"مجانين بيت لحم" يقرأون المكان بوعي !
الروائي أسامة العيسة وروايته الجديدة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
ليس جنونا حقيقيا ما خطر ببال الروائي أسامة العيسة، حين كتب روايته "مجانين بيت لحم"، لكنه حاول تقديم "المكان" الفلسطيني الذي يتآكل مع الزمن بلسان "مجانين" قدموا قراءة للمكان بوعي مختلف، خالٍ من الديباجات التاريخية واللغوية، ملمحًا بدالّ "الجنون" إلى حالة الاشتباك والاختلاط بين كل شيء في هذا الوطن المصغر.
"يقول الفلسطينيون للشخص الذي تظهر عليه علامات الجنون، أو لِمَن يبغضهم، أو لِمَن يمازحونه، أو لِمَن يتمنّون له شرّاً لا يصل حدّ بلوغ المنيّة، أو لِمَن يشمتون به، أو للشرّير الذي يتمنّون أن يَغرُب عَن محيطهم، ولأسباب أخرى كثيرة: أنت لازم يرسلوك إلى الدهيشة، وها أنا، مَن تقمّصت شخصية الروائي حينا، والراوي الكُلّي المعرفة في أحيانٍ أخرى، الذي يعرف كلّ شيء، وقد لا يعرف شيئاً، وتواريتُ خلف شخصيات أخرى، كي لا يكشفني أحد".
بهذه الكلمات انطلق الكاتب والروائي العيسة في روايته الجديدة "مجانين بيت لحم" الصادرة عن "دار نوفل"، متحدثًا بصورة مباشرة عن وطن "المجانين المصغر" في مدينة بيت لحم الذي يتآكل بشكل مستمر بفعل السياسة الإسرائيلية، والاستيطان، والجدار الفاصل والانتفاضات، والحروب الدائرة في المنطقة وفساد أبناء الوطن، جاعلا بيت لحم معادلا موضوعيا لكل الوطن.
ولعل كلمة "الدهيشة" التي تشير إلى"مستشفى الأمراض العقلية والنفسية" في الثقافة الفلسطينية والتي اقيم على اراضي المنطقة مخيم اللاجئين المعروف لاحقا، هي ما يؤسس لفكرة الرواية؛ وهي قراءة "مجانين" للمكانين الخاص والعام.
يقول العيسة في حديث مع صحيفة القدس إن استخدام كلمة "مجانين" جاء كرمزية لوجود العديد من الناس العاديين والسياسيين والطبقة العليا في المجتمع الفلسطيني أدركتهم ما وصفها بـ"لوثة الدهيشة".
ويعتبر العيسة أن "مجانين بيت لحم" هي مواصلة لمشروع تقديم بيت لحم بطريقة روائية مختلفة كما لم تُقدم من قبل، وتتحدث عن المكان بشخوصه ومواقعه، والاحياء والحارات الشعبية.
ولم يقدم العيسة مصطلح "الجنون" في الرواية بصفته السلبية بقدر ما حاول أن يفصل بين "عالمي المجانين والعاقلين"؛ خاصة بعد انحسار الفجوة بينهما، بل إن هناك تداخلا بينهما في بعض الأحيان، وهي كناية أخرى عن الوضع "المتشعب والمتشابك" الذي يعيشه المواطن الفلسطيني، بحسب الكاتب.
وبالنظر إلى ما مرت به القضية الفلسطينية خلال سنوات مضت، تُصوّر الرواية، التغريبة بأسلوب "كوميديا سوداء" متشابك وغريب وجريء، وتخلط بين الماضي والحاضر وتنتقل من مكان إلى آخر.
على أن الرواية لم تتجاهل الإشارة إلى بعض الشخصيات الفلسطينية مثل جبرا إبراهيم جبرا، وسليمان بن الشيخ يوسف جاسر، وخليل السكاكيني، والحاج أمين الحسيني، و"الختيار" ياسر عرفات؛ مؤكدة أن مجانين بيت لحم كانوا هم أوّل من شخصوا الوضع السياسي الفلسطيني.
وحول محورية المكان في الرواية، يقول العيسة "حاولت إبراز المكان كمحاولة لتأكيده في الرواية الفلسطينية (..) لاحظت منذ سنوات طويلة أن المكان الفلسطيني ضعيف أو يمكن القول أنه غائب عن الأدب الفلسطيني الذي ظهر بمظهر تقليدي يتحدث عن بطولات وأماكن لم يزرها الكتاب أو الرواة، لكن رواية مجانين بيت لحم حاولت من خلالها تقديم مكان فلسطيني، بعد دراسته جيدا، وبدون رتوش".
وتابع "اعتقد أنه إذا كانت هناك أهمية لهذه الرواية فإنها من كونها تقدم المواطن الفلسطيني دون شعارات وعواطف مبتذلة، وإنما تقدمه كبشر عادي".
العيسة تنقل في روايته بين اكثر من اسلوب سردي، جامعا بين الحكاية والقصة، والتناص مع شهرزاد وألف ليلة وليلة، وشخصيات عاشت في قرون ماضية، وأخرى تعيش في الوقت الحاضر، بالاضافة إلى شخصيات تظهر باسمها الحقيقي، وأخرى بأسماء أدبية.
ويوضح الروائي انه اجتهد "في هذه الرواية لكي اقدمها باسلوب جديد غير مسبوق في الرواية الفلسطينية، وأنا أؤمن أن العمل الروائي، أو الابداعي، عليه ان يقدم الجديد، لان هذا هو مبرر الكتابة (..) أن نضيف لما قدمه الذين سبقونا"، ومن هنا كان التجديد الشكلي عند العيسة.
ويضيف: لدي العديد من المشاريع الأدبية، بعضها منجز، وأخرى في طور الكتابة والبحث، لكنني أتردد كثيرا في دفعها إلى النشر، لأنني أريد ان يكون هناك منهج واسلوب معين في طرح الأدب الجديد والمعاصر، وهذا يحتاج الى متلقٍ متابع، وناقد يواكب، ودار نشر محترمة، انها عملية خلق مركبة.
يعتبر العيسة ان الرواية الفلسطينية تراجعت بعد رحيل "الثلاثي الكبير" في الرواية الفلسطينية: إميل حبيبي، وغسان كنفاني، وجبرا ابراهيم جبرا، ولكن هناك أصوات أدبية مهمة، مثل الروائي رَبعي المدهون، المقيم في لندن، ومن جيل أسبق الروائية سحر خليفة التي ظلت وفية لمشروعها الروائي الخاص بها، على حد قوله.
لكن الادب بالنسبة للعيسة "ليس هو عمل ما بعد الظهر، إنما الكتابة بالنسبة لي مشروع حياة، أعمل واقرأ بشكل ممنهج".
ولم ينس الروائي والصحافي أسامة تقديم "اعتذاري للقارئ وقلت إنني لم أتحدث عن جميع المجانين في فلسطين، وأنني اشعر بالخوف إذا أردت ان اكتب عن كل هؤلاء المجانين لأنني لم أقل الكثير لكنني اعتقد أن رواية مجانين بيت لحم قد تكون بداية لآخرين يكتبون في هذا المجال وآمل أن تؤسس لأعمال ادبية أخرى".
haليس جنونا حقيقيا ما خطر ببال الروائي أسامة العيسة، حين كتب روايته "مجانين بيت لحم"، لكنه حاول تقديم "المكان" الفلسطيني الذي يتآكل مع الزمن بلسان "مجانين" قدموا قراءة للمكان بوعي مختلف، خالٍ من الديباجات التاريخية واللغوية، ملمحًا بدالّ "الجنون" إلى حالة الاشتباك والاختلاط بين كل شيء في هذا الوطن المصغر.
"يقول الفلسطينيون للشخص الذي تظهر عليه علامات الجنون، أو لِمَن يبغضهم، أو لِمَن يمازحونه، أو لِمَن يتمنّون له شرّاً لا يصل حدّ بلوغ المنيّة، أو لِمَن يشمتون به، أو للشرّير الذي يتمنّون أن يَغرُب عَن محيطهم، ولأسباب أخرى كثيرة: أنت لازم يرسلوك إلى الدهيشة، وها أنا، مَن تقمّصت شخصية الروائي حينا، والراوي الكُلّي المعرفة في أحيانٍ أخرى، الذي يعرف كلّ شيء، وقد لا يعرف شيئاً، وتواريتُ خلف شخصيات أخرى، كي لا يكشفني أحد".
بهذه الكلمات انطلق الكاتب والروائي العيسة في روايته الجديدة "مجانين بيت لحم" الصادرة عن "دار نوفل"، متحدثًا بصورة مباشرة عن وطن "المجانين المصغر" في مدينة بيت لحم الذي يتآكل بشكل مستمر بفعل السياسة الإسرائيلية، والاستيطان، والجدار الفاصل والانتفاضات، والحروب الدائرة في المنطقة وفساد أبناء الوطن، جاعلا بيت لحم معادلا موضوعيا لكل الوطن.
ولعل كلمة "الدهيشة" التي تشير إلى"مستشفى الأمراض العقلية والنفسية" في الثقافة الفلسطينية والتي اقيم على اراضي المنطقة مخيم اللاجئين المعروف لاحقا، هي ما يؤسس لفكرة الرواية؛ وهي قراءة "مجانين" للمكانين الخاص والعام.
يقول العيسة في حديث مع صحيفة القدس إن استخدام كلمة "مجانين" جاء كرمزية لوجود العديد من الناس العاديين والسياسيين والطبقة العليا في المجتمع الفلسطيني أدركتهم ما وصفها بـ"لوثة الدهيشة".
ويعتبر العيسة أن "مجانين بيت لحم" هي مواصلة لمشروع تقديم بيت لحم بطريقة روائية مختلفة كما لم تُقدم من قبل، وتتحدث عن المكان بشخوصه ومواقعه، والاحياء والحارات الشعبية.
ولم يقدم العيسة مصطلح "الجنون" في الرواية بصفته السلبية بقدر ما حاول أن يفصل بين "عالمي المجانين والعاقلين"؛ خاصة بعد انحسار الفجوة بينهما، بل إن هناك تداخلا بينهما في بعض الأحيان، وهي كناية أخرى عن الوضع "المتشعب والمتشابك" الذي يعيشه المواطن الفلسطيني، بحسب الكاتب.
وبالنظر إلى ما مرت به القضية الفلسطينية خلال سنوات مضت، تُصوّر الرواية، التغريبة بأسلوب "كوميديا سوداء" متشابك وغريب وجريء، وتخلط بين الماضي والحاضر وتنتقل من مكان إلى آخر.
على أن الرواية لم تتجاهل الإشارة إلى بعض الشخصيات الفلسطينية مثل جبرا إبراهيم جبرا، وسليمان بن الشيخ يوسف جاسر، وخليل السكاكيني، والحاج أمين الحسيني، و"الختيار" ياسر عرفات؛ مؤكدة أن مجانين بيت لحم كانوا هم أوّل من شخصوا الوضع السياسي الفلسطيني.
وحول محورية المكان في الرواية، يقول العيسة "حاولت إبراز المكان كمحاولة لتأكيده في الرواية الفلسطينية (..) لاحظت منذ سنوات طويلة أن المكان الفلسطيني ضعيف أو يمكن القول أنه غائب عن الأدب الفلسطيني الذي ظهر بمظهر تقليدي يتحدث عن بطولات وأماكن لم يزرها الكتاب أو الرواة، لكن رواية مجانين بيت لحم حاولت من خلالها تقديم مكان فلسطيني، بعد دراسته جيدا، وبدون رتوش".
وتابع "اعتقد أنه إذا كانت هناك أهمية لهذه الرواية فإنها من كونها تقدم المواطن الفلسطيني دون شعارات وعواطف مبتذلة، وإنما تقدمه كبشر عادي".
العيسة تنقل في روايته بين اكثر من اسلوب سردي، جامعا بين الحكاية والقصة، والتناص مع شهرزاد وألف ليلة وليلة، وشخصيات عاشت في قرون ماضية، وأخرى تعيش في الوقت الحاضر، بالاضافة إلى شخصيات تظهر باسمها الحقيقي، وأخرى بأسماء أدبية.
ويوضح الروائي انه اجتهد "في هذه الرواية لكي اقدمها باسلوب جديد غير مسبوق في الرواية الفلسطينية، وأنا أؤمن أن العمل الروائي، أو الابداعي، عليه ان يقدم الجديد، لان هذا هو مبرر الكتابة (..) أن نضيف لما قدمه الذين سبقونا"، ومن هنا كان التجديد الشكلي عند العيسة.
ويضيف: لدي العديد من المشاريع الأدبية، بعضها منجز، وأخرى في طور الكتابة والبحث، لكنني أتردد كثيرا في دفعها إلى النشر، لأنني أريد ان يكون هناك منهج واسلوب معين في طرح الأدب الجديد والمعاصر، وهذا يحتاج الى متلقٍ متابع، وناقد يواكب، ودار نشر محترمة، انها عملية خلق مركبة.
يعتبر العيسة ان الرواية الفلسطينية تراجعت بعد رحيل "الثلاثي الكبير" في الرواية الفلسطينية: إميل حبيبي، وغسان كنفاني، وجبرا ابراهيم جبرا، ولكن هناك أصوات أدبية مهمة، مثل الروائي رَبعي المدهون، المقيم في لندن، ومن جيل أسبق الروائية سحر خليفة التي ظلت وفية لمشروعها الروائي الخاص بها، على حد قوله.
لكن الادب بالنسبة للعيسة "ليس هو عمل ما بعد الظهر، إنما الكتابة بالنسبة لي مشروع حياة، أعمل واقرأ بشكل ممنهج".
ولم ينس الروائي والصحافي أسامة تقديم "اعتذاري للقارئ وقلت إنني لم أتحدث عن جميع المجانين في فلسطين، وأنني اشعر بالخوف إذا أردت ان اكتب عن كل هؤلاء المجانين لأنني لم أقل الكثير لكنني اعتقد أن رواية مجانين بيت لحم قد تكون بداية لآخرين يكتبون في هذا المجال وآمل أن تؤسس لأعمال ادبية أخرى".