المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية- الشمولية في أدبيات، وفكر حركة فتح- (الحلقة 14)
حين نتحدث عن أدبيات حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، ومسلكيات الأعضاء، نكون على قناعة تامة أن الأعضاء هم عاملا لنجاح في استمرار قوة الحركة وإقناعها للجماهير، و جانب الشمولية يعتبر من الجوانب الحركية الهامة التي يتوجب أن يتحلى بها العضو، فالفكر في "فتح" ينبع من كونها حركة تحرر وطني امتدادها الجماهير، وهذا الفكر ليس بالفلسفة المجردة أو النظريات، بل مرتبطا بالواقع، وبوجود مساحات من الرأي والرأي الآخر " النقد والنقد الذاتي" والإبداع والمبادرات، وكذلك تكمن قوة أفكار الحركة في قدرتها على اختيار الأساليب المناسبة للمراحل المختلفة بما يضمن العمل تحت الضغط وفي كل الظروف والبيئات والمتغيرات، وبالإضافة إلى القدرة على إحداث التغيير والتجدد واستنهاض القدرات وتوظيف الإمكانيات، من خلال الإمكانيات الذاتية للجماعة، كون الهيكل التنظيمي في أدبيات يعمل على تكريس ممارسة العمل الجماعي بين الأعضاء .
ومن هنا يتضح أن الشمولية في حركة فتح عبارة عن رسالة تجمع بين شؤون العضو والحركة والوطن والمحيط الإقليمي والعلاقات الدولية دون انفصال في أجواء تمتزج فيها الديمقراطية والمركزية مما يشكل محور أساس في بنيان الهيكل التنظيمي حيث المركزية الديمقراطية التي تنظم مشهد تنفيذ المهام وتراتبية المواقع بصورة هرمية راقية وتحافظ على قوة القرار وسرعة تنفيذه وتشكل مرجعيات مطلوبة أساسها الالتزام وقاعدتها الفعل .
ولأن العضو الفاعل في حركة فتح يشكل المرتكز في البناء والاستنهاض ، فكان لابد من المساهمة في تطويره وتنمية قدراته والحفاظ على الفكر الشمولي والقدرات الشخصية لديه، وليحافظ على حضوره المتألق، و ألا يغفل أو يتهاون أو يتكاسل في التثقيف الذاتي وزيادة وعيه وترسيخ مفاهيمه وقراءته ومتابعته الدائمة للمستجدات والاطلاع على التحليل الإعلامي والقيادي لكل منها، والعمل وفق الرؤى والأفكار التي تخدم مسيرة الحركة، فالعضو الذي لا يتحلى بالفكر الشمولي يبقى خاملاً غير مؤثر وتنقصه الصفات القيادية، ويتراجع مستواه ولا يقوى على أن يصمد أمام المتغيرات المختلفة وربما ينهار، ولا يتمكن من ممارسة حقه في إبداء الرأي، ومناقشة صوابية القرارات أو عدمها بعد التزامه بتنفيذها .
إن تمتع العضو بالمسلكيات السليمة يعني قدرته على توظيف الشمولية في أدائه، وبالتالي ينظر له كقائد في مهمته وفي إطاره وفي بيئة معيشته وفي مواقفه ودفاعه عن الحركة، وقدرته على المشاركة في صنع القرار، و الحلول الوسط، ووضع الاقتراحات، وبالتالي تحويل كل هذه الحلول إلى سلوك واقعي ينعكس على محيطه، ويخدم قوة الحركة.
إن الشمولية لا تعني التصادم أو التسلط أو الانتهازية أو الاحتكار للمواقف أو ديكتاتورية القيادية، بل هي الفضاء المتسع للجميع ولكل الأفكار ولا تذوب في التناقضات بل تعالجها وتمتص سلبياتها وتعالج أي انحراف في المواقف أو الأفكار التي ربما تعصف بالحركة في مسيرة المتغيرات والظروف المختلفة .
إن الشمولية في حركية فتح ليست وليدة اللحظة أو نتاج ردود أفعال تجاه مؤثرات، بل هي نتاج إرث أكثر من نصف قرن من العمل الدؤوب لتستمر الحركة في فكرها ونهجها وقوتها وحضورها، وتتشكل فيها الأدبيات المستمدة من الإبداع والعصف الفكري وتجارب القادة والقيادة، وبهذا تشكلت شمولية الحركة، والفلسفة الحركية والأهداف المرحلية والاستيراتيجية، التي يحملها كل عضو في هويته الفتحاوية والوطنية، فالشمولية جزء لا يتجزأ من الوحدة الفكرية التي تَعني وحدة الأهداف ووحدة الأسلوب ووحدة المنطلقات ،و يتشكل بها التوازن في الأداء وفي العمل وفي السلوك على الصعيد الشخصي والحركي والوطني، وفي كل مكان وموقع يصل له .
الى اللقاء في الحلقة القادمة