وهذه مسألة مهمة وكفيلة برفع معنويات الشعب، الشباب التي تنشط في هذه الحملات هم أنفسهم من نصروا الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية، وكل يوم ينضم شاب جديد لهذا الحراك وهذا بحد ذاته إنجاز'.
وأضافت: 'عندما تم طرح قضية اليوم الإعلامي على الإذاعات ومحطات التلفزة، لم نواجه أي رفض، بل على العكس وجدنا جميع الأبواب مفتوحة أمامنا بعيدا عن التنافسية لأن الجميع آمن بالفكرة والرسالة والهدف، عدم السكوت عما يحدث في اليرموك يبعث برسالة إلى العالم أننا لا نسكت عن حقنا وسيجعلهم يفكرون كثيرا قبل المساس بأي لاجئ أو أي مخيم'.
وانتشرت حملات التبرع لمخيم اليرموك في كل محافظات الوطن.
في رام الله، على سبيل المثال، ترك أحمد أبو ضحى (28 عاما) أعماله وانشغالاته، ليتطوع وزملاء له في تنظيم حملة 'شتاء دافئ' عبر جمع الملابس والأغطية، ودمى الأطفال والأحذية التي تقوم العائلات بالتبرع بها لصالح النازحين من سوريا.
وفي مركز 'بلدنا' وسط رام الله، مئات من الأكياس الممتلئة بالملابس استطاع أحمد برفقة مدير الحملة زياد الطريفي، جمعها خلال حملته التي بدأت بتاريخ 28/12/2013، وتستمر لغاية 18 الجاري، حيث تم التنسيق مع منظمة الصليب الأحمر الذي أعطى موافقته على نقل هذه البضائع إلى مخيمات اللجوء السورية في الأردن، خاصة وأن هناك تجمعات صغيرة للاجئين لا يتم ذكرها كثيرا في الإعلام، ولا تتلقى المعونات الكافية.
يقول أحمد إن هناك تجاوبا واضحا من قبل المواطنين مع هذه الحملة، كما قامت محافظة رام الله والبيرة والبلديات بتسهيل عمل هذه الحملة، ويتم التواصل يوميا مع الجامعات والمؤسسات حتى يتم جمع كميات أكبر من الملابس والمعونات والأغطية.رشا حرز الله
وفا