المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية... لماذا الثقافة وما دور المسلكيات الحركية؟ - ح 1
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني 'فتح' لم توجد من فراغ ولم تستمر عبثا ولم تكن عبارة عن بندقية فقط، بل هي حركة تحملت مسؤولياتها وأمانتها التاريخية وحمل هذه الأمانة رجال عظام، تنوعت أفكارهم وأساليبهم ومهنهم وقدراتهم، فكان منها الفدائي الثائر، وذاك الأديب والشاعر، والمثقف القارئ، والمحلل السياسي الواعي، جميعهم تحملوا مشاق البناء وحمل الفكرة وزرعوها في العقول ورسخوها في القناعات، فكانت الثقافة سلاح فعَّال بجانب البندقية واستمرت الثورة فوق جسر الإستراتيجية وصولا إلى المؤتمرات والحضور في كل الميادين لتبقى فتح ولتنتظر .
عندما نتحدث عن حركة فتح، فإننا نتحدث عن التنظيم، وحين نتحدث عن التنظيم، نؤكد على انه أداة وليس هدفا، وبالتالي هذه الأداة لها ضوابط وقيود ونظم وفي نفس الوقت توجد مسلكيات وأدبيات توضح أبعاد المهمة التنظيمية وحدودها، والثقافة التي تجانب الإعلام، بل تشكل رافدا وشريانا أساسيا فيه، تعتبر برامج تربوية وتثقيفية حركية، وهناك في المبادئ الأساسية ما ينص على وجوب أن يثقف العضو نفسه بالقراءة والإطلاع، لهذا وجب أن نفرق بين ما نقصد من ثقافة مسلكية وأساليب عمل، وبين الثقافة كمعرفة ومعلومات وقدرة على التحليل والاستنباط والإبداع الفكري، وكلاهما مطلوب في شخصية العضو الفعال في حركة فتح، ومن الطبيعي أن كل عضو يتحسس ميوله الخاصة للتثقيف والمجالات التي يجد فيها التجاوب الأكبر بين رغبته والضرورة، وهو بناءً على ذلك يستطيع أن يحدد تلك المجالات، وان يضع لنفسه برنامجا خاصاً.
إن عملية بناء الكادر هي عملية ضرورية، وتحتاج إلى المقدرات الخاصة في نفس الوقت، وهذه العملية عبارة عن برامج وخطوات وأهداف، وسوف نختص في حلقاتنا الأسبوعي بالجانب السلوكي والمسلكيات التي نرى أن العضو يجب أن يتحلى بها، وبالتالي نعالج من خلالها ما نستطيع من أمور حركية ومن خلال الفهم السليم لحقوق وواجبات العضو ودوره المطلوب داخل الإطار أو في الجانب المجتمعي .
إن التعبئة الثقافية تعني وجود برنامج تثقيفي سنعمل على إثراء الجميع به، وكما أنها ترتبط بجانب الممارسة وتنفيذ المهام والتوجيه السليم المطلوب والدائم والوقوف وبقوة وحكمة ومرونة على مواقع القوة ومواطن الضغط من خلال النقد البنَّاء داخل الإطار، والمناقشة التي لا تخلو من الالتزام وفق أدبيات ومبادئ الحركة، بما يمكن من استخدام كافة العوامل التعبوية التي تهدف إلى تهذيب وتقوية ومعالجة الأبعاد المختلفة في الأداء والبيئة والقدرة والإرادة، وهذا ما سنعمل للوصول له وهو إعداد العضو القوي تنظيميا وحركيا وسلوكيا، فلا قوة ولا نجاح ولا تقدم لأي برنامج في الحركة دون نجاح هذا الإعداد، ومتى نجحنا في الإعداد فهذا يعني تلقائيا أننا في داخل حركة قادرة على الصمود أمام المتغيرات والتكيف مع الظروف المختلفة والمعالجة السليمة لكثير من المنعطفات الخطرة .
إن المسلكيات بتنوعها عبارة عن برنامج لعملية تربوية تثقيفية تهدف لرفع مستوى الأداء الإنساني للأعضاء على صعيد عوامل الذات الإنسانية وأبعادها الأساسية الأربعة هي العقل والروح والنفس والجسد .
إن العضو الفعال في الحركة هو العضو الذي يسأل عن واجبه أولاً وثانياً وثالثاً ويعمل على تنفيذ التزاماته من خلال هذه الواجبات بكل جدية وحرص وفعالية, ضمن مبادئ الحركة وأهدافها وأسلوب عملها ويكون في نفس الوقت قدوة حسنة معروفاً بخلقه وصلابته في الحق واستعداده للبذل والعطاء.
إننا ومن خلال حلقاتنا الأسبوعية، وعبر دائرة الإعلام والثقافة في الهيئة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة، نرسخ كل ما سبق في العضو ليحافظ على سمعته وسلوكه وأن يتحلى بالخلق الكريم والسيرة المحمودة ليكون قدوة لغيره وليعطي للناس صورة مشرفة عنه للتأثير في الذين يتصل بهم لنشر فكر الحركة بينهم، وبالتالي يمارس مهمة الاستقطاب التي لا تتوقف عند أحد بل تتخطى ذلك لتصبح في وقت ما هي عملية ملزم فيها كل أعضاء الحركة .
إن أهدافنا كثيرة ومتنوعة، وحين نركز على المسلكيات الحركية فإننا نعمل من خلال نشر المفاهيم السليمة ، فمثلا حين نقول أن المناقشة هي الإقناع وليس في الجدال. والهدف من الحديث هو ايضاح الحقائق لا كشف العورات والهدف من الاقتراح أو النقد هو إصلاح الخطأ وليس تقصي الأخطاء، والهدف من هذه الحلقات هو كل عضو في الحركة وكل من يمكن أن تصل له المعلومة بأي وسيلة كانت .
إن تزايد مشكلات الحركة لا يعني ان التنظيم فشل في استيعاب أبنائه، ولكن علينا إدخال عنصر هام في التوعية الحركية وهو الثقافة التنظيمية بما تتضمنه من معارف و قيم وأخلاقيات و أنماط سلوكية، ويقول الخبراء أنها من أهم نظريات التنظيم التي يمكن أن تساهم في التغلب على المشكلات التي تواجه المؤسسة و خاصةً ما تعلق باتخاذ القرارات و توجيه سلوك العاملين و تحسين مستوى التزامهم بالقوانين و المعايير المتفق عليها، ولإحساسنا بعظم ما تمر به حركة فتح فإننا عزمنا أن ننطلق من خلال الثقافة المقرونة بالمسلكية لكي نضمن الاستقرار الفكري والحركي والمنهجي لكل عضو لنتمكن من الالتزام والقيام بواجباتنا ومسؤولياتنا تجاه شعبنا وقضيتنا الوطنية العادلة ولإيجاد الحلول السليمة لكافة الإشكاليات .
الى اللقاء في الحلقة القادمة