الخرائط تنكمش جوعاً...أيضاً!- ثائر ثابت
في المنفى الناعم، تقتلنا المسافات والابتسامات، وتجرحنا أسنان التاريخ الخشنة، وأشياء كثيرة. ربما مائة صفحة تكفي؛ لتجيب عن سؤال أستاذ الفلسفة حول "ثورات" بلاد اهترأت عذريتها منذ أزمنة، ولم تلد إلا مخاض المجاز، ومسميات مشوهة....!
على إيقاع رشفة شاي إسبانية، أطالع حروف رسائلك القديمة، حرفاً حرفاً، وما بعد الحروف أشتم رائحة البارود المتخثرة في عروق بلادي، ومنفاك أيضاً. كلانا منفي؛ ونمارس لعبة الغربة عادة علنية.
لم أحدثك بعد عن صديق مشاكس مهووس بتاريخ الأوطان المنسية. ذات مرة مزق كتاب "الحروب البدائية" وصراخه كان اوكجسين اللحظة... نُحبها... نُحبها ... بلادهم مسروقة، مقهورة .
كتب البروفيسور بعض كلمات على لوح الصف الالكتروني، وغاب. "البلاد نساء، والأندلس أعدناها للأبد....." !
من بين كومة رسائلك وصورك، انتشل رسم "كاريكتير" ابتدعته من روح خيالك، كاد أن يقتلك، حين أخبرت المحقق ببراءة رقيقة، "هذا استاذ الجغرافيا لا جنرال الكون".
هناك، عندك، من وقتها وأنت تخشى أحاديث الجغرافيا وبسطار الجنرال. بينما هنا، عندي، الجغرافيا حديقة طليقة، والجنرال حافي القدمين، مقيد بالحرية.
ليلاً، على شعلة قمر بعيد، أتسلل عبر نافذة مخيم "فيس بوك" الافتراضي.. تصفعني صورتك...هذا أنت أنت لا غيرك.. ميتاً... عرفتك هذا أنت.. ووشمك خارطة بلادك الحادة منكمشاً. تموت جوعاً، كتجاعيد جدتك العجوز التي ماتت في محراب الانتظار المستحيل.
حبيبي، قتلوك...!
أقتلوك؛ ليرموك...!؟
وفي موتك يا صغيري، تنكمش كل الخرائط الوهمية جوعاً... وانكساراً .....!