إنه أمر الثقافة
نعرف ونصدق أن السيف أصدق أنباء من الكتب، لكن السيف لا يكون كذلك دونما فروسياته النبيلة، دونما ثقافته الاصيلة التي هي ثقافة الشجعان التواقين للعدل والحرية، فإذا ما تجرد من هذه الثقافة وتخلى عنها، لا يعود السيف غير سيف للعنف والفوضى والقتل والارهاب، ولأن هذه الثقافة لم تعد حاضرة في حياة العرب اليوم وخاصة في "ربيعها الغامض" صار عندنا وبتخليق غامض ومشبوه ايضا: احزاب وقوى طائفية تتصارع علنا، من كتائب النصرة والقاعدة، وقبلها حزب الله وحزب الدعوة، الى جيش المهدي ومليشيا بدر، واخيرا وليس اخرا، داعش، التي يذكر تكوين اسمها بداحس والغبراء، هذه التي كانت من اطول حروب العرب القبلية في زمن الجاهلية ...!!!
هل الامر يتعلق بالثقافة حقا ..؟ بالتأكيد لأن الثقافة كهندسة اجتماعية قبل ان تكون هندسة معرفية، وكلما كانت اصيلة وانسانية ومتفتحة في ان، كانت هي السياج الحامي للمجتمعات ضد التفتت والتشرذم والاقتتال، خاصة بما تؤلف من منظومات اخلاقية، المنظومات التي تكبح جماح العنف وحماقاته، وحين تغيب ثقافة الشجعان بفروسياتها النبيلة، لا يحل محلها سوى اضطراب الوعي والهوية بصدور يملأها الغل والكراهية ..!!!
لهذا نرى قاتلا يأكل كبد القتيل، ورصاصا يجهز على جثة، وتعذيبا وحشيا يقتلع الروح، لهذا نسمع التفجيرات في الاسواق وفي الشوارع وبين البيوت، لهذا نرى الامة تأكل بعضها البعض وما من نهاية لمشهد الدم ...!!!
كيف ومتى وأين تاهت الثقافة العربية حتى لم تعد قادرة على حماية مجتمعاتها من هذا الجحيم الارضي المروع ..؟؟ بأي شيء استبدلت " بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خضر مرابعنا، حمر مواضينا "..؟؟ لم تعد الرماح العوالي تسائل احدا عنا، ولم يعد لنا لا ذاك السيف، ولا ذاك القرطاس، ولا ذاك القلم ...!!!
أفيقوا اثابكم الله وإلا فإنه العدم .
المحرر الثقافي للحياة الجديدة