إلى الشهيد حسان حسان... الينا- أيهم السهلي
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بعد انتهاء عرض مسرحيتك «سوكة» التي كانت من تأليفك وإخراجك، خرجنا عدة أصدقاء كما أذكر إلى منزلك، إلى سطح بيتك، والغرفة الضيقة، كان العرض في مركز «حلوة زيدان»، أظنك تذكر جيدا، تكلمنا كثيرا، وكلنا أبدينا آراءنا بالعرض، لكننا أجمعنا جميعا، على أن المخيم بدأ يتحول إلى فلسطيننا الخاصة التي لا يمكن أن تحتل مرة أخرى، لكن المخيم يا حسان احتل. أذكر يومها تعليقك كم كان مؤثرا، قلت لي إن الوطن هو أول الأشياء، حدثتني عن قبلتك الأولى خلف بوابة بناء داخل المخيم، أول مظاهرة هتفت بها لحق العودة، الهتاف.. المظاهرات.. كم كانت تلك الأيام جميلة حين كان العدو معروفا. خلال اجتياح الضفة قبل سنوات، خرجنا مظاهرة كبيرة جابت كل المخيم، كان كل شباب اليسار الفلسطيني يسير بمظاهرة الغضب تلك، يومها أطلقت هتافا زلزل المخيم «الله الله إذا في الله احمي أهلي برام الله»، هتاف استفز البعض وأنت وحدك استمررت تهتف به ونحن معك نردده، كان الغضب أكبر من أن يوقفنا عن ارتكاب «المحظور» في المخيم الذي لم يستطع أن يظل يساريا بطباعه، ولا أن يصبح إسلاميا تماما، ظل يروح بين الهنا والهناك.
سأكون مثاليا وأنتظر عودتك يا صديقي من غياب قسري صرت فيه، سأنتظر تلك العودة يا حسان، لنستقبلك نحن هذه المرة على مسرح الوطن المستحيل، وطننا المتعب والمثخن بالجرح.
حسان.. لن أنتظر ممثلا يصدق في كلمته مثلك. لقد كانت خشبة مسرحك، الشارع، وأزقة المخيم، وكنت تقول كل الناس في سخريتك المرة، ضحكت مع الجميع، وبكيت مع الجميع، وأشعلت سيجارتك من ألم الفقراء الذين ما استطعنا انتشالهم من لعنات هذه الدنيا الصاخبة بالكذب..
سننتصر معا لغربة طويلة مرت علينا، وها هي تتجدد بشكل جديد من الضجر المقيت، والموت الذي بات شكل ذاكرتنا الجديدة، ذاكرة امتلأت بغيابك، وغياب الكثير من الأصدقاء، والكثير من اللاجئين، وأبناء الوطن المضياف سوريا التي أحببناها، وكبرنا فيها على سلم الصعود إلى الحلم.
حسان..
كنتَ موعودا بالذهاب إلى فلسطين، ولم تنجح تلك المحاولة، فلم يصدر لك التصريح اللازم لدخولك بلادك، أو الجزء من بلادك.. لم يزعجك ذلك، كنت تؤمن يا صديقي أن عودتك هي العودة مع كل أبناء المخيم، أو بالأصح، عودة المخيم إلى فلسطين، وإقامته هناك. ذهبتُ يومها، افتقدتك، افتقدت سخريتك من واقع فلسطيني بشع، لو رأيته، لو رأيتَ مسرح «الحرية»: لو رأيت صورة جوليانو مير خميس، كنت صرخت، صرخت حد الوجع من ألم الوطن البعيد.
عرفنا بعضنا، قبل سنوات طويلة، في مركز «جفرا» الذي كنتَ أحد أركانه الأولى، يومها رأيت في روحك، زياد الرحباني، وتأثرك به، كنت شغوفا بتلك الشعبوية في مسرحه، لم تتقمص شخصه، حملت أفكاره التي هي أفكارك أيضا، فكر التحرر، فكر كرامة الشعوب، كنت يساريا عنيدا، كما كنت يمينيا حين يحتاج الناس إلى من يتكلون عليه حين العجز الأقصى.. حين لم يكن هناك من الواقع من يستندون إليه، في غياب الفصائل والعمل الفلسطيني الفاعل على الأرض، إلا من شباب حملوا ما على المؤسسات الفلسطينية الكثيرة جدا، حمله.. ولكن هيهات..
لن نتوه، ولن نتراجع عن حلمنا، «سبع دقائق تكفي»، مسرحيتك التي خطها صديقك متولي أبو ناصر، قدمتها على أكثر من مسرح في دمشق.. قدمت المخيم.. حين قلت عن ذاك الشهيد الذي تنافست الفصائل على وضع علمها على نعشه، بينما لم تتذكر أن تضع علم فلسطين الذي هو فوق رؤوسهم جميعا، وفوق كل كذبهم وصدقهم إن صدقوا، الشهيد الذي استشهد في العراق.. أنت اليوم الشهيد الذي دثرته دمشق، والفصائل ذاتها التي تنافست على ذاك الشهيد لأنها تفرغت من مضمونها، لا تتجرأ اليوم للسؤال عنك، ولا وضع رايتها على نعشك..
لن نتوه يا صديقي، سنجد الطريق مجددا، ونتابع ذاك الحلم، الذي آمنا به، حبنا للحياة، رغم الوجع. رغم القتل الحقيقي الممارس علينا، منذ ولدنا، من كنا لاجئين إلى أن أصبحنا شهداء المخيمات، أحياء وأموات.
سنغني مجددا للشيخ إمام، ونغني «اتجمعوا العشاق بسجن القلعة»، وسنغني معا «النصر قرب من عينينا»، سنغني لأننا يا صديقي، حين رقصنا في عرسك، لم نرقص فقط لأنه عرسك، رقصنا لأن الفرح مهنتنا الحقيقية.. سنفرح بك أيها الشهيد، حين ننتصر لك أيها المخيمجي الجميل.
حسان، الرثاء صعب، الكتابة عنك أصعب بكثير، لم أستطع الكتابة عنك، ربما الكتابة للجميلين، هي أصعب أنواع الكتابة. الحقيقة إن الكتابة عن الألم بالمباشر هي الألم الحقيقي يا صديقي.
حسان حسان كاتب ومخرج مسرحي فلسطيني من أبناء مخيم اليرموك. قدم مسرحية «سبع دقائق تكفي» مونودراما، من تأليف الكاتب الفلسطيني متولي أبو ناصر. وقدم مسرحية «سوكة» من تأليفه وإخراجه. وهو أحد أعضاء فريق «ردّ فعل»،وهوتجمّع فنّي أسسه فنانون شباب في مخيم اليرموك، يعرضون من خلاله اسكتشات فيديو عبر «اليوتيوب»، تقدم واقع المخيمات الفلسطينية في سوريا. قدم حسان مجموعة أعمال فنية تحت عنوان «على هوى الحكي» بالمشاركة مع الفنان محمد نور أحمد (أبو غابي). وأسس مع شبان من أبناء المخيم أول إذاعة في اليرموك عبر النت، خلال عمله مع موقع «yarmouk.org». استشهد (2013/17/12) في الذكرى الأولى لنكبة مخيم اليرموك، على يد النظام السوري.