أقل الكلام في خير ما سطرته الأقلام!!- محمود شاهين
قرأت في الأشهر الأخيرة عشرات الكتب . بعضها كتبت عنه . ومعظمها لم أكتب عنه بعد لعدم عثوري على صحيفة أو مجلة تنشر لي بشكل دائم ، خاصة وأن العديد من المقالات المكتوبة عن بعض الكتب لم ينشر بعد .
ساتناول في هذه العجالة وبكلمات مختصرة جدا آخر أهم عشر روايات قرأتها ، وسأبدأ من آخر رواية وأعود إلى الوراء .
عمارة يعقوبيان : علاء الأسواني.
يمسك علاء بتلابيبنا ولا يكاد يترك لنا فرصة للتنفس وهو يحدثنا عن عالم القاهرة في العقود الأخيرة ، طارقا أبوابا جديدة لم يطرقها الأدب العربي إلا نادرا كاللواط والشذوذ الجنسي بين الرجال ، والجماعات السلفية . رواية مكتوبة بإتقان شديد ، ومهنية عالية .تؤهلها لأن تكون واحدة من أهم الروايات في الأدب العربي .
ترمي بشرر: عبده خال.
كابوس فظيع .زلزال . استهانة واستهتار وتجاهل لكل القيم الدينية والأخلاقية ، في بلد يفترض أنه بلد القيم والدين والأخلاق . المترفون يحيون في عالم الترف بقصوره ونسائه وغلمانه وخموره . حتى إن صلوا الفجر يوما يصلونه وهم سكارى ولا ينهضون من السجود ، أو بين أحضان العاهرات . لواط ، شذوذ ، اضطهاد ، قتل ،سحق للإنسان ، ولكل ما هو نبيل . رواية صادمة في عالمها ، ممتعة وشيقة في أسلوبها . أرشحها لأن تكون الرواية الأهم في الأدب العربي على الإطلاق ، لما حملته من جرأة شديدة في تعرية الواقع المزيف حتى العظم .
عزازيل : يوسف زيدان.
عالم المسيحية بصراعاته وتناقضاته . الرهبنة المضادة للغرائز الإنسانية . حتى الخوري الراهب لا يستطيع تطبيقها ، يعشق اول مرة ويغرق في حمى المتعة الجنسية . يحاول أن يستقيم لكن دون جدوى . يغرق في العشق مرة ثانية ويمارس الحب . ومن حوله أناس يضاجعون أمهاتهم وأخواتهم وحتى الأغنام ..صفعة لعالم
مزيف يرتدي قناع الدين .
ساق البامبو: سعود السنعوسي.
عشق . محبة . دفء. تتمنى لو أن للرواية حضنا لتغفو عليه . عمل آسر : ممتع ، مضحك ، مبكي ، محلق في رحاب النفس الإنسانية ، عذاباتها ،آلامها ، طموحاتها
وآمالها .. ابن من خادمة فلبينية يبحث عن أبيه الكويتي وهويته الكويتية دون جدوى . المجتمع الكويتي يرفض وبشدة أن يكون كويتي ابن خادمة !! إنها ضريبة الثراء التي تفقد الإنسان بعض انسانيته . لو كانت أحداث هذه الرواية تدور في زمن اللؤلؤ وما قبل النفط ، لكان ابن الخادمة كويتيا كامل الحقوق .
صفعة مؤلمة للمجتمع ، ومؤثرة في النفس الإنسانية . تستحق وبجدارة أن تكون واحدة من أهم الروايات في الادب العربي .
شرفة الهاوية : ابراهيم نصر الله.
بشر يتسلقون ويهوون . نساء مضطهدات . نفوس معذبة . جشع . استغلال . طمع . بحث عن الملذات .
اسلوب متقن وممتع . يتلاعب ابراهيم بالزمن تقديما وتأخيرا . يستولي على قارئه
وهو يقود أبطاله إلى الهاوية .. هاوية العواصم العربية التي لا تختلف إحداها عن الأخرى .
ماء السماء : يحيى يخلف:
( ماء السماء ) هي الجزء الثاني من ثلاثية ليحى يخلف ، سبقها الجزء الأول ( بحيرة وراء الريح ) الذي لم يسعفني الحظ حتى الآن في العثور عليه .
يحيى كمعظم الكتاب الفلسطينيين مسكون بمأساة شعبه ، وهاجسه الأول هو التأريخ للقضية الفلسطينية ، ففي هذا الجزء يتابع يحيى الصراع الذي بدأه في الجزء الأول ، فينقلنا إلى التشرد واللجوء والعوز والحياة في الدول المجاورة لفلسطين وانطلاقة الثورة الفلسطينية. نحيا مع ابطال يحيى آلامهم عبر اسلوب واقعي مؤثرومشوق يصور الحياة في قسوتها . وسيكون لي وقفة مطولة مع ثلاثية يحيى بعد حصولي على الجزء الأول .
يحيى يخلف : جنة ونار:
إنها الجزء الثالث من ثلاثية يحيى . هنا تتعمق شخصيات يحيى ، في ظل الثورة ، ويبدأ البحث عن الهوية والوطن والأهل ، وتتعزز الآمال بالعودة .. نعيش مع سماء
فرحها وحزنها وهي تبحث عن أمها التي تبين لها أنها فقدتها منذ عام 48 .تدخل مع دورية مقاتلة إلى الأرض المحتلة ، وبعد بحث مضن تعثر على أمها وتلتقي بها . يصور يحيى لنا اللقاء في مشهد مؤثر جدا .
حسب معرفتي أن ثلاثية يحيى هي الثلاثية الاولى والوحيدة التي تناولت القضية في ثلاث روايات تكمل واحدتها الأخرى ، وتتابع حياة شخوصها . عمل ممتع وشاق وهام بذل يحيى جهدا كبيرا لإنجازه . ويحتاج إلى دراسة ووقفة مطولة كما أسلفنا .
سجاد عجمي : شهلا العجيلي:
نقوش وزخارف وفسيفساء على صدر مدينة الرقة . مدينة الأديب الكبير عبد السلام العجيلي ، ومدينة شهلا. عودة إلى زمن ما عباسي وصراع بين شيعة وسنة في خلفية المشهد الروائي ، عنوانه مصحف عائشه !! نساء عاشقات مبدعات .. نحيا آمالهن وآلامهن ..
لوحة تراثية ترسمها لنا شهلا ، بدفء وحميمية ومحبة وتأن ، نسيج متقن بأرواح الرقاويات . نسمات منعشة تهب على ضفاف الفرات ، باعث الحياة ، المفرح أحيانا ، والمحزن أحيانا حين يغرق فيه طفل جميل وحيد أمه .
لا بد من وقفة مطولة مع الرواية في الأيام القادمة .
غريب النهر : جمال ناجي:
كتبت مقالا عن هذه الرواية . يتابع جمال فيها اسرة عائلة فلسطينية في تشردها ومقاومتها لمصاعب الحياة ، باسلوب ممتع شيق ، يمسك فيه جمال بالزمن لقرابة قرن ، متلاعبا به بين الماضي والحاضر ، مطلا على شرفات المستقبل ، وحلم الفلسطيني بفلسطين . يبدو جمال متمكنا من ناصية السرد ، يضحكك من أعماقك
أحيانا ، ويدفعك باتجاه التأمل والتفكر أحيانا أخرى ، وأنت تقوم بربط الوقائع بعضها بالآخر ، حتى لا تفلت خيوطها من بين يديك .
على جناح الطير : سميحة خريس :
أي عشق هذا ؟ أي حب ؟ أي وله بالمدن والعواصم ، تحيلك سميحة إلى ركن ما في مدينة أو إلى أحد أبنائها ، وهي تدفعك لأن تحب هذه المدينة بإرادتك .. هي ليست رواية . إنها سيرة مدن عاشت فيها سميحة بصحبة والدها الدبلوماسي الأردني .. مدن أصبحت جزءا من ذاكرتها ونسيج روحها ، فتحدثت عنها بمحبة وعشق حتى الوله .كتاب دفعني لأن أبحث عن كتب أخرى لسميحة لقراءتها وقد فعلت .
وسأستغل هذه المناسبة لأتسول من بعض اصدقائي الكتاب في الأردن بعض مؤلفاتهم .. فأنا مشرد من دمشق والنقود التي ادخرتها لشيخوختي (من الرسم وليس من الأدب ) تطير ، وأوشكت على النفاد ، ولا أمل في الأفق إلا مسدس الإنتحار .فآمل أن يزودوني ببعض هذه المؤلفات لتكون غذاء لروحي حتى يحين أجلي مع المسدس ! يمكن وضع الكتب في رابطة الكتاب .