قراءة في رواية "إسقاط" لأمين المبيض- فيصل غوادرة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
إن رواية "إسقاط" من الروايات الوطنية والمقاومة، والتي تعمل على كشف ممارسات جهاز الاستخبارات الصهيونية (الشين بيت) في الأرض المحتلة، حيث هدفت هذه الرواية إلى بيان وسائل "الشين بيت" في كيفية تحويل الشرفاء والأبرياء - إن استطاعوا- من أبناء الشعب الفلسطيني إلى عملاء وخونة يسيرهم الاحتلال كيفما يريد بعد أن يتم إسقاطهم، وتسخيرهم في الكشف عن المناضلين والمقاومين والمجاهدين والشرفاء من أبناء هذا الوطن.
إن هذه الرواية التي جعلها كاتبها في (104) صفحات من القطع الكبير، وتتكون من (17) جزءاً أو فصلاً دون أن يضع تسمية لذلك، جعلها الكاتب تسجل مرحلة قاتمة من مراحل عيش هذا الشعب تحت نير الظلم والاحتلال وممارساته القاتلة التي لا ترحم.
وبعد تكليفي بقراءة تحليلية ونقدية لهذه الرواية من قبل مكتب وزارة الثقافة في جنين، قمت بقراءتها، وتدوين الملحوظات، التي أثبت هنا ملخصاً لبعض محاورها المهمة:
ملحوظات عامة:
* الرواية واقعية تتحدث عن فترة حالكة واقعية من حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، - طبعاً وما زال إلى الآن – حيث عمل الاحتلال على إسقاط الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني وبناته، عبر طرقه ووسائله الخسيسة الدنيئة، والتي كانت هيام وأمجد وكمال عبد السميع وغيرهم نماذج قليلة عن ضحايا الإسقاط الذي عم أبناء هذه الأرض الطهور، فالرواية أجدها قد كتبت تحت إكراهات أو إرهاصات واقعية مرتبطة بطبيعة المرحلة الزمنية الفلسطينية والظروف الاحتلالية البغيضة.
* لقد عمل الروائي على إظهار مدى سطوة الأمن الصهيوني وجهاز مخابراتهم على الحياة الفلسطينية من خلال عمليات الإسقاط، وما يطلبونه ممن أسقطوه، كما فعلوا مع هيام وسامي وأمجد...، الذين جعلوا منهم جسراً للاستغلال وتحقيق مآربهم الصهيونية.
* لم يتطرق الروائي في روايته إلى الحديث عن صدى عمليات الإسقاط على خارج الوطن المحتل (العالم العربي والإسلامي) وكنت أرغب أن يضع في روايته بعض التلميحات أو التصريحات لذلك، كعملية وخز أو تحريك للضمير العربي والإسلامي.
* يجنح الكاتب إلى ذكر تفاصيل متعددة، ومواقف مختلفة لهيام تبدو لأول وهلة أن النص قد ابتعد عن التماسك والهدف، لكن رغم كل هذه التفريعات فالنص متماسك، ودلالته واضحة وهدفه كذلك، لتندغم كلها في خدمة المستوى الأفقي للرواية، دون إهمال للمستوى الرأسي لها، لأن الكاتب يحاول أن يحرص على بناء روايته بناء محكماً تحت نظام من الحبك الملائمة عبر رحلة سير الرواية.
العنوان:
- جاءت هذه الصيغة (نكرة) وهذه لها دلالات كثيرة، وتأويلات متعددة قد نجد بعضها في ذهن المبدع، وكثيراً غيرها عند المتلقي، منها:
* أرادها الكاتب نكرة حتى يظهر تنوع عمليات الإسقاط وتعددها.
* أرادها نكرة حتى يبين أن الإسقاط قد يشتمل على الجنسين.
* أرادها نكرة؛ لأنها هي في ذاتها وطبيعتها منكرة ولا يقبل بها الإنسان الشريف.
* أرادها نكرة لأنها تصدر من جماعة منكرين غير شرفاء، ومعتدين، يمارسونها على الأبرياء من أبناء هذا الشعب.
* أرادها نكرة زيادة في قوة تأثيرها على نفس المتلقي؛ لأن الإنسان دائماً يحب البحث عن المجهول واللامعروف والتعرف عليه.
* أرادها نكرة لأنها تعطي معنى تعميمياً وشمولياً لفعل الإسقاط أكثر من التعريف.
* الأمر الآخر أن العنوان (إسقاط) قد جعله الكاتب أمين المبيض يتغلغل في معظم مناحي الرواية، وفي كل جنباتها، مما جعله يعبر أصدق تعبير عن مضمون النص الروائي.
الشخصيات:
* سيطر على الرواية ثنائية الشخصيات، وهي ثنائية فاعلة تتفاعل مع الأحداث وتتنامى من خلالها، وهذه الثنائية متنوعة، وهي قد تكون:
* ثنائية الجنس: كما في شخصية المحامي وهيام، وحسن وزوجته، ورافي وكاترينا، وأمجد وهيام، ومراد هيام...، وغير ذلك. حيث أخذ كلا الجنسين مساحته التي تناسبه، والتي تحرك فيها ومن خلالها.
* ثنائية البطولة: كما في شخصية المحامي وهيام.
* ثنائية الدين: كما هي بين كاترينا وهيام.
* ثنائية المعاملة: رافي + جاكوب و كاترينا. * ثنائية المسؤولية: المحامي كمحامٍ وراوٍ.
* وقد تحركت هذه الشخصيات ضمن ثنائية الحدث: العمالة والخيانة مقابل الطهارة والخلاص من دنسها، وكان تحركها في ثنائية المكان: أرض السلطة الفلسطينية، بعد 1967، وأرض 1948م. تحت تفاعلية ثنائية الزمان: زمان الاحتلال وزمان السلطة الفلسطينية.
* إننا نرى أن الروائي أمين المبيض استطاع أن يوائم بين شخصياته (على أنواعها) وبين الأحداث التي جرى فيها تحرك هذه الشخصيات ضمن البيئة الزمانية والمكانية التي دارت عليها أحداث الرواية.
* الشخصيات الذكورية في النص الروائي جاء بها الكاتب متعددة الوظائف والدلالات، حيث: القاضي، والمحامي، والمحافظ، ورجال الأمن، والصانع (النجار)، والطبيب (العميل)، وأمجد (العميل)، ومراد وغيرهم.
* وكذلك الشخصيات النسائية في المنجز الثقافي لدى أمين المبيض تتخذ دلالات متعددة كذلك، فالمرأة عنده قد تكون عميلة خائنة، وقد تكون يهودية، وقد تكون معلمة، وقد تكون مربية، وقد تكون جدة إلى غير ذلك، ولكن لم يفرد فضاءات واسعة لها، إلا لهيام وكاترينا.
* شخصية المحامي فؤاد رفعت شخصية محورية، وكذلك شخصية هيام، وأجد الكاتب قد قسم البطولة بينهما، وقد جعل من شخصية فؤاد رفعت شخصية متحركة متنقلة بين أحداث الرواية ومعظم شخصياتها، خاصة الشخصيات المهمة، كما جعل شخصيته كاشفة لكثير من الأحداث التي تسترت خلفها كثير من الشخصيات كشخصية هيام والشهود وغيرها، وحتى شخصية الراوي نالها نصيب من ذلك.
* أما شخصية هيام فهي الشخصية المحورية والمركزية، والتي دارت حولها أحداث الرواية، بل ونسجت من أجلها، وما تحركت الشخصية الأخرى إلا في إطارها. وأجد الكاتب لم يحاول أن يظهر دورها السلبي – بعد عملية الإسقاط – كعميلة للاحتلال بالشكل المناسب وبالمظهر الفاقع اللامع، وما حياتها في فندق كاترينا إلا فترة نقاهة قضتها في الفندق، لا دور لها إلا أن تستعيد عافيتها، دون أن يظهر التأثير المباشر والقوي للاحتلال أو المخابرات الصهيونية، إلا ما كلفها به (رافي) أخيراً للتجسس على صلاح عزمي، وكنت أودّ لو أظهرها بطريقة أكثر سوءاً حتى يزداد الآخرون منها ومن سلوكها نفوراً.
الزمان:
• إن المتلقي يفتح دلالة النص عن طريق إعادة بنائه وفق تصوره وخلفيته النصية، وإن زمن التلقي (أو القراءة) ينفتح على أزمنة غير محددة، ومن ثم تتعدد القراءات بتعدد الأزمنة، وهكذا مع كل قراءة للنص الأدبي.
• حدد الكاتب زمان المحاكمة الأولى بشهر تموز عام 1996م، وهو زمن بدء السرد في هذه الرواية، والمكان قاعة المحكمة العسكرية، وهما أول ما بدأ بهما روايته، والزمن يتحرك لدى الكاتب، بل أجد الروائي يقدم من خلاله الوقائع والأحداث وحركة الشخصيات، كما أجده يركز على الزمن الماضي، من خلال الأفعال الماضية التي يبثها عبر مقاطع روايته وأجزائها ، فإذا به يضع أول كلمة في روايته بصيغة الزمن الماضي (تسللت) وآخر فقرة في روايته بدأها بالفعل الماضي (دفعني).
• إن زمن الرواية هو زمن المادة الحكائية الخام، وإن اظهر الكاتب الزمن المعلن في بداية الرواية (شهر تموز عام 1996م) إلا أن الأزمنة التي عاشها الكاتب من خلال شخصياته وأحداثه كانت قبل هذا التاريخ وبعده أبنت عنها من خلال العناصر الزمنية التي وضعتها في البداية أعلاه.
• إن العلاقات الترابطية والتكاملية بين الأزمنة في النص الأدبي ( زمن النص وزمن الخطاب، وزمن الحدث) تتعاون فيما بينها في تشكيل النص الروائي على مستوى البناء والدلالة، مما يؤدي إلى إحداث تعالق بين زمن النص وزمن الخطاب ليتماهى في النهاية مع زاوية الحدث، وحركة الشخصية في النص الروائي.
• وقد أظهر الكاتب اهتماماً بالزمن من خلال الحشد الكبير لمفردات الزمن التي نثرها في نصه الروائي، ليدل على أهمية الزمن عند الإنسان الفلسطيني بشكل عام، وعند الكاتب بشكل خاص، فقد استخدم الزمن الليلي والنهاري، الصيفي والشتوي، وإن كان تركيزه على الصيف أكثر وأغلب، الدقيقة والساعة واليوم والأيام والسنة والسنوات، إلى فترة الانتداب البريطاني، و القرن العشرين، كما استخدم الضحى والعصر ومنتصف الليل، إلى مفردة الوقت والزمن... إلى غير ذلك كما هو موضح في لوحة الزمن، كل ذلك يقودنا إلى أن فكرة الزمن السائد التي جاءت عند الكاتب تدعو إلى التوقف والتأمل، خاصة عند ما نجد – كما أشرنا – أن الزمن الماضي هو الزمن المسكون في الرواية، والذي تعج فيه بكل مفاصلها، وهذا يدعو إلى مزيد من التأمل والتدقيق والتمحيص....
• يتداخل هنا الزمن الفلسطيني مع الزمن الصهيوني، ليظهر لنا أنه لا قيمة للزمن الفلسطيني إلا ما حاول إنقاذه أخيراً على يد هيام وصلاح عزمي.
المكان:
حدد الكاتب مكان بداية الرواية بقاعة المحكمة العسكرية، دون أن يحدد مكانها، وتحديد الكاتب لهذا المكان الذي ابتدأ فيه روايته أراد منه أن يجعل المتلقي يشعر بقيمة المحكمة وأهميتها، وبأن الأمور مهما ابتعدت عنها فستؤول إليها، وبأن شبكة الخيوط للمكان الروائي ستتجمع في النهاية في قاعة المحكمة.
أجد الكاتب قد جعل المكان الطاغي في الرواية هو قاعة المحكمة التي تمثل المكان الأمين والنزيه والشريف الذي يكشف الملابسات والتحديات، ويعمل على إحقاق الحق ونشر العدل، وفعلاً كان هذا المكان المسرح الذي كشفت على منبره الجريمة وظهر الحق عليه وزهق الباطل.
أما المكان الثاني فهو فندق كاترينا الذي كشف شيئاً من المؤامرات المخابراتية، التي كان ينفذها (رافي)، وإن أظهرها بالمقابل بعض الجوانب الثورية ضد الاحتلال كفعل زوج كاترينا وابنتها، ومن خلال هذا المكان حاول الروائي أن يظهر حيفا حاضنة الفندق، حيث تحدث عن حيفا المكان والجغرافيا والوطن المحتل.
ثم تحدثت عن الحبكة والمونولوج الداخلي وطرحت بعض الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة من الكاتب، ثم أنهيت قراءتي بعرض للأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية والطباعية.
وبشكل عام أجد الروائي قد أجاد السبك والحبك لروايته، وأقنع المتلقي بأحداثها وشخصياتها (بشكل عام)، وجعلها تتحرك في بيئة من الزمان يتماهى مع المكان، ويتوحد مع العنوان، أرجو لمبدعها بعد أن يأخذ بما سجلته من آراء ومقترحات التوفيق والسداد، ولراويته النجاح والانتشار.
zaإن رواية "إسقاط" من الروايات الوطنية والمقاومة، والتي تعمل على كشف ممارسات جهاز الاستخبارات الصهيونية (الشين بيت) في الأرض المحتلة، حيث هدفت هذه الرواية إلى بيان وسائل "الشين بيت" في كيفية تحويل الشرفاء والأبرياء - إن استطاعوا- من أبناء الشعب الفلسطيني إلى عملاء وخونة يسيرهم الاحتلال كيفما يريد بعد أن يتم إسقاطهم، وتسخيرهم في الكشف عن المناضلين والمقاومين والمجاهدين والشرفاء من أبناء هذا الوطن.
إن هذه الرواية التي جعلها كاتبها في (104) صفحات من القطع الكبير، وتتكون من (17) جزءاً أو فصلاً دون أن يضع تسمية لذلك، جعلها الكاتب تسجل مرحلة قاتمة من مراحل عيش هذا الشعب تحت نير الظلم والاحتلال وممارساته القاتلة التي لا ترحم.
وبعد تكليفي بقراءة تحليلية ونقدية لهذه الرواية من قبل مكتب وزارة الثقافة في جنين، قمت بقراءتها، وتدوين الملحوظات، التي أثبت هنا ملخصاً لبعض محاورها المهمة:
ملحوظات عامة:
* الرواية واقعية تتحدث عن فترة حالكة واقعية من حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، - طبعاً وما زال إلى الآن – حيث عمل الاحتلال على إسقاط الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني وبناته، عبر طرقه ووسائله الخسيسة الدنيئة، والتي كانت هيام وأمجد وكمال عبد السميع وغيرهم نماذج قليلة عن ضحايا الإسقاط الذي عم أبناء هذه الأرض الطهور، فالرواية أجدها قد كتبت تحت إكراهات أو إرهاصات واقعية مرتبطة بطبيعة المرحلة الزمنية الفلسطينية والظروف الاحتلالية البغيضة.
* لقد عمل الروائي على إظهار مدى سطوة الأمن الصهيوني وجهاز مخابراتهم على الحياة الفلسطينية من خلال عمليات الإسقاط، وما يطلبونه ممن أسقطوه، كما فعلوا مع هيام وسامي وأمجد...، الذين جعلوا منهم جسراً للاستغلال وتحقيق مآربهم الصهيونية.
* لم يتطرق الروائي في روايته إلى الحديث عن صدى عمليات الإسقاط على خارج الوطن المحتل (العالم العربي والإسلامي) وكنت أرغب أن يضع في روايته بعض التلميحات أو التصريحات لذلك، كعملية وخز أو تحريك للضمير العربي والإسلامي.
* يجنح الكاتب إلى ذكر تفاصيل متعددة، ومواقف مختلفة لهيام تبدو لأول وهلة أن النص قد ابتعد عن التماسك والهدف، لكن رغم كل هذه التفريعات فالنص متماسك، ودلالته واضحة وهدفه كذلك، لتندغم كلها في خدمة المستوى الأفقي للرواية، دون إهمال للمستوى الرأسي لها، لأن الكاتب يحاول أن يحرص على بناء روايته بناء محكماً تحت نظام من الحبك الملائمة عبر رحلة سير الرواية.
العنوان:
- جاءت هذه الصيغة (نكرة) وهذه لها دلالات كثيرة، وتأويلات متعددة قد نجد بعضها في ذهن المبدع، وكثيراً غيرها عند المتلقي، منها:
* أرادها الكاتب نكرة حتى يظهر تنوع عمليات الإسقاط وتعددها.
* أرادها نكرة حتى يبين أن الإسقاط قد يشتمل على الجنسين.
* أرادها نكرة؛ لأنها هي في ذاتها وطبيعتها منكرة ولا يقبل بها الإنسان الشريف.
* أرادها نكرة لأنها تصدر من جماعة منكرين غير شرفاء، ومعتدين، يمارسونها على الأبرياء من أبناء هذا الشعب.
* أرادها نكرة زيادة في قوة تأثيرها على نفس المتلقي؛ لأن الإنسان دائماً يحب البحث عن المجهول واللامعروف والتعرف عليه.
* أرادها نكرة لأنها تعطي معنى تعميمياً وشمولياً لفعل الإسقاط أكثر من التعريف.
* الأمر الآخر أن العنوان (إسقاط) قد جعله الكاتب أمين المبيض يتغلغل في معظم مناحي الرواية، وفي كل جنباتها، مما جعله يعبر أصدق تعبير عن مضمون النص الروائي.
الشخصيات:
* سيطر على الرواية ثنائية الشخصيات، وهي ثنائية فاعلة تتفاعل مع الأحداث وتتنامى من خلالها، وهذه الثنائية متنوعة، وهي قد تكون:
* ثنائية الجنس: كما في شخصية المحامي وهيام، وحسن وزوجته، ورافي وكاترينا، وأمجد وهيام، ومراد هيام...، وغير ذلك. حيث أخذ كلا الجنسين مساحته التي تناسبه، والتي تحرك فيها ومن خلالها.
* ثنائية البطولة: كما في شخصية المحامي وهيام.
* ثنائية الدين: كما هي بين كاترينا وهيام.
* ثنائية المعاملة: رافي + جاكوب و كاترينا. * ثنائية المسؤولية: المحامي كمحامٍ وراوٍ.
* وقد تحركت هذه الشخصيات ضمن ثنائية الحدث: العمالة والخيانة مقابل الطهارة والخلاص من دنسها، وكان تحركها في ثنائية المكان: أرض السلطة الفلسطينية، بعد 1967، وأرض 1948م. تحت تفاعلية ثنائية الزمان: زمان الاحتلال وزمان السلطة الفلسطينية.
* إننا نرى أن الروائي أمين المبيض استطاع أن يوائم بين شخصياته (على أنواعها) وبين الأحداث التي جرى فيها تحرك هذه الشخصيات ضمن البيئة الزمانية والمكانية التي دارت عليها أحداث الرواية.
* الشخصيات الذكورية في النص الروائي جاء بها الكاتب متعددة الوظائف والدلالات، حيث: القاضي، والمحامي، والمحافظ، ورجال الأمن، والصانع (النجار)، والطبيب (العميل)، وأمجد (العميل)، ومراد وغيرهم.
* وكذلك الشخصيات النسائية في المنجز الثقافي لدى أمين المبيض تتخذ دلالات متعددة كذلك، فالمرأة عنده قد تكون عميلة خائنة، وقد تكون يهودية، وقد تكون معلمة، وقد تكون مربية، وقد تكون جدة إلى غير ذلك، ولكن لم يفرد فضاءات واسعة لها، إلا لهيام وكاترينا.
* شخصية المحامي فؤاد رفعت شخصية محورية، وكذلك شخصية هيام، وأجد الكاتب قد قسم البطولة بينهما، وقد جعل من شخصية فؤاد رفعت شخصية متحركة متنقلة بين أحداث الرواية ومعظم شخصياتها، خاصة الشخصيات المهمة، كما جعل شخصيته كاشفة لكثير من الأحداث التي تسترت خلفها كثير من الشخصيات كشخصية هيام والشهود وغيرها، وحتى شخصية الراوي نالها نصيب من ذلك.
* أما شخصية هيام فهي الشخصية المحورية والمركزية، والتي دارت حولها أحداث الرواية، بل ونسجت من أجلها، وما تحركت الشخصية الأخرى إلا في إطارها. وأجد الكاتب لم يحاول أن يظهر دورها السلبي – بعد عملية الإسقاط – كعميلة للاحتلال بالشكل المناسب وبالمظهر الفاقع اللامع، وما حياتها في فندق كاترينا إلا فترة نقاهة قضتها في الفندق، لا دور لها إلا أن تستعيد عافيتها، دون أن يظهر التأثير المباشر والقوي للاحتلال أو المخابرات الصهيونية، إلا ما كلفها به (رافي) أخيراً للتجسس على صلاح عزمي، وكنت أودّ لو أظهرها بطريقة أكثر سوءاً حتى يزداد الآخرون منها ومن سلوكها نفوراً.
الزمان:
• إن المتلقي يفتح دلالة النص عن طريق إعادة بنائه وفق تصوره وخلفيته النصية، وإن زمن التلقي (أو القراءة) ينفتح على أزمنة غير محددة، ومن ثم تتعدد القراءات بتعدد الأزمنة، وهكذا مع كل قراءة للنص الأدبي.
• حدد الكاتب زمان المحاكمة الأولى بشهر تموز عام 1996م، وهو زمن بدء السرد في هذه الرواية، والمكان قاعة المحكمة العسكرية، وهما أول ما بدأ بهما روايته، والزمن يتحرك لدى الكاتب، بل أجد الروائي يقدم من خلاله الوقائع والأحداث وحركة الشخصيات، كما أجده يركز على الزمن الماضي، من خلال الأفعال الماضية التي يبثها عبر مقاطع روايته وأجزائها ، فإذا به يضع أول كلمة في روايته بصيغة الزمن الماضي (تسللت) وآخر فقرة في روايته بدأها بالفعل الماضي (دفعني).
• إن زمن الرواية هو زمن المادة الحكائية الخام، وإن اظهر الكاتب الزمن المعلن في بداية الرواية (شهر تموز عام 1996م) إلا أن الأزمنة التي عاشها الكاتب من خلال شخصياته وأحداثه كانت قبل هذا التاريخ وبعده أبنت عنها من خلال العناصر الزمنية التي وضعتها في البداية أعلاه.
• إن العلاقات الترابطية والتكاملية بين الأزمنة في النص الأدبي ( زمن النص وزمن الخطاب، وزمن الحدث) تتعاون فيما بينها في تشكيل النص الروائي على مستوى البناء والدلالة، مما يؤدي إلى إحداث تعالق بين زمن النص وزمن الخطاب ليتماهى في النهاية مع زاوية الحدث، وحركة الشخصية في النص الروائي.
• وقد أظهر الكاتب اهتماماً بالزمن من خلال الحشد الكبير لمفردات الزمن التي نثرها في نصه الروائي، ليدل على أهمية الزمن عند الإنسان الفلسطيني بشكل عام، وعند الكاتب بشكل خاص، فقد استخدم الزمن الليلي والنهاري، الصيفي والشتوي، وإن كان تركيزه على الصيف أكثر وأغلب، الدقيقة والساعة واليوم والأيام والسنة والسنوات، إلى فترة الانتداب البريطاني، و القرن العشرين، كما استخدم الضحى والعصر ومنتصف الليل، إلى مفردة الوقت والزمن... إلى غير ذلك كما هو موضح في لوحة الزمن، كل ذلك يقودنا إلى أن فكرة الزمن السائد التي جاءت عند الكاتب تدعو إلى التوقف والتأمل، خاصة عند ما نجد – كما أشرنا – أن الزمن الماضي هو الزمن المسكون في الرواية، والذي تعج فيه بكل مفاصلها، وهذا يدعو إلى مزيد من التأمل والتدقيق والتمحيص....
• يتداخل هنا الزمن الفلسطيني مع الزمن الصهيوني، ليظهر لنا أنه لا قيمة للزمن الفلسطيني إلا ما حاول إنقاذه أخيراً على يد هيام وصلاح عزمي.
المكان:
حدد الكاتب مكان بداية الرواية بقاعة المحكمة العسكرية، دون أن يحدد مكانها، وتحديد الكاتب لهذا المكان الذي ابتدأ فيه روايته أراد منه أن يجعل المتلقي يشعر بقيمة المحكمة وأهميتها، وبأن الأمور مهما ابتعدت عنها فستؤول إليها، وبأن شبكة الخيوط للمكان الروائي ستتجمع في النهاية في قاعة المحكمة.
أجد الكاتب قد جعل المكان الطاغي في الرواية هو قاعة المحكمة التي تمثل المكان الأمين والنزيه والشريف الذي يكشف الملابسات والتحديات، ويعمل على إحقاق الحق ونشر العدل، وفعلاً كان هذا المكان المسرح الذي كشفت على منبره الجريمة وظهر الحق عليه وزهق الباطل.
أما المكان الثاني فهو فندق كاترينا الذي كشف شيئاً من المؤامرات المخابراتية، التي كان ينفذها (رافي)، وإن أظهرها بالمقابل بعض الجوانب الثورية ضد الاحتلال كفعل زوج كاترينا وابنتها، ومن خلال هذا المكان حاول الروائي أن يظهر حيفا حاضنة الفندق، حيث تحدث عن حيفا المكان والجغرافيا والوطن المحتل.
ثم تحدثت عن الحبكة والمونولوج الداخلي وطرحت بعض الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة من الكاتب، ثم أنهيت قراءتي بعرض للأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية والطباعية.
وبشكل عام أجد الروائي قد أجاد السبك والحبك لروايته، وأقنع المتلقي بأحداثها وشخصياتها (بشكل عام)، وجعلها تتحرك في بيئة من الزمان يتماهى مع المكان، ويتوحد مع العنوان، أرجو لمبدعها بعد أن يأخذ بما سجلته من آراء ومقترحات التوفيق والسداد، ولراويته النجاح والانتشار.