نظرية النَّص و الخطابُ النقديّ الغربي- صبحي شحروري
تعاريف النص في الخطاب الغربي تبقى مؤقتة، فالنص الحقيقي لم تكتمل صياغته بعد:
يرى ريفاتير أن الظاهرة الادبية ظاهرة جدلية بين النّص و القارئ الذي لا بد أن يفهم ما نصفه، شرط أن يتمتع هذا القارئ ببعض الحريّة ، كما يجب أن تعلم كيف ينفّذ هذا الفهم.
أما جوليا كريستيفا فقد عرّفت النص كما يلي:
" النص جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة ،واضعاً المعلومات المباشرة في علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة أو متزامنة".
إنه جهاز يُنتج ويُعيد تشكيل اللغة وتوزيعها من جديد. أي أن النص يقوم بإنتاج دلالات جديدة أو قديمة يقوم بتجديدها. إنه الوجود الانساني ،وهو يختص بالظاهر والخفيّ، أي الوجود والعدم، وبالطبع، فإن كريستيفا استفادت من سابقتها من أعلام الفكر أمثال كانط ,هيجل ، ماركس والوجوديين. وترى كريستيفا أن قيمة النص تكمن في كثافته وليس في الوظيفة التي يؤديها.
النص بكثافته وتفاوت علاماته.وللنص نسيج داخلي وأصول مرنة وصارمة، معا، تتحكم بهذا النسيج . وللنص شرايين وأنسجة ومستويات.
إن النص قراءة وتأويل وامتداد للذات الانسانية. إن للوجود الانساني صلةً بالنصوص، إذ لا يُفهم هذا الوجود إلا بعد أن نفهم نصوص هذا الوجود.
وهذا المفهوم ساهم في حل مشكلة السرقات الأدبية . فكل نص يختلف عن الاخر لأن له نسيجه الخاص ومستوياته.
ويرى رولان بارت أن أساس وجود النص هو القراءة التي تُنتج الكتابة، التي تنتج النص وقد حدد بارت شكل النص وفضاءه ودلالته ومظهره الخارجي. ولا نص بدون كتابة, فهي تحوّل ما هو شفوي إلى مكتوب. إن تثبيت النص بالكتابة يؤسس النص ويصبح مقوّماً له كما يرى " بول ريكور". بدون الكتابة يضيع الشفوي وتموت الثقافة. وهكذا كلما تجددت القراءة الابداعية تطوّر النص. وبهذا يعلو شأن النص أو يهبط. والمجتمع الذي لا يُنتج ثقافة لا يُنتج نصوصاً.
هذا ولا بد من نظرية تقوم بعملية التأويل والتفسير، ويرى بارت أن لا بد من اكتشاف النص في حالة نسجه. فاكتشاف الأنظمة والدّوال والكشف عن الفاعل في النصوص. وهذه المقاربة هي بذاتها منهج علمي.
ويتكون النص من دالّ ومدلول . الدالّ هو الحروف والكلمات والجمل، والمدلول هو المعنى أو البنية العميقة التي تحدد تفاعل العلاقات.
وهناك عمليتان أساسيتان في النص، هما التأويل والاسترجاع، أي استرجاع مدلولات النص بالقراءة. وهناك ثنائية أخرى لا بد منها هي المؤلف منتج النص، والقارئ الذي يقوم بدور التفكيك والتحليل.
القراءة: وكل كتابة تستوحي قراءة ،وهي القوة الفاعلة التي تجعل المكتوب ممكنا . إن صياغة النص تقوم على متغيرات القراءة التي تخلق فيه الجديد، مما يجعل القارئ يتجدد ويتغير بتغيرات القراءة, وهناك قراءة سطحية وأخرى إبداعية.
هذا وقد أعطت نظرية التفكيك – ما بعد البنيوية- أهمية قصوى للقارئ، فبدون القراءة الابداعية المستمرة يموت النص. وتموت نصوص كثيرة بسبب سطحيتها، وتبقى أخرى لكثافتها وعمقها.
هذا وقد أشار القرآن العظيم لأهمية التأويل في النص, إنه ممارسة دلالية عامة. إنه منتج المعنى. وهناك مصطلح الانتاجية، المؤلف يكتب والقارئ يستهلك ،والنص الأدبي مرهون بقدرة قرائه على قراءه إبداعية.
التَّمعني : بتبسيطٍ مُخلٍ ربما، إن الدلالة التي ينتجها النص"المؤلف" ليست دلالة نهائية، لأن النص لا يتوقف عن العطاء والانتاجيّة. فالتَّمعني يعطي للنص قابلية للحياة والاستمرارية في نصوص أخرى.
ومن هنا كانت الدلالة متواصلة، وإذن فهناك دلالتان: دلالة الانتاج الأول، ودلالة تأتي من العمل الدلالي من خلال تفاعل النص مع نصوص أخرى . ولا بد أن يكون النص هاماً كي يبقى ويتفاعل مع نصوص أخرى تقتبس منه أو تتمثّله.
ومن تفاعل النص مع نصوص أخرى يصبح النص شهوانياً، ينطوي على متعة تظهر بقراءته. وهناك عراقيل توقف تواصل النص في الوجود, عوامل إجتماعية وسياسية قائمة عندنا- العرب عموما – ومن السهل معرفتها. والنصوص تتعاضد أو تتعارض.
وهناك ما يسمى تَخَلُّّق النص الذي يحدد شكله الخارجي.
ثم يأتي مفهوم أساسي هو التناصL’intertextualite
فما النص الاّ تفاعل النصوص وتداخلها وتجاورها، ولا وجود لنص لا يتفاعل مع نصوص أخرى. وعادة ما يكون هناك نص يعتبر مركزاً وأشلاء نصوص أخرى تدور في فلكه, وكل نص ما هو سوى نسيج جديد من نصوص أخرى.
والنص غير "العمل الأدبي"، فهو غير قابل للتجديد لأنه لم يكتمل بعد، وهو في تشكيل وتطور مستمر، فالنص كما يرى بارت حقل منهجي.
ولغرابة ذلك، بالنسبة لنا، أورد وبإيجاز بعض ما قيل في هذا الصدد:
شبّه الأديب المصري، صبري حافظ، النص بكرة الثلج كلما انحدرت زاد حجمها.
أما العمل الأدبي فإنه جسم مادي محسوس . ويرى جاك لاكان –محلل نفسي- أن الفرق بين العمل الأدبي والنص كالفرق بين الواقع و الواقعي . الأول معروف ومبتذل، أما الآخر فيحتاج إلى البرهنة عليه . والنص مراوغٌ لا يعرف النهاية.
وللنص أبعاد: بعدٌ شكلي يحدد شكل النص وهويته مع وجود عدة أجناس أدبية بأشكال مختلفة. وللنص بعد إشاري " سميولوجي" . عرفه العرب ووضعوا أسسه النظرية ثم نَسَوْه.
وللنص تأويل وتفسير، وهما متداخلان، وللاختصار أقول :أنه شاع استعمال التفسير في العلوم والتأويل هام في الأدب، وهو يحتاج إلى نشاط للتقرب من الحقيقة بواسطة الفهم. وفك مغاليق الشفرات والرموز و المعاني إنه البحث عن المَقْصَديّة. التغير خارجي ،أما التأويل فيمرّ بثلاث مراحل –فهم- تفسير- تطبيق. وقراءة النص تأويل له . وليس هناك تأويل نهائي للنص أيضاً.
ويرى التفكيك ،صاحبه الفرنسي جاد دريدا، أن للنص عدة قراءات، ولا توجد عادة قراءة هي الصحيحة, فهناك عدة قراءات وعدة معانٍ للنص.
المهم أنه كان للفلاسفة المسلمين دورٌ في تعريف المقصديّة، ودور في تحريك الفعالية التقديّة المتصلة بالنص.
أقول لكم . لقد عزَّت علي نفسي وأنا أنقل وأحذف وأتغاضى وأتخطى . وبكلام آخر: فنحن رغم كرّ السنين، ما نزال كُتّابا من الدرجة الثالثة . يكتب الكاتبون هناك، و ينقل العرب، ونحن منهم أحيانا، ونعيش نحن على الفتات . و المترجمون اليوم والناقلون مغاربة ينقلون عن الفرنسية التي لا نعرفها بشكل عام.
نرتقي درجة ربما، ونحن نصارع كتابا بالانجليزية, والظاهر أن الأنجلوساكسون لا يقدمون الكثير اليوم, أو أنّ ما يكتبون لا يصلنا.إلا على مجلّة / رحم الله " الشعراء ". المجلة أقصد.