إعادة السيف إلى غمده- الشهيد صلاح خلف" ابو اياد"
إعادة السيف إلى غمده
شهد العام المنصرم تغييرات عاصفة وغير متوقعة في النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونشهد الآن قيام توازن عالمي جديد لم تتضح معالمه بعد وسيتأثر العالم كله بما في ذلك الشرق الأوسط بالنظام الجديد
ورغم هذه الفترة المضطربة فإن الشعب الفلسطيني وممثله منظمة التحرير الفلسطينية يرون وجود فرص جديدة للسلام في الشرق الأوسط.
ومع نجاح حركة التغيير في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا وغيرها في إزالة النظم العفنة والمعتقدات المتحجرة، فإن شعب فلسطين جزء من هذه العملية التاريخية بالرغم من خصوصية الظروف والتحديات التي يواجهها.
ولقد طرحت عملية التغيير قضايا كبيرة مثل حق تقرير المصير والحرية وحقوق الإنسان، ولا يمكن للنضال الفلسطيني أن يظل معزولاً وسط بيئة عالمية تقر بتلك الحقوق لكافة الشعوب.
وضمن هذا الإطار فإن م.ت.ف تعتبر برنامجها السياسي الراهن القائم على القبول بدولتين فوق أرض فلسطين المتنازع عليها منذ قرن كامل، مضافاً إليه الانتفاضة غير العسكرية لشعبها في الأراضي المحتلة، أمرا متماشيا مع روح العصر، وينطلق قرار م.ت.ف بالاعتراف بإسرائيل والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على جزء فقط من أرض آبائنا وأجدادنا القدماء من اعتبارات براغماتية بحتة تتمثل في الانفتاح والاستعداد بالتخلي نهائيا عن الخلافات والتوجهات والافتراضات القديمة.
وتؤمن م.ت.ف بأن مبادرتها السلمية قد اخترقت " حائط برلين " الذي كان يقف عقبة كبيرة في وجه تسوية النزاع، وأضحت الآن مهمة كل الذين يسعون حقا للسلام توسعة ذلك الاختراق لإزالة الحواجز المتبقية في وجه حياة حرة ومسالمة للعرب واليهود في الأراضي المقدسة.
ولم تمر القضية الفلسطينية في تاريخها بظروف دولية ومحلية أكثر ملاءمة للتسوية في الظروف الراهنة، فقد خفت حدة التنافس الكوني بين القوى العظمى إلى درجة كبيرة، كما تم تخفيض سباق التسلح وأخطار الدمار النووي إلى حدها الأدنى وتظهر القوتان العظيمتان استعدادا للتعاون لتسوية النزاعات الإقليمية كما حصل في أفغانستان وانجولا وكمبوديا وغيرها، ويرى الغرب أن " التهديد السوفياتي " يكاد يزول تماما نتيجة التغييرات الداخلية العميقة التي يمر بها الإتحاد السوفياتي، ونتيجة لقيام السوفيات بإعادة تقييم لالتزاماتهم في العالم الثالث، كما أن الشيوعية كعقيدة تعيش في حالة احتضار في الوقت الذي يتم فيه إعادة التأكيد على القيم الإنسانية الأساسية.
ويرى البعض بأن حقبة الوفاق الدولي الجديدة والتغييرات المصاحبة لها ستؤدي إلى تخفيف الضغوط على إسرائيل للتوصل إلى تسوية، ولكن م.ت.ف ترى الأمور بشكل مختلف فرغم أن احتمالات وقوع حرب عالمية بسبب أزمة الشرق الأوسط قد تضاءلت، فإن استمرار النزاع سيولد بالضرورة أخطارا محلية على إسرائيل وعلى المصالح الحيوية للعالم الغربي في المنطقة.
ومن بين هذه الأخطاء العودة إلى التطرف القومي ( الواضح فعلا في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي )، وتصاعد الأصولية الإسلامية حتى في أوساط الفلسطينيين، وتزايد خطر الحرب النووية والكيماوية او البيولوجية ( خصوصا على ضوء جهود إسرائيل الهائلة في هذه المجالات )، وأخيراً زيادة عدم الاستقرار الداخلي في دول الشرق الأوسط المقربة من الغرب.
وقد لا يكون حل القضية الفلسطينية بمفردة كافيا لإزالة كل تلك المخاطر ولكنه بالتأكيد سيسهم إلى حد كبير في نزع فتيل التفجير منها، والأمر المؤكد هو أن غياب حل منصف للقضية سيضاعف من التوترات القائمة والمحتملة إلى درجة قد تصبح معها السياسات البراغماتية والعلنية المماثلة لسياسة م.ت.ف الحالية غير ممكنة وغير ذات معنى.
ويلقي هذا الوضع عبئا فريدا على الإسرائيليين الذين ما زالوا يعارضون التسوية، ويظهر الضرورة القصوى لاستمرارية مشاركة الولايات المتحدة في لعب دور بناء في عملية السلام، وتشكل سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية انتكاسة من حيث عودتها للنظام الفكري والسياسي القديم متحدية بذلك كافة التغييرات الايجابية التي تجري على نطاق عالمي، ولم تعد الفكرة القائلة بامكانية استمرار حكم كولونيالي إلى أجل غير مسمى لشعب مصمم على نيل حريته وتقرير مصيره بنفسه فكرة مقبولة أو قابلة للحياة مع إشراف القرن العشرين على نهايته، ولكن هذا بالضبط ما تقدمه خطة شامير، نسبة إلى رئيس وزراء إسرائيل اسحق شامير، للفلسطينيين في مقابل استعدادهم للتفاوض وإنهاء النزاع على أساس الاعتراف المتبادل.
التردد الأمريكي
ان الحقيقة المذهلة والمؤلمة في آن واحد لا تتمثل في موقف شامير وأمثاله من الاسرائيليين وإنما تتجلى في موقف الولايات المتحدة، وبينما بذلت م.ت.ف كل جهد ممكن من جانبها لإظهار حسن النية والمرونة تجاه الولايات المتحدة، نجد الأخيرة غير راغبة أو غير قادرة على الابتعاد عن المواقف والسياسات الإسرائيلية الرسمية الأكثر تطرفاً، وبدلاً من أن تصغي الإدارة الأمريكية للأصوات الإسرائيلية العاقلة من أمثال أبا إيبان وعيزرا وايزمن ويهشوفاط مركابي وغيرهم قامت بتبني خطة شامير بكاملها، والواقع أن الولايات المتحدة لم تظهر حتى الآن أي قدر من الحياد أو الإنصاف في تعاملها مع القضية الفلسطينية.
فقد وعد الرئيس ريجان علنا بحوار " بناء وشامل " مع منظمة التحرير عند اتخاذه لقرار إجراء محادثات أمريكية – فلسطينية في ديسمبر / كانون أول 1988م، ولكن في الحقيقة لم يتم بحث أي مواضيع جادة حتى الآن، كما ترفض الولايات المتحدة الإجابة عن الأسئلة الجوهرية في المحادثات في الوقت الذي قامت به إدارة بوش من جانب واحد بتخفيض مستوى الحوار الأمريكي – الفلسطيني.
ونتيجة لذلك فإن منظمة التحرير الفلسطينية ليس لديها أي تصور واضح أو عميق لسبب امتناع الولات المتحدة عن تأييد الحل القائم على دولتين في فلسطين، أو للأسباب الكامنة وراء اعتراض الولايات المتحدة على ذلك الحل، وهذه المسألة جوهرية بالنسبة لمنظمة التحرير، وبالتالي فإنها حريصة على توضيح أبعادها.
تشعر م.ت.ف بانها قد نجحت في إثبات نواياها الحسنة، وإن بإمكان الولايات المتحدة عمل المزيد لإثبات أنها غير مقيدة تماما بفعل علاقتها الخاصة بإسرائيل، ويأتي إحياء وتقوية الحوار في تونس ضمن السياق المطلوب، ولكن الأهم والأكثر واقعية ضرورة قيام الولات المتحدة بالتأكيد على موقفها الرافض لسياسة إسرائيل الاستيطانية في الأراضي المحتلة، واتخاذها لإجراءات تضمن وضع حد لكافة السياسات الاستيطانية في تلك المناطق تماشيا مع ما أعلنه جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا في مايو / أيار 1989م.
ومن المسائل الهامة الأخرى في هذا الصدد مسألة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي، ومن المعروف أن القضية المركزية في مجال حقوق الإنسان بالنسبة لأمريكا ولسنوات طويلة كانت ضمان حرية الهجرة للهيود السوفيات، ولكن في نفس اللحظة التي رفع فيها الاتحاد السوفياتي الحظر المفروض على هجرة اليهود السوفيات قامت الولايات المتحدة من خلال التنسيق مع إسرائيل بإغلاق أبوابها في وجه أولئك المهاجرين متجاوزة بذلك " حقوق الإنسان " والرغبات أو التفضيلات الخاصة للمهاجرين، ولقد اغتنم شامير فرصة وفود آلاف المهاجرين في تبرير تمسكه بسياسة " إسرائيل الكبرى " مستخدما إياها في الوقت نفسه كرد حاسم على المشاغل الديمغرافية " السكانية " التي تقوم عليها سياسة حزب العمل الأرض مقابل السلام ولا يمكن للفلسطينيين أن يصدقوا الولايات المتحدة بأراضيها الواسعة ومواردها الهائلة أنها تعجز عن امتصاص عشرات الالآف من المهاجرين سنوياً.
ولا يمكنهم أن يصدقوا كذلك أنه لا تترتب أية أخطار على توريد تلك الأعداد إلى إسرائيل، آخذين بالاعتبار ميل القيادة الإسرائيلية الحالية إلى توسيع نطاق تواجدها الاستيطاني " الكولونيالي " في المناطق المحتلة.
وكذلك لا يمكن للفلسطينيين أن يستوعبوا تأييد الولايات المتحدة لحق اليهود السوفيات في الذهاب إلى إسرائيل ومعارضتها لحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم، وبالتالي فإن م.ت.ف تدعو الولايات المتحدة إلى مراجعة قرارها بالحد من الهجرة اليهودية إليها نظراً لتأثير تلك الهجرة الخطيرة في حال استمرارها على النزاع وعلى آفاق السلام.
وان بادرة كهذه كفيلة بإظهار صدق النوايا الأمريكية تجاه الفلسطينيين بدون أن تؤدي إلى توتير العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، كما إن بادرة كهذه ستكون مؤشراً على تصميم الولايات المتحدة علىالابتعاد ولو بمقدار بسيط عن السياسة الإسرائيلية المتطرفة والمعرقلة للسلام.
ورغم أن هذا الأمر قد يبدو غريبا لأول وهلة، فإن لإسرائيل والشعب الفلسطيني أهدافا متشابهة يمكن التوفيق بينها، فإسرائيل تريد ان تكون سيدة مصيرها أي دولة مستقلة وآمنة تعيش بسلام مع جيرانها، ونحن لا نطالب لأنفسنا بأكثر من تلك الحقوق.
ان حكومة إسرائيل تؤمن بأن أهداف كل من الدولتين المقترحتين متعارضة وتنفي إحداهما الأخرى، فهي ترى بأن استقلال وأمن وسلام إسرائيل مسألة ممكنة التحقيق فقط في حال حرمان الفلسطينيين من تلك الحقوق أو في حال تقييد حق الفلسطينيين في تلك الأمور تقييدا شديدا ولكن الفلسطينيين يؤمنون الآن بأن مصير مساعي الشعبين للاستقلال والأمن والسلام متشابك أو متداخل فإما أن ينجحا معا أو يفشلا معاً.
وان خطة السلام الفلسطينية مبنية على ذلك الاعتقاد وعلى تلك القناعة، وتم تقديم تلك الخطة إلى إسرائيل في نوفمبر / تشرين الثاني 1988م بعد أن تبنى المجلس الوطني الفلسطيني وهو أعلى سلطة سياسية للشعب الفلسطيني، قرارات تدعو إلى حل يستند إلى قيام دولتين في فلسطين والى تقسيم أرضها بين الشعبين.
والخطة الفلسطينية بسيطة، ان إسرائيل ستعيش بسلام مع الدولة الفلسطينية التي ستقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، ان هذا الحل النهائي سيكون جزءا من اتفاق عربي – إسرائيلي شامل يحقق السلام بين الدولة الإسرائيلية والدول العربية، وبالتالي تزول هواجس إسرائيل الأمنية من ناحية ويتفرغ العرب لاستثمار مواردهم وطاقاتهم في بناء مستقبل مزدهر وآمن لأولادهم، وضمن إطار ذلك السلام الشامل سيكون الفلسطينيون مستعدين لتقبل أي ضمانات وترتيبات أمنية محلية أو إقليمية أو دولية لا تمس سيادة أي دولة من الدول المعنية.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تدرك أثناء تقديمها لخطة السلام الخاصة بها مدى الصعوبات التي ستواجهها والتي يأتي في مقدمتها ضرورة إزالة العوائق النفسية الموجودة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين قبل بدء أي مفاوضات جادة، ويدرك الفلسطينيون أن ما يزيد على نصف قرن من الكره والخوف وسفك الدماء مسألة لا يمكن تجاوزها بوثيقة واحدة أقرها مجلسهم الوطني، ولقد عبر العديدون في إسرائيل وفي الغرب عن شكوكهم تجاه نوايانا الحقيقية، ولا بد من التغلب على هذه الشكوك، سواء كانت مبررة أو غير مبررة، اذا أريد لحلقة الموت والدمار أن تتوقف، وكان ذلك هدف م.ت.ف الرئيس طوال العام الماضي.
ولقد عملنا خلال الفترة المذكورة بدون أية مساعدة، لا بل أحيانا في مواجهة معارضة نشطة، من قبل الأطراف الأخرى المعنية بالنزاع في محاولة إعطاء إجابات على الأسئلة الحائرة لشعبنا ولإسرائيل وليهود العالم وللرأي العام العالمي، وبينما لا يزال بعض الفلسطينيين يتشككون في مدى صدق نوايا إسرائيل حول رغبتها في السلام، فإن العديد من الإسرائيليين لا يزالون مقتنعين بأن منظمة التحرير منخرطة في خطة شيطانية هدفها النهائي تدمير إسرائيل وهذه القناعة وللأسف الشديد تجد من يتبناها في الغرب.
وفي التحليل النهائي، لن يطمئن الفلسطينيون إلى نوايا إسرائيل الحقيقية إذا لم تقر لهم بحق تقرير المصير، ولن يقتنع الإسرائيليون بأن م.ت.ف تسعى للعيش معهم بسلام إلا عبر الممارسة الفعلية للحياة السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن إلى أن يتحقق ذلك الأمر للطرفين ستظل عملية السلام معرضة للإجهاض من قبل المتشائمين والرافضين في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قبل أن تستكمل عملية توليد الثقة اللازمة للحؤول دون الانزلاق مرة أخرى إلى دائرة العنف، ولا بد من الرد على كافة الظنون والشكوك.
لقد تنازلت منظمة التحرير عن حلمها في إقامة دولة ديمقراطية عربية – يهودية في فلسطين ما قبل 1948م، ولقد فعلنا ذلك بعد إدراكنا أن ذلك الحلم ممكن التحقيق فقط في حال وجود إجماع عربي – يهودي عليه، ولا يمكن بناء دولة موحدة ثنائية القومية بدون موافقة القوميتين، ولن تكون الدولة الموحدة ثنائية القومية قادرة على الحياة إذا فرض أحد طرفيها قيامها بالقوة على الطرف الآخر.
وقد يأتي اليوم الذي يقرر فيه يهود إسرائيل وعرب فلسطين، نتيجة للثقة المتبادلة التي تولدها فترة من التعايش السلمي والتعاون، إقامة شكل من أشكال الاتحاد فيما بينهم لأنه يخدم مصالحهم، ولكن إلى ان يحين ذلك اليوم يظل أفضل سبيل لحفظ مصالح كل من الشعبين بقاؤهما منفصلين كل في حاله.
ولم تتنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن الحقوق الأساسية لشعب فلسطين، وليس في نيتها ان تتنازل عن تلك الحقوق، ولقد أصدرنا اشارات كثيرة عديدة لإثبات جدية مبادرتنا السلمية، فقد احتفظنا بحقنا في مقاومة الاحتلال بكافة السبل ولكن انتفاضتنا اعتمدت أشكال النضال غير العسكري رغم أن البنادق الإسرائيلية مستمرة في قتل الفلسطينيين، ولقد اعترفنا بقراري الأمم المتحدة 242 و 338 وقمنا بإدانة الإرهاب بكافة أشكاله، وقبلنا حق إسرائيل في الأمن والسلام رغم استمرارها في إنكار ذلك الحق لشعبنا، كما أعلنا عن استعدادنا للجلوس مع أي مسؤول إسرائيلي لبحث خلافاتنا بالرغم من أن القانون الإسرائيلي يحرم على المواطنين الإسرائيليين أي شكل من أشكال الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ولكن يجب الا يساء فهم المرونة التي أظهرناها حتى الآن على أنها تشكل استعدادا للتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في أرضه في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، فهذا تنازل لن نقدمه أبداً من جانب واحد أو بأي شكل آخر، وكلما أدرك الجميع ذلك مبكراً كلما اقترب إحلال السلام في الشرق الأوسط.
إن منظمة التحرير الفلسطينية ليست على استعداد لعقد اتفاق منفصل مع إسرائيل على حساب الدول العربية الأخرى.
وتسعى منظمة التحرير إلى حل فلسطيني – إسرائيلي كجزء لا يتجزأ من تسوية عربية إسرائيلية يتم التفاوض حولها في مؤتمر دولي للسلام وذلك لضمان تسوية دائمة وثابتة لكل الأطراف المعنية.
إجابات لإسرائيل
لابد لمنظمة التحرير الفلسطينية من تقديم اجابات علىالأسئلة الرئيسية التي يطرحها الإسرائيليون ويهود الشتات وأنصارهم في أوروبا والولايات المتحدة :
ان اقتراح مشروع حل يقوم على إنشاء دولتين في فلسطين ليس مرحلة أولى في خطة لتصفية الدولة اليهودية، فإن خطة كهذه لا بد وأن تقوم على ثلاث افتراضات وهي:
(1) ان الشعب الفلسطيني المحكوم حاليا بيد حديدية سيقرر ذات يوم اخضاع شعب آخر يوازيه أو يفوقه عدداً (2) ان الدولة الفلسطينية الصغيرة التي ستنشأ في الضفة الغربية وقطاع غزة ستحظى مستقبلا بقوة عسكرية قادرة على هزيمة أقوى دولة في الشرق الوسط (3) ان المجتمع الدولي سيقف متفرجا وهو يشاهد تصفية الدولة اليهودية، ان هذه الافتراضات تصور الفلسطينيين على أنهم اساطين في الخداع والمكيدة وصانعي معجزات وتصف العالم ككل بالافلاس الأخلاقي التام، وبالتالي لا تشكل تلك الافتراضات الثلاث أي أساس لرفض عرض سيؤدي قبوله إلى إحلال السلام والازدهار في الشرق الأوسط، ان الحل القائم على دولتين في فلسطين والذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني يبز ( يتفوق على ) هدف الدولة الواحدة المنصوص عليه في الميثاق الوطني الفلسطيني، كما أن قبول إسرائيل بمقترح الدولتين يبز ( يتفوق على ) التزامها بإقامة " إسرائيل الكبرى ".
.. لن تكون الدولة الفلسطينية قاعدة لأي عمليات إرهابية فلسطينية أو غير فلسطينية ضد إسرائيل، وبما أن منظمة التحرير تتوقع عدم ثقة إسرائيل بكلامها حول هذه النقطة، فإن المنظمة ترى ضرورة النص على ترتيبات أمنية وتوقيع إتفاقات أمنية حول التعامل مع أي حالات اعتداء إرهابي على إسرائيل.
.. من الصحيح إن الموافقة على مبادرة م.ت.ف للسلام أو على سياستها لم تصدر عن جميع الفلسطينيين ولا عن كافة المنظمات الفلسطينية.
فبعض الفلسطينيين داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة أصدروا تصريحات معارضة لسياسة م.ت.ف وقاموا بأفعال تتعارض مع موقفها، وان م.ت.ف ترفض تلك التصريحات وتتبرأ من تلك الأفعال، ولكن وجود أقلية رافضة أمر متوقع ولا يجب أن يؤخذ كدليل على عجز منظمة التحرير عن الوفاء بالتزاماتها، فمنظمة التحرير المدعومة بالغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة وفي الشتات لديها السلطة للتوصل إلى السلام ولديها القوة لتثبيت ذلك السلام، ولا يأتي التحدي الحقيقي لقدرة م.ت.ف على تحقيق السلام في الواقع من المنظمات الفلسطينية الرافضة وإنما يأتي من الإسرائيليين أو من غيرهم نتيجة لإحباطهم لآمال الشعب الفلسطيني، وإذا نجحوا في قتل أو سحق آمال الفلسطينيين في السلام فلا يمكن لأي قوة منع إغراق الشرق الأوسط مرة أخرى في مستنقع العنف.
.. الأردن ليس فلسطين، ولا يمكن للفلسطينيين أو للأردنيين أن يقبلوا بالضفة الشرقية بديلا عن وطن فلسطيني، وإن قادة إسرائيل الذين اعتادوا على المناداة بذلك، بمن فيهم شامير يهدفون عن سابق وعي وتصميم إلى زعزعة استقرار المنطقة، وهكذا يتضح ان التهديد الحقيقي لاستقرار الأردن لا يأتي من الفلسطينيين بل من إسرائيل بالرغم من حجج الذين يجادلون بعكس ذلك، ولا تقل فكرة فرض اتحاد كونفدرالي أردني – فلسطيني بالقوة خطورة عن القول بأن الأردن بديل لفلسطين فالاتحاد الكونفدرالي يفترض وجود دولتين أو أكثر تتفق فيما بينها على إقامته، وأي اتحاد يقوم بين دولة ولا دولة إنما هو نوع من الاغتصاب أكثر منه كونفدرالية وبالتالي سيظل مزعزعاً، ولذا لا بد للاتحاد الكونفدرالي الأردني – الفلسطيني أن ينتظر قيام دولة فلسطينية قادرة على أن تقرر بمحض إرادتها إقامة اتحاد كونفدرالي مع الأردن بافتراض توصل الشعب الأردني إلى نفس القناعة، وبعد هذا التوضيح يمكننا القول أن م.ت.ف ترحب بقيام إتحاد كونفدرالي أردني – فلسطيني بموافقة الناخبين في كلا الدولتين، وقد تبنى المجلس الوطني الفلسطيني مرارا قرارات بهذا المعنى.
قد لا تكون دولة فلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة كافية بذاتها لحل مشكلة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل أوضاع لا انسانية في مخيمات متفرقة في العالم العربي، وبالتالي ستظل القضية الفلسطينية تهدد السلام في الشرق الأوسط إلى أن يتم حل مشكلة فلسطينيي الشتات، ولذا فإننا نصر على إدراج " حق العودة " على جدول المفاوضات الخاصة بتسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وإذا خلصت النوايا لدى أطراف النزاع يمكن حل تلك المشكلة بالشكل الذي يخدم المصالح الحيوية لإسرائيل وفلسطين والمنطقة.
وأخيرا في معرض الاجابة على الذين يتساءلون عما إذا كان هناك بديل عن الانتفاضة نقول نعم يوجد، فالانتفاضة ثورة فلسطينية غير مسلحة قامت في وجه فقدان الفلسطينيين لحقوقهم ولأراضيهم وهي ستتوقف في اللحظة التي يتم فيها تقديم وعد أو التزام أكيد للفلسطينيين حول حقوقهم السياسية بما فيها حقهم في تقرير المصير في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، ولن تتوقف الانتفاضة بناء على أي وعد مبهم ببدء مفاوضات تستبعد حق تقرير المصير، وللأسف نجد ان وعوداً مهمة كهذه تشكل جوهر مقترح السلام الإسرائيلي.
ومن أبرز مكونات المقترح الإسرائيلي للسلام القول " ان إسرائيل تعارض إنشاء دولة فلسطينية في قطاع غزة وفي المنطقة الواقعة بين إسرائيل والأردن " والخطة الإسرائيلية كلها موجهة نحو انكار الحقوق السياسية للفلسطينيين.
وهكذا فإن إسرائيل ترفض التعامل مع منظمة التحرير كما أكد شامير مرارا أن المنظمة تريد دولة فلسطينية كما ترفض إسرائيل التحدث إلى أي شخص تختاره منظمة التحرير للسبب نفسه.
وعلاوة على ذلك تقترح إسرائيل إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لاختيار فلسطينيين يتولون إدارة شؤون " الحياة اليومية " في المناطق المحتلة، باستثناء الشؤون الأمنية والخارجية وكل ما يتعلق بالمواطنين الإسرائيليين، وبكلام آخر فإن إسرائيل تريد من فلسطينيين منتخبين " إدارة " الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال العسكري وعلى أساس أن نصف مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة التي تمت مصادرتها ستبقى في أيدي المستوطنين الإسرائيليين الذين يشكلون الآن 4% فقط من سكان المناطق المحتلة، والذين لن يكونوا خاضعين للسلطة الفلسطينية كما تطالب إسرائيل بإبقاء الضفة الغربية وقطاع غزة مفتوحين أمام المزيد من الاستيطان الإسرائيلي.
وتشترط إسرائيل إنهاء الانتفاضة للسماح بإجراء الانتخابات وتقول إسرائيل إنه لا بد من إنهاء الانتفاضة على الرغم من أن الوضع النهائي للأراضي المحتلة كما تراه لن يتضمن حق تقرير المصير، علاوة على أن إسرائيل لن تبحث ذلك الوضع النهائي - ما دون حق تقرير المصير - قبل مضي ثلاث سنوات على إنهاء الانتفاضة وإجراء الانتخابات، وهكذا ينص مقترح السلام الإسرائيلي على أن الهدف النهائي للمحادثات حول حل دائم للقضية الفلسطينية هو تحقيق السلام مع الأردن وليس مع الفلسطينيين.
وما تزال إسرائيل ترفض أن تبحث مع أي فلسطيني سواء رشحته منظمة التحرير أو لم ترشحه، أي أمر سوى شكليات ومتطلبات إجراء الانتخابات، وبكلام آخر فإن إسرائيل ترفض أي محاولة فلسطينية لاستكشاف الأهداف النهائية للانتخابات كما ترفض أي حوار عقلاني معها هدفه إقناعها بتعديل أفكارها غير المقبولة من الفلسطينيين.
وتسمي إسرائيل كل هذا مبادرة سلام، وبوجود هكذا مبادرة سلمية فمن يحتاج لإعلان الحرب ؟ ان منظمة التحرير الفلسطينية تحث الحكومة الإسرائيلية في مراجعة موقفها.
ان لإسرائيل الحق في الاستقلال والأمن والسلام، لكنها تقلل من ذلك كله بإنكارها الحق نفسه على الفلسطينيين، إن الفلسطينيين يمدون يدهم، ونحن نأمل بأن يتقدم أصحاب الرؤية السليمة والشجعان على الجانب الإسرائيلي بيد ممدودة لنا في المقابل وقبل أن يفوت الأوان.
(نشر المقال في ربيع 1990 قبل استشهاد أبوإياد بنحو تسعة أشهر)