المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية- بادر لحماية الحركة بالالتزام والعمل الجماعي- ح 2
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
حين قلنا في الحلقة الأولى أن التنظيم أداة وليس هدفاً، وهذه الأداة لها ضوابط وقيود ونظم وفي نفس الوقت توجد مسلكيات وأدبيات توضح أبعاد المهمة التنظيمية وحدودها.' .. تلقينا أسئلة القراء وماذا تمثل حركة فتح في الثورة.. نقول وباختصار إن فتح هي أداة الثورة.. وبالمنطق يصبح التنظيم مسؤول عن حماية الحركة، وفتح مسؤولة عن المشروع الوطني الفلسطيني، و هنا يصبح التنظيم أيضا هو جسر الوصول إلى الأهداف والتي تصل بنا إلى حقنا في دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .. فحين نهدم أو نعطل التنظيم بالتالي نعمل على تكسير وإبطاء الأداة والبعد عن الهدف وخسران قيمتنا الوطنية .. فبدون تنظيم قوي قادر ويتوحد فيه أعضاؤه ممارسةً وسلوكاً والتزاماً لن نتمكن من القيام بالمهام التنظيمية وستتراجع فرص أن نعيد فتح قوية قادرة حاضنة للمشروع الوطني الكبير . السؤال هنا: 'هل تنظيم حركة فتح اليوم قوي بحيث يستطيع أن يأخذنا إلى أهدافنا الحركية والوطنية، وهل نحن بحاجة للتنظيم لهدفه الأساس أم لكي يلبي لنا الحد الأدنى والأقصى من رغباتنا وعواطفنا، إن الانتماء الحقيقي يُعني الحفاظ على حركة فتح وأن تظل حركة ثورية وطنية ديمقراطية جماهيرية رائدة تعمل لتحقيق الهدف الذي انطلقت من أجله وقضى الآلاف شهداء وجرحى وأسرى ومبعدين ومشردين على جسر الوصول إلى أهدافنا المشروعة الثورية والحركية والوطنية. . إن القانون والنظام يبدو للوهلة الأولى سهل القراءة، وعند التطبيق يصبح حاكماً عادلاً، بعيداً عن الإنجرار لمسلكيات تدميرية نفسر بها كيفما نشاء وبعيداً عن قُدسية التنظيم ما نقبل وما لا نقبل، ما يرضينا و ما لا يرضينا، لأنه في النهاية نحن جميعاً في مساحة واحدة وتحت نفس الظروف، فلا نتخاصم ولا نتحاسد ولا نتباغض، لأن النتائج ليست في متناول أيدينا وحدنا .. بل لنتعاون لتتحول النتائج إلى حياة لنا جميعاً.
يبقى السؤال: أين نتناقش في مشاكلنا وتنظيمنا ومشروعنا وكل ما يبقينا على قيد الحياة التنظيمية والحركية ..؟!
حين نقول أن حركتنا العملاقة أمانة وطنية ومسؤولية تاريخية وإرث ينتقل منا للأجيال القادمة، علينا أن نمارس مهامنا وسلوكنا بأمانة ومصداقية ولنمضي قدماً على درب تحمل المشاق، والصبر على بعضنا البعض والرحمة فيما بيننا والمحبة والتعاون، لأننا جميعاً نواجه مصير واحد والشدائد تؤلمنا، وظروف العمل التنظيمي اليوم بتفاصيله 'وخاصة في المحافظات الجنوبية' يعتبر معاناة ووجه آخر من التضحية التي تحتاج إلى فرسان وثوار حقيقيون وربما نجد أنفسنا أمام سؤال كبير ' إلى متى ..؟! .
علينا أن ننطلق من خطر البوح والمعلومات المجانية إلى أمان السرية والمعلومات … هنا نتساءل هل مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والجلسات المفتوحة والرحلات وطاولات المطاعم والمقاهي وسيارة التنقل ووسائل الاتصالات والهواتف هي وسيلة لتحقيق السرية والحفاظ على المعلومات وقوتها وبالتالي قوة التنظيم وسلامته وقوة فتح وسلامتها وقوة مشروعنا الوطني، ولكي تتضح الصورة ولا تحدث إربكات في هذا الفهم نقول أن الانتماء والعضوية في حركة فتح علنية وليست سرية ولكن ما يطرح في الاجتماعات وعبر الأطر يجب أن يظل شأناً داخلياً لأننا لازلنا نعيش ظروف موضوعية تتطلب المزيد من الحذر والحرص في تناول وتبادل المعلومات.
لنقف جميعاً أمام أنفسنا، أمام ما نكتب ونتحدث ونتناقش ونتبادل الآراء 'خارج الإطار'، ونتساءل ماذا نقدم للمجموع، ماذا نحقق من كل هذا وما هو الضرر الذي سنسببه بقصد أو بدون قصد .. ربما ننتصر لأنفسنا بهذا الأسلوب المرفوض وبهذا الأدوات العلنية ونمارس التفريغ الذاتي، لكنها ممارسات سلبية وان كانت النية سليمة، علينا أن نحافظ على المجموع، و على أهدافنا ومبادئنا وأن نتسلح بالصبر والسرية والانضباط والالتزام، ونبتعد عن مواقع الشبهات والزلل والتبعثر والتعثر ومصائد الشيطان، فليست هذه الأماكن آمنة وليست هي المكان الذي نمارس فيه حقنا في النقاش وتبادل الآراء صغرت أم كبرت ومهما كانت درجة أهميتها، فالنار من مستصغر الشرر، والمعلومة تتكون من مجموعة بيانات، فما نتداوله ونمارسه خارج الإطار التنظيمي المشروع يعتبر خروجا وتجنحا عن مبدأ السرية والنقد الايجابي، وهو يقودنا إلى الأنانية والتخريب الفكري وفتح النوافذ والأبواب لقاطعي الطريق لكي يسمموا الأجواء وينشروا فسادهم فوق موائدنا وفي قلب أفكارنا، فنصبح أسرى لهذا الجدل العقيم المدمر.
حين نرتضي بمحض إرادتنا بأن نكون أعضاء في الحركة، هنا علينا أن نلتزم بما تقرره المؤتمرات وما تنص عليه المبادئ ومنها أن تنفيذ القرارات لا يخضع للمزايدات والتسفيه والتقزيم والاستزلام والشخصنة، وبالمقابل من حق الجميع وضمن الأطر التنظيمية أن يمارس حقه ' حق العضوية' في النقاش والمشاركة في اتخاذ التوصيات والقرارات، هنا لا مجال للتفرد أو الفردية أو النزعات الأنانية أو النزاعات حول النص، بل مطلوب 'واجبات العضوية' أن نمارس القيادة والعمل الجماعي وبالتالي تتقيد الأقلية برأي الأكثرية والمراتب الأدنى بالأعلى، وهذا يقودنا إلى أهمية الجلسات الحركية في الأطر التنظيمية التي ترفع تقاريرها تفصل فيها نقاشات الأعضاء وأرائهم ومقترحاتهم واعتراضاتهم في صورة سليمة ومنظمة تحفظ للجميع الحقوق وتحافظ على الجميع، و يأخذنا هذا إلى مفهوم ممارسة النقد والنقد الذاتي الذي يعني أن النقاش واجب نضالي، وليس رغبات أو مزاج أو سلوك طارئ، وهذه الممارسات الايجابية داخل الأطر الحركية هي الدماء الجديدة التي تضخ في مسارات الوصول إلى القرارات السليمة، لأن مفهوم النقد الثوري وجوهره لا يستهدف فقط تقييم السلبيات وإنما يستلزم تقييم الايجابيات أيضاً، إلى جانب ضرورة تقديمه المقترحات البناءة لدحض السلبيات وتأكيد الايجابيات وتصعيدها، ومعالجة الأخطاء في إطار ديمقراطي إيجابي مطلوب، نقضي فيه على الانحراف في فهمنا للسرية و الظواهر السلبية والشللية، ولا يمكن إعادة البناء الحركي و الحفاظ على الشرعية والتراتبية التنظيمية والانضباط الحركي دون ذلك، لذا مطلوب أن نبدأ في دراسة واقعنا كلٌ في جغرافيا تواجده وذلك من خلال كل الأساليب المتاحة وبكافة الأدوات التي تمكنَّنا من أن نعالج الظواهر السلبية التي تجتاح حركتنا لعدم وجود وعي تنظيمي حقيقي وابتعادنا عن القراءة الموضوعية لكل ما يحيط بنا . إن العضو الفاعل المبادر الرافض للتجمد والتقوقع والجدال هو أغلى ما تملكه الحركة وهو ممثلها الحقيقي في المجتمع والوطن ، لأنه يعرف ما له من حقوقه وما عليه من واجبات ضمن معادلة الأنظمة واللوائح الحركية' نصا وروحا '، ومن هذا المنطلق على كل عضو ألا يرفض الفكرة لمجرد رؤيته انه بها عيوب، فالأفضل تحديد العيوب والبحث عن المعالجة والحلول، وكذلك ليس من المستحيل أن تعدل عن رأيك، فالإنسان الايجابي هو الذي يقوم بالتعديل طالما كان قادرا على ذلك، فليس معنى إعلان رفضك المسبق للفكرة أمام زملائك أن رأيك قاطعا لا تراجع عنه ، فمن الأفضل تغيير القرارات في البر على اليابسة قبل الغرق في عرض البحر .
الى اللقاء في الحلقة القادمة
رابط الحلقة الاولى
http://fatehwatan.ps/page-72049-ar.html