المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية- حكمة القائد في فلسفته القيادية-(13)
إن الممارسة التنظيمية، والحركية، والسياسية بمنهجية تختلف عن المنهجية التي استنبطت على أساسها إستراتيجية الحركة ، تقود حتماإلى التخبط والأخطاء والوقوع في السلبيات القاتلة، فالمحددات الاستيراتيجية والآليات المعتمدة هي التي يجب أن تحكم طبيعة التفكير لكافة أبناء الحركة، وبهذا يكون كافة الأعضاء في الحركة قادرين على مواجهة نفس المشاكل السياسية، بنفس المواقف مهما تباعدت المسافات بينهم، لأنهم يمتلكون استيراتيجية واحدة وتعميما واحدا وخبرا واحد وقيادة ميدانية وأخرى أعلى وهكذا في داخل الإطار وفي كافة المستويات
وقبل أن ندخل في عمق الحلقة الـ13 لنتفق أن كل عضو قائد في مجموعته، فهناك أمين سر الخلية وهو قائدها ، وعضو الخلية قائد الخلية نفسها ، وهكذا نرتفع في الهيكل من القاعدة لأعلى فيصبح كل عضو مسؤول وقائد في موقعه ومرجعيته الالتزام وما نص عليه النظام الأساسي لحركة (إن القيادات المنبثقة عن القاعدة تمارس صلاحياتها على أساس مبدأ المركزية الديمقراطية الذي يضمن التزام المراتب الأدنى بقرارات المراتب الأعلى، وفق هذا النظام، وتكون القيادات الأعلى مسؤولة مسؤولية مركزية تعبر عن وحدة التنظيم الكاملة في الأقاليم والأجهزة والمؤسسات.(
يعيش العالم دوماً في تحولات ومتغيرات جذرية بين زمن وآخر، لا يوجد أنظمة ونظم ثابتة ، هذا ناتج عن واقع المؤثرات الداخلية والخارجية، وحركة الشعوب، ونعلم أن التفاصيل متغيرات، أما الثوابت فهي بوصلة الشعوب المتجهة نحو أهدافها ، وعند الحديث عن الموقف والاتجاه، نشير بوضوح على أن الموقف يتغير حسب الظروف، أما الاتجاه فهو التنظيم، والتنظيم هو فتح، وفتح هي جماهير وقيادة ونظام أساسي وارث عظيم من الكفاح والعمل العسكري والسياسي والتنظيمي، فتح ثورة، والثورة لم تستمر وتبق من عبث وارتجالا ولم تنتصر في مراحها بفعل عامل الصدفة والأهواء، هناك أدبيات و فلسفة ثورية حركية.
إن فلسفة الأمور تعني إمكانية العودة دائما من جديد لدراسة ما كان مقبولا أو مرفوضا في السابق، وتسليط الضوء على الأفكار والأراء والمواقف المكتسبة بفعل الظروف، وإخضاع كل ذلك للدراسات النقدية، لإمكانية التقدم بما يناسب المرحلة ويواكب المتغيرات الداخلية والخارجية ويأخذ بالأسباب عوامل الإخفاق والنجاح " منهجية البناء"، في نفس الوقت يجب ان ترافق هذه الفلسفة عملية اتصال وتواصل جماهيري وتنظيمي بحيث لا تفهم الأمور بعكس فلسفتها واستيراتيجية البناء عليها
القوى القيادية وفي المراتب المتقدمة وصانعة القرارات ومحور إهتمام الجماهير، مطلوب منها اتخاذ فرضيات معينة تكون مرشدة لها في عملها، وأيضا أن تقوم باختبار هذه الفرضيات وإعادة مراجعتها من حين لآخر بنفس مبادئ وآليات التنسيق، والمتابعة
لا توجد جماهير نموذجية، تستسلم للقيادة وتتجنب المسؤولية، وتفتقر للطموح، فالجماهير تحتاج دوما إلى التوعية والالتحام والإعلام المنظم والرسالة الواضحة، ليمكنها ذلك من تفسير منطقي لأزماتها وللمتغيرات المختلفة، بحيث يصنع منها شريكا، ولكي لا تصبح السياسات وكأنها عبء إضافي يضاف الى معاناتها اليومية، ولا يخفى على أحد أن الأعضاء في التنظيم يعتقدون أن التنظيم يملك الحل السحري للخرج من كل أزماتهم واحتياجاتهم وبناء مستقبلهم المادي، وحقيقة الأمر أن هذا ليس واقعاً، ولذا فلا بد من المكاشفة والمصداقية والبناء التراكمي نحو المعرفة والتوعية، على أساس زرع الأمان لديها، وتوضيح ما لدى التنظيم الان من إمكانيات، وهذه فلسفة المراجعات السليمة، التي تسير للأمام وليس للخلف.
تتميز الجماهير بقدرتها على تقديم "بيانات واقعها اليومي" وأبعاد ما تعانيه من مشاكل وما تطمح له وما تنتظره من قياداتها لأنها تمثل أمامها "عنوان الحركة وسياساتها"، وبالتالي تصبح القيادة هي واجهة الحركة، وهنا يتوجب أن يمارس كل قائد فلسفة الحركة وسلوكيات إبداعية تغذي الجماهير بالإقناع وتزرع فيه الثقة وتنزع منه عوامل الفعل المعاكس للتوجهات والمواقف وتساعد في عبور محطات التغيير للوصول الآمن معا، بذلك نبتعد عن نشازية التواصل والفهم الموضوعي لاستيراتيجية البناء والاستنهاض والحراك ومعركة الحق الوطني المقدس.
إن فلسفة التعامل مع الجماهير تستلزم فن إدارة العلاقات الإنسانية معها، ونجاح ذلك يعني نجاح العمل القيادي، ويجب ألا يتجرد العمل القيادي من ذلك بل على القائد أن يثبت قدراته وقدرته من خلال تمسكه بالمسلكيات الايجابية مع الجماهير وتوظيف العلاقات الإنسانية لتخدم جسم الحركة وفكرها وأهدافها " استقطاب واستنهاض" .
إن القيادات التي تستطيع أن تعمل من خلال هذه المعادلة والرسالة الحساسة والدقيقة، يمكنها إدارة أي نظام ومواجهة أي متغيرات داخلية وخارجية، وكما أنها يمكن لها إدارة المنظومة الحركية والوطنية وقيادة الجماهير وتحديد قدرات وهيكلة الأعضاء وتوزيع المهام المطلوبة لخدمة الرؤية والبرنامج، ويعتبر إثبات الذات للقائد والعضو "المكافأة الكبرى" والحافز المعنوي المطلوب
الفلسفة القيادية تعني الحكمة، والقدرة " عوامل مؤثرة في نجاح التنظيم"، وترتبط هذه الفلسفة بالحساسية الايجابية العالية التي يجب أن يتحلى بها القائد تجاه محيطه، وبيئته، وعمق مسؤولياته، ويعمل جاهدا على رفع مستوى ثقة الجماهير به من خلال سلوكه ومهاراته وتوظيف ذلك لخدمة ونجاح وبقاء الحركة والأداء المتقدم لدى كافة الأعضاء.
الى اللقاء في الحلقة القادمة